شهد العالم بأسره الكثير من الثورات التي تنشد الحرية، و الحياة الكريمة، وقد كُتِبَ لها بنهايات مأساوية فأخذت البشرية تمرُّ عليها مرور الكرام، و حينما نستقرأ واقع تلك الثورات نجدها تفتقر لعدة مقدمات تشكل العمود الفقري لها، ومن أبرزها حاجتها إلى قيادة حكيمة، و تخطيط مدروس، بالإضافة إلى غياب الوعي الثقافي لدى الجماهير المؤمنة بصدق قضيتها ؛ لذلك لا يُكتب لها النجاح، في حين أن ثورة الحسين بن علي ( عليه السلام ) التي نالت الإشادة و و أصبحت فيما بعد القدوة الحسنة لكل مَنْ قرأ تاريخها المشرف، هذه الثورة امتازت بخصائص جعلتها تنفرد عن نظائرها بأنها قامت على وفق مقدمات صحيحة مطلوبة لتحقيق الثمرة المرجوة منها، فوجود القيادة، وعلى مستوى عالٍ من الخبرة، و الكفاءة، و الشمولية العالية في إدارتها، و بالشكل الصحيح، فكان القائد هو الأنموذج الأمثل فيها، و هذا من سمات النجاح الأولى التي أعطت انعطافة مميزة لها، أيضاً الاستيراتيجية المحكمة، فجاءت بخارطة طريق سيرت الأحداث كما رسمتها أنامل القيادة الحكيمة، كذلك نجد أن الأهداف التي سعت لتحقيقها كانت تستمد أصولها من تعاليم الإسلام الشريف، و القرآن الكريم، و السُنة النبوية الشريفة، فهي بمثابة المدد الذي تأخذ منه حتى تحقق ما تصبو إليه من قيم، و مبادئ، و اليوم نرى تلك القيم السامية أصبحت كعملة نادرة في مجتمع الإنسانية بأسرها،و حينما نتحدث عن قيم، و مبادئ الثورة الحسينية فيقيناً نحن نتحدث عن قيم، و مبادئ السماء، فالسماء تريد الحرية للإنسان، تريد الحياة الكريمة للإنسان، تريد العزة، و الكرامة للإنسان، تريد الوحدة الحقيقية فلا فرق بين أسود، و أبيض بل الكل متساون في الحقوق، و الواجبات، وهذه كلها غاية الثورة الحسينية المعطاء، فهي منبر للحرية، و الوسطية، و الاعتدال، و صدى صوت الحق الذي يعلو، و لا يُعلى عليه حيث قال المحقق الحسني بحقها في بحث الثورة الحسينية و الدولة المهدوية ما نصه :}إن إحياء ثورة الإمام و امتدادها عبر التاريخ حتى قبل وقوعها على أيدي الأنبياء و المرسلين (عليهم السلام ) و على يد خاتم الأنبياء (صلى الله عليه و آله و سلم ) و وصيه (عليه السلام) و امتدادها عبر العوالم في السماوات و الأرضين – كما عرفنا سابقاً – كل ذلك لم يكن إلا من أجل تحقيق الأهداف الإلهية التي خُلق الإنسان من أجلها، و جعلها الله تعالى مرتبطة، و متلازمة مع ثورة، و نهضة الإمام الحسين (عليه السلام ) {انتهى .فالأمة البشرية باتت تعاني الأمرين من ظلم الجبابرة الفاسدين بشتى عناوينهم التي تطالعنا كل يوم، فالأمة أمام حقيقة لا مفرَّ منها فخلاصها من نير هذه الويلات يكمن بطريق العبادة الخالصة لله سبحانه و تعالى .
بقلم الكاتب محمد جاسم الخيكاني
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط