الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر ومظاهرهما في الحياة اليومية

الشرك في الشرع يعني إتخاذ شريك مع الله عز وجل في الربوبية أو في العبادة أو في الأحكام أو في الأسماء والصفات وغيرهم. فمعظم العرب قبل بعثة النبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يعبدون الله الواحد، ولكنهم كانوا يشركون معه غيره من الأصنام تقربًا إليه وواسطة. ومثال على ذلك، يرد الشاعر الجاهلي عبيد بن الأبرص على ملك الحيرة المنذر بن امرئ القيس بالقول: (واللـــــه إن متُّ لما ضرّني … وإن أعِش ما عشتُ في واحدة). والقاعدة الفقهية تقول كل مشرك كافر، وليس كل كافر مشرك فقد يكون ملحدًا جاحدًا لوجود الرب، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا﴾، النساء: 48.

وقد قدم علماء الإسلام فروق عديدة بين الشرك الأكبر والأصغر، اهمها: (1) الشرك الأكبر يخرج من الإسلام والأصغر لا يخرج من الإسلام (2) الشرك الأكبر يخلد صاحبه في النار، والأصغر لا يخلد صاحبه في النار إن دخلها (3) الشرك الأكبر يحبط جميع الأعمال، والشرك الأصغر لا يحبط جميع الأعمال وإنما يحبط الرياء والعمل للدنيا العمل الذي خالطه (4) الشرك الأكبر يبيح الدم والمال، والأصغر ليس كذلك (5) الشرك الأكبر يوجب العداوة بين صاحبه وبين المؤمنين، فلا يجوز للمؤمنين موالاته، ولو كان أقرب قريب، وأما الشرك الأصغر فإنه لا يمنع الموالاة مطلقًا، بل صاحبه يحب ويُوالَى بقدر ما معه من التوحيد، ويبغض ويُعادَى بقدر ما فيه من الشرك الأصغر.

ومن مظاهر الشرك الأكبر المنتشرة اليوم في الحياة اليومية: (1) التعبد لغير الله تعالى بصرف أي نوع من أنواع العبادة لغيره سبحانه، وأكثرها انتشارا: دعاء غير الله تعالى من الأموات سواء كانوا أولياء صالحين أو غير ذلك، أو دعاء أصنام، أو أحجار، أو أشجار، أو قبور، أو أضرحة، أو مقامات أو غيرها، ومنه اعتقاد أنها تنفع أو تضر، وهذا شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام حتى لو كان صاحبه يعظم الله تعالى ويعبده، قال تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾، الزمر: 38. وقول إبراهيم عليه السلام لقومه الكافرين في العراق كما يخبرنا الله عز وجل: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾، الممتحنة:4. (2) الذبح لغير الله، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾، الأنعام: 162-163. (3) ظهور التشريعات والقوانين الامريكية والأوربية والروسية في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله، وتحكيم القوانين الكافرة بدلا من التشريعات الإسلامية، قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحبَارَهُم وَرُهبَانَهُم أَربَاباً مِن دُونِ اللَّهِ﴾، التوبة: 31. (4) السحر والكهانة والعرافة، قال تعالى: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحرَ﴾، البقرة: 102. (5) شرك المحبة أو الغلو في محبة المخلوقين، قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبٌّونَهُم كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدٌّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَو يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذ يَرَونَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العَذَابِ﴾، البقرة: 165.

ومن مظاهر الشرك الأصغر المنتشرة اليوم في الحياة اليومية: (1) الخوف من غير الله، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، آل عمران: 175. (2) التوكل على غير الله، قال تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰقَوۡمِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَيۡهِ تَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّسۡلِمِينَ﴾، يونس: 84. (3) ابتغاء الرزق من عند غير الله، يقول إبراهيم عليه السلام لقومه الكافرين في العراق كما يخبرنا الله عز وجل: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، العنكبوت: 17. (4) الحلف بغير الله، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت)، رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، رواه الحاكم والترمذي. (5) الرياء، فعن محمود بن لبيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ؟ قَالَ :الرِّيَاء)، رواه أحمد.

والله أعلم بالصواب
إيهاب المقبل

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here