قدر العوران في هذا الزمان… قصة قصيرة.

يحكى أن أعورا شاءت الأقدار أن تسوقه الى قرية جميع سكانها عور، أبتهج كثيرا وأطرب حتى لا يسمع العبارة التي يمقتها… لا تُصبح بوجه اعور فيكون يومك نحسا لابد، فانخرط يمشي مختالا بينهم يمجد نفسه فجأة!! أمسكه حرس الوالي، أخذوه الى القاضي الذي هو اعور بدوره…
فقال له: كيف لك ان تدخل القرية وانت غريب عنها واعور؟ ان فألك علينا نحس لابد، ولابد من زجك في السجن بعد دفع غرامة مالية ثم تفقع عينك السليمة جراء فعلتك بعدها يتم قتلك.
استغرب الرجل الاعور وجن من القاضي فانخرط باكيا!!! قائلا:
يا سيدي القاضي… لكن جميع من في القرية الذين رأيتهم عور وهذا ما دعاني أدخل إليها
القاضي: اخرس وخسئت ماهم بعور، إنما إعورت أعينهم كون رجل اعور مثل نحس مر أمام موكب الوالي صباح رحلته للصيد، فكان شؤما عليه وعلينا فبعد ان اصيبت عين الوالي بارتداد القوس عليه حين اراد اطلاق السهم فاصابها العور، وحتى لا يشعر بالحسرة والحرج والغيرة اصدر أمرا بأن تعور عيون رعيته اسوة به وإلا فالقتل، ففعلوا انصياعا لأمره.. وقضى أيضا بمرسوم ان من يدخل قريته سليما يخير اذا اراد البقاء والعيش فيها بأن تعور عينه كضريبة، وإلا فليرحل بعد دفع الغرامة والسجن لمدة عشرون سنة… اما إذا دخلها الاعور فيعدم بعد أن يدفع الغرامة وتفقع عينه السليمة الاخرى
الاعور: لكن يا سيدي القاضي ما ذنبي ان كنت اعورا أحمل نحسي وهو مقدر علي!؟ أتظنني سعيد بحالي والناس تشمئر حين تراني إنه ابتلاء من الله فما حيلتي، كما ان فقعتم عيني التي ارى فيها سأكون اعمى وهذا يكفي بعد دفعي الغرامة اما قتلي فهذا ليس عدلا ولا يقبل به حتى الله …
القاضي: دعك من مهاتراتك وأسمع ..أمن العدل ان تحمل نحسك متباهيا به بين الناس كونهم عوران مثلك إن تباهيك هذا هو من جار عليك فذق وبال عورك ونحسك واشكو امرك له ولقدرك الاعور، الذي قادك الى قريتنا فأنت نحس حتى على نفسك، هيا لا تجادل اذهب الى السجن والى الجلاد ليفقع عينك ومن ثم يعدمك لتكون عبرة للعوران كما قدر لك… وكما قدر لنا ان نكون عوران اسوة بالوالي الذي ابتلينا به مُنصاعين له واحمد الله انك ستكون ميتا ولا تصبح في كل يوم بوجوه عور كوجوهنا التي ذقت نحس عورها وبالا عليك.
فشر البلية ما يضحك يا هذا، فعامة البشر لا تدرك النعمة إلا حين فقدها، لقد كانت نعمة البصر عندنا لكن عميت البصيرة خوفا وهلعا من جبروت وفتك سلطان، حين تركنا شخص أعور يدخل بيننا فعاث بعوره ونحسه مستقبلنا ومستقبل الاجيال القادمة لأننا سمحنا للنحس الاعور يدخل قريتنا دون حسبان هيا فقد قضي الامر الذي فيه وقدرك تستفتيان.
بقلم / عبد الجبار الحمدي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here