الموصل: جهات حكومية ومليشيات ترث سجون “داعش” السرية

الموصل ــ كرم سعدي

21 سبتمبر 2018

تحرير الموصل من سيطرة تنظيم “داعش” لم ينهِ عهد السجون السرية لـ”الشرطة الإسلامية” التابعة للتنظيم، التي توفي فيها المئات من أهل الموصل طيلة سنوات احتلال التنظيم المدينةَ، نتيجة التعذيب والتجويع والإعدام. اليوم تعود السجون السرية مرة أخرى بثوب مختلف على يد مليشيات وجماعات مسلّحة وكذلك بعض صنوف القوات الأمنية كالشرطة الاتحادية والأمن الوطني، وفقاً لمصادر أمن عراقية وأعضاء بالمجلس المحلي، تذكر بأن “المئات يقبعون داخل السجون التي تتخذ من منازل ومبانٍ حكومية مهجورة ومجمعات سكنية مقرات لها”.
وكشفت معلومات مسربة من مكتب قائد عمليات نينوى اللواء نجم الجبوري، ضمن مذكرة موجهة إلى رئيس الوزراء، استفحال ظاهرة إنشاء كل قوة من القوات الموجودة في محافظة نينوى وعاصمتها الموصل، سجوناً خاصة بها، وأن غالبية هذه السجون تحولت إلى مراكز انتهاكات واسعة وابتزاز.

“”

وتحدث مسؤول عسكري في مكتب الجبوري، لـ”العربي الجديد”، قائلاً إن “الشرطة الاتحادية والأمن الوطني ومليشيات الحشد بمختلف فصائلها الثلاثين المنتشرة في نينوى، لديها سجون وتعتقل من دون مذكرات اعتقال قضائية أشخاصاً تتهمهم بالانتماء إلى داعش. وهناك وفيات تحدث نتيجة التعذيب وأيضاً عمليات ابتزاز مقابل إطلاق سراحهم، كان آخرها سائق سيارة لوري كان ينقل الرمل ومواد البناء حين تم اعتقاله ثم أُطلق سراحه بعد دفع أهله 3 آلاف دولار و12 طناً من الاسمنت لآمر محور بإحدى مليشيات الحشد في نينوى، يدعى أبو سجاد الموسوي”. ووفقاً للمصدر ذاته فإن “جهاز الأمن الوطني في الموصل، يشرف على سجون سرية تنتشر في عدد من مناطق المحافظة”.

وذكر أن “سجنين من هذه السجون يقعان في ناحية برطلة (25 كيلومتراً شرق مركز الموصل)، يضمان أكثر من 500 سجين، وسجناً آخر في قرية تقطنها الأقلية الشبكية ويضم هذا السجن قرابة 200 معتقل، وسجناً آخر في الساحل الأيسر للموصل، يضم قرابة 100 معتقل”. وأكدت المصادر أن “معظم المسجونين في هذه السجون جرى اعتقالهم وفق دعاوى كيدية، أو بسبب تشابه أسمائهم الثلاثية والرباعية”.

أحد أعضاء مجلس محافظة نينوى، اعتبر أن “الناس كانت تفعل أي شيء لتتّقي داعش، فترخي لحاها، وتصلي وتدعي التدين وتفعل أموراً كثيرة كي تتجنب سجون داعش والآن نفس الشيء، لكن بالعكس هي تحلق لحاها وتزعم عدم التدين وتدعي الإلحاد إذا تطلب الأمر كي تتجنب سجون جهات عدة تمسك بالسلاح في نينوى”. وأضاف: “بعضهم لا يشرب الكحول وصار يحمل قنينة بيرة في سيارته ليبعد عنه تهم الدعشنة وآخرون يعلقون صوراً لزعماء دين ليسوا من طائفتهم، فقط لتجنب الاعتقال وكسب ود حملة السلاح الكثر”. وأكد أن “هناك حالات موت بسبب التعذيب. هذا الأمر مؤكد لنا نحن أهل الموصل، لكن وسائل الإعلام لا تعلن ما يجري، والجهات الحكومية تتكتم على هذا الأمر”.

