إيهاب المقبل
الطاغوت في الشرع، هو كُل ما عُبد من دون الله، ورضي بالعبادة من معبود، أو متبوع، أو مُطاع، في غير طاعة الله ورسوله. والطاغوت في اللغة هو ما جاوز القدر، وارتفع وغلا، كطغيان الماء، قال تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾، الحاقة: 11.
ويتم صناعة الطاغوت في بلدان العالم بثلاث مراحل رئيسية: المرحلة الأولى وهي عصيان الله عز وجل دون إنكار المعصية وحجته تكون العاطفة والعقل من غير تحكيم الشريعة الإِسلامية أو القبول بأراء المصححين، قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾، الجاثية: 23. المرحلة الثانية وهي الكفر بالله عز وجل ورفض فكرة أنه ينبغي على المرء طاعته سبحانه وتعالى، قال تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾، البقرة: 257. المرحلة الثالثة وهي المرحلة النهائية من صناعة الطاغوت وتتلخص بالتمرد ضد إِرادة الله تعالى وعظمته، قال تعالى: ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾، المائدة: 64.
وهناك ثلاث عناصر مساعدة لصناعة الطاغوت في بلدان العالم: (1) بطانة السوء التي تزين له الشر وتقلب له الحق باطلا والباطل حقا، ولقد نهانا الله تعالى عن موالاة بطانة السوء، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ال عمران: 118. (2) علماء السلطة المنافقين الذين يضفون نوعًا من الشرعية الدينية على الحاكم المستبد، فيحلون له الحرام ويحرمون له الحلال، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ﴾، النحل: 116. وقال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾، يوسف: 40. وقال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾، المائدة: 50. (3) الشعوب المستكينة، فالحاكم المستبد يجعل الشعوب تستبد معه، وتواليه في استبداده بدل أن تكون هي المعين على إصلاحه وتقويمه، فتكون من أدوات صنع الطواغيت طواعية أو كرهًا، وكان الواجب عليها أن تقاوم الظلم وتجابه الفساد، وتعمل على إزالة الطغيان والاستبداد، قال تعالى: ﴿أَتَوَاصَوْا بِهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾، الذاريات: 53. وقال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا﴾، الشمس: 11. وقال تعالى: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ﴾، النجم: 52.
والطواغيت في هذه الحياة كثيرون، ويجدهم الإِنسان في مشارق ومغارب الأرض، ولكن رؤوسهم خمسة، كما ذكر ذلك الإِمام ابن القيم رحمه الله: (1) بليس كبير الشياطين لعنه الله كانَ من الجن وتمرد على أوامر الله عز وجل، فإنه رأس الطواغيت وهو الذي يدعو إلى الضلال والكفر والإلحاد وعبادة وطاعة غير الله عز وجل، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾، البقرة: 34. (2) من عبد من دون الله وهو راض بذلك، فإن من رضي أن يعبده الناس من دون الله، فإنه يكون طاغوتًا، قال تعالى: ﴿مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾، المائدة: 60. وقال تعالى مخبراً عن قصة موسى عليه السلام مع فرعون مصر: ﴿اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ﴾، طه: 25. (3) من دعا الناس إلى عبادة نفسه، فالذي يدعو الناس إلى أن يعبدوه، ويريد أن يكون إلهًا ولو لم يقل إنه إله، لكن إذا دعا الناس إلى أن يتقربوا إليه بالعبادة ويزعم أنه يشفي مرضاهم، وأنه يقضي حوائجهم التي لا يقدر عليها إلا الله عز وجل وأنه يقدر أن يضرهم بما لا يقدر، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾، النساء: 51. (4) من حكم بغير ما أنزل الله عز وجل فإنه يكون طاغوتًا، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾، النساء: 60. (5) من ادعى أنه يعلم الغيب فهو طاغوت سواء أكان أنس أم جن، قال تعالى: ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾، الأنعام: 59. وقال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾، الأنعام: 110.
وأخيرًا، ينبغي على المسلم/ المسلمة الكفر بالطاغوت واجتنابه، قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ﴾، البقرة: 256. وقال تعالى: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، النحل: 36. وقال تعالى: ﴿والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى﴾، الزمر: 17. وقال تعالى: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾، البقرة: 15. وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾، الفجر: 11-14.
والله أعلم بالصواب
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط