على ماذا سيتفق أردوغان مع بوتين حول إدلب؟

يلتقي الرئيسان؛ التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، في قمة ثنائية في سوتشي، غداً، لبحث القضية السورية، وتحديداً المعارك التي ستجري في إدلب لإخراج الفصائل المسلحة “الإرهابية “منها.

ويأتي انعقاد هذه القمة في سياقات عديدة، أبرزها:

الأول: عمق الخلافات التي ظهرت بين الأطراف الضامنة لأستانا؛ روسيا وإيران وتركيا، في القمة التي انعقدت قبل أسبوعين في طهران، التي قدمت خلالها تركيا خطة لإنهاء الوضع في إدلب، يضمن الفصل بين الفصائل المسلحة المعتدلة والفصائل المتشددة، وضرورة أن تقتصر العمليات العسكرية ضدّ الفصائل المتشددة فقط “داعش والنصرة”، وهو ما يعني استثناء فصائل الجيش الحرّ.

الثاني: تصعيد تركي غير مسبوق باتجاه دعم الفصائل المعتدلة بالأسلحة والذخائر، وحشد عسكري على الحدود، وفي مناطق ريفي حلب وحماه، وهو ما يعكس عدم ثقة بمخططات الحليفين في أستانا؛ روسيا وإيران.

اقتصار العمليات ضدّ "داعش والنصرة" يعني استثناء فصائل الجيش الحرّ

اقتصار العمليات ضدّ “داعش والنصرة” يعني استثناء فصائل الجيش الحرّ

الثالث: تحذيرات دولية لروسيا وإيران والجيش السوري من مغبة ارتكاب جرائم إنسانية باستخدام أسلحة كيماوية في معارك إدلب، وتصريحات غربية، أمريكية وأوروبية، باستهداف مواقع للجيش السوري والمليشيات الإيرانية في سوريا، تزامنت مع زيادة كثافة تواجد قطع بحرية روسية وأمريكية قبالة السواحل السورية، إضافة إلى إظهار استعدادات وجاهزية في القواعد العسكرية الأمريكية في سوريا والمنطقة.

الرابع: استجابة للضغوط الدولية على روسيا وإيران والجيش السوري، أظهرت الأطراف الثلاثة تخفيفاً من حدّة التصريحات، التي تؤكّد أنّها ستستهدف فقط الإرهاب في إدلب؛ حيث صرّح وزير الخارجية الإيراني، لمجلة “ديرشبيغل” الألمانية؛ بأنّ إيران تسعى إلى الحدّ من التوتر، والحيلولة دون المزيد من حمامات الدم، وأنّه لا وجود لحلول عسكرية للأزمة السورية، فيما أكّد رئيس الشؤون الخارجية بالدوما الروسي، “وجود خلافات بين تركيا وروسيا، حول التعاطي مع إدلب، لكن “استطعنا” تخطّيها، وإنّ أهمّ ما سيحدث في القريب العاجل “هجوم متّفق عليه ضدّ الإرهابيين في إدلب”.

 

قمة سوتشي، بين الرئيسين؛ أردوغان وبوتين، دون مشاركة إيرانية، إضافة إلى كونها تعكس احتمالات تفاهم الطرفين الفاعلين في قضية إدلب، إلا أنّها ترسل رسالة سلبية إلى إيران من قبل تركيا وروسيا، وستعزز مساحة الشكوك الإيرانية بالحليفين؛ الروسي والتركي، خاصة أنّ الموقف الروسي تجاه التواجد الإيراني في سوريا لم يعد سرّاً، في ظلّ اتفاقات معلنة تمّ التوصل إليها بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل مع روسيا، وتمّت ترجمتها في معارك الجنوب، وغضّ الطرف من قبل روسيا عن الضربات المتكررة ضدّ مواقع إيرانية في سوريا.

تساؤلات تطرح اليوم؛ حول ما يمكن أن يحققه أردوغان في حواره الثنائي مع بوتين، في ظلّ مقاربتين؛ روسية تسعى إلى إنهاء التهديد القادم من فصائل إدلب، ضدّ قاعدتها العسكرية في إدلب، واستعادتها تحت سيادة الجيش السوري على غرار مناطق أخرى، ومقاربة تركية تتطلع للتمسك بإستراتيجيتها تجاه الأكراد، وتنفيذ التزاماتها تجاه الجيش الحرّ والفصائل الموالية لها، وإنشاء منطقة آمنة على حدودها داخل سوريا، تحول دون تدفق المزيد من اللاجئين، وتمنع وصول الجيش السوري والمليشيات الإيرانية إلى حدودها.

الترجيحات تشير إلى أنّ القمة الروسية التركية، ربما تنتهي باتفاق تعاون تركي روسي على ضربات مرسومة، تستهدف داعش والنصرة فقط، مع تعهدات بالفصل بينها وبين الفصائل المعتدلة، مقابل إنشاء منطقة آمنة داخل سوريا، على الحدود مع تركيا، تضمن المطالب التركية، وبحيث تبدو روسيا حققت أهدافها بالوصول الى إدلب وتحريرها، فيما ستبدو تركيا حققت مطالبها بالاحتفاظ بعفرين ومنطقة آمنة للجيش الحرّ.

قدرة روسيا على تنفيذ التزاماتها على المحك أمام رغبات الجيش السوري والمليشيات الإيرانية

قدرة روسيا على تنفيذ التزاماتها على المحك أمام رغبات الجيش السوري والمليشيات الإيرانية

وتبدو قدرة روسيا على تنفيذ التزاماتها، وفق هذا السيناريو، إذا ما تمّ الأخذ به، على المحكّ، أمام رغبات في أوساط الجيش السوري والمليشيات الإيرانية لاستعادة السيطرة على كامل إدلب، واستخدام الخيار العسكري على أوسع نطاق، رغم نجاحات روسية سابقة في حلب ودرعا والغوطة بضبط المليشيات الإيرانية، وربما تفسّر الحشود العسكرية