ما قاله عضو مجلس نينوى ليس جديداً عند أهل الموصل، فنساء تحدثن لـ”العربي الجديد” أكدن أن “شباباً من أقاربهن تم اعتقالهم بتهم الانضمام إلى داعش، من دون وجود أي أدلة، وأن معتقلين أطلق سراحهم بعد أيام أو أكثر على الرغم من كونهم هربوا من المدينة عند سيطرة التنظيم عليها وعادوا بعد تحريرها، ولم يقعوا بتاتاً تحت سلطة التنظيم”، لكنهن اتهمن الجهات الأمنية بالتعامل الطائفي والحصول على أموال بابتزاز عائلات من يتم احتجازهم.

في هذا السياق، أشارت إحدى النساء في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أن “ولدها كان بين من اعتُقلوا لأكثر من عشرة أيام وجرى التحقيق معهم باستخدام التعذيب”. وذكرت أنهم “كانوا يطلبون من ولدها الاعتراف عن أصدقاء له تفيد التحقيقات بأنهم مرتبطون بتنظيم داعش”، مؤكدة أن “ولدها شاهد في مكان اعتقاله عدداً من الشباب الذين تعرّضوا لتعذيب وصفه بالوحشي”. ولفتت إلى أن “من كانوا يحققون معه عناصر من المليشيات وليسوا قوات حكومية”.

بدوره، قال المحامي أحمد الحمداني، وهو من أهالي الموصل، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “مصطلح السجون السرية لا ينطبق على كل الحالة فهناك سجون تديرها الشرطة الاتحادية والأمن الوطني واستخبارات الجيش، وهي جهات رسمية تابعة للحكومة. غير أن هذه السجون غير رسمية ولا تعمل بموجب القضاء أو القانون العراقي وبالتالي يمكن وصفها بسجون مخالفة للدستور وفيها تقع انتهاكات فظيعة”. وأضاف أن “السجون السرية هي التي تتبع للمليشيات ويجب القول إنه ليس الحشد فقط الذي لديه سجون سرية بل مليشيات عشائرية سنية وأخرى مسيحية وأيزيدية وشبكية، كلها تمتلك سجوناً والمعتقلون من فئة واحدة بالتأكيد هم العرب السنة”. وتابع: “هناك تقارير من منظمة العفو الدولية ومن منظمات محلية تحدثت عن الموضوع لكنْ للأسف المعتقلون في هذه السجون ذنبهم أنهم دخلوها مع مفاوضات تشكيل الحكومة”. ولفت إلى أن “استخبارات الموصل تعتمد على مصادر ثبت أنها تعمل لأجل المنفعة المادية أو الإيقاع بالآخرين بسبب خلافات شخصية، وهو ما يدركه من يشرفون على عمليات التحقيقات مع المعتقلين”، لكن وبحسب تأكيده “هناك منافع عديدة يجنيها مسؤولون أمنيون فضلاً عن النظرة الطائفية التي يتعامل وفقها عدد غير قليل من المسؤولين على ملف المحافظة الأمنية”. مصادر أمن داخل الموصل تؤكد أن ضباطاً، من بينهم “العميد عادل”، مدير جهاز استخبارات الموصل، يتعاملون وفق أسلوب “طائفي” في إدارة هذا الملف الحساس.

أحد المصادر التي تحدثت لـ”العربي الجديد” من المنتسبين في جهاز أمني تابع لوزارة الداخلية، وقريب من ضباط عاملين في استخبارات الموصل، قال إن “العميد عادل معروف بتعامله الطائفي، وإن الجهاز الذي يديره تتبع له معتقلات عدة تتوزع على الجانبين الغربي والشرقي من الموصل، وإنه يجند مخبرين سريين ينقلون معلومات عن سكان الموصل الذين نزحوا منذ أن سيطر على مدينتهم داعش، ولجأوا إلى السكن في محافظات إقليم كردستان”.

والغاية من هذا بحسب قول المصدر، هي “متابعة الميسورين وأصحاب الشأن في المجتمع الموصلي، لمحاولة القبض على أي من أفراد هذه العائلات في حال دخل الموصل، وسبب ذلك هو طائفي ونفعي”. وأوضح أنه “يقصد بالنفعي ابتزاز ذوي المعتقلين لنيل مبلغ من المال للإفراج عن أبنائهم”.

وفي هذا الصدد، كشفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” عن “عمليات تعذيب تصل إلى الموت، تنفذ في داخل مراكز تديرها وزارة الداخلية العراقية في الموصل”. وذكرت المنظمة، في تقرير نشرته الأحد الماضي، أن “معتقلَيْن سابقَيْن ووالد رجل توفي في أثناء الاعتقال قدموا تفاصيل عن سوء المعاملة والتعذيب والموت في هذه المراكز”.

وذكرت المنظمة أن “شخصاً يدعى محمود، رفض الكشف عن اسمه الكامل، كان محتجزاً لدى (مديرية الاستخبارات ومكافحة الإرهاب) التابعة لوزارة الداخلية في سجن الفيصلية شرق الموصل، من يناير/كانون الثاني 2018 إلى مايو/أيار من العام عينه، أبلغ المنظمة أنه شاهد وتلقى تعذيباً متكرراً أثناء الاستجواب، ورأى 9 رجال يموتون هناك، على الأقل اثنان من سوء المعاملة”.

وبحسب تقرير المنظمة، قال المواطن سلام عبيد عبد الله، إن “عناصر شرطة الموصل ألقوا القبض على نجله داود سلام عبيد، وهو عامل، في 22 مارس/آذار، قائلين إنهم يأخذونه إلى الاستجواب”. وبيّنت المنظمة أن “عبد الله أُخبر بعد يومين أن “ابنه توفي بنوبة قلبية في أثناء التحقيق، لكن عندما حصلت العائلة على الجثة بعد شهر، ظهرت عليها كدمات وجروح”. وأضاف الأب الذي فقد ابنه، أنه “تقدم بشكوى رسمية إلى الشرطة لكنه لم يتلق رداً بعد”.

وقالت المنظمة إن “رجلاً آخر يدعى كريم احتجز 11 شهراً في سجن الاستخبارات في القيارة، على بعد 60 كيلومتراً جنوب الموصل، ثم في سجن الفيصلية حيث كان محمود، قال إنه رأى رجالاً آخرين عادوا من الاستجواب وهم يحملون علامات سوء المعاملة على أجسادهم”.

وأضافت المنظمة أن “باحثين أجروا مقابلات مع المعتقلين السابقين ووالد المحتجز الذي قُتل رهن الاعتقال، في يوليو/تموز الماضي وأغسطس/ آب الحالي، شخصياً وعبر الهاتف، وأوضحت أن كل واحد منهم قدم أدلة مادية وثائقية أو صوراً لإثبات رواياتهم، لكنهم لم يخبروا القضاة بتعرضهم لسوء المعاملة، خشية الانتقام من حراسهم، وقالوا إنهم لن يتخذوا أي خطوات للإبلاغ عن سوء المعاملة. كما قال أحدهم إنه أصيب بكدمات في جميع أنحاء ذراعيه، كانت واضحة للقاضي، لكنه لم يستفسر عنها أو يحقق في إمكانية استخدام التعذيب”.

وذكرت المنظمة أنها “كتبت، في 12 أغسطس الحالي، إلى حيدر العكيلي، ممثل اللجنة الاستشارية لرئيس الوزراء حيدر العبادي، طالبة الرد على ادعاءات الأشخاص الذين تمت مقابلتهم. وفي رد أولي كتب العكيلي بعد يومين أنه ملتزم في التحقيق بموت داود سلام العبيد، لكنه لن يتمكن من التحقيق في الادعاءات الأخرى ما لم يُعلن عن هوية الأشخاص المعنيين”.

وقالت نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، لما فقيه، إن “المزاعم الأخيرة لا تعكس المعاملة الوحشية لمحتجزي وزارة الداخلية في منطقة الموصل فحسب، بل أيضاً عدم إحقاق العدالة من قبل السلطات الأمنية والقضائية عند وجود دليل على التعذيب”. وأضافت أن “تقاعس الحكومة عن التحقيق في التعذيب والوفيات في الاحتجاز هو ضوء أخضر لقوات الأمن لممارسة التعذيب دون أي عواقب”. وأردفت أن “المحتجزين وعائلاتهم يقدمون دليلاً ملموساً على إساءة المعاملة في مراكز وزارة الداخلية. الكرة الآن في ملعب السلطات لتظهر أن لديها الهيكليات المناسبة للتحقيق والملاحقة والتعويض”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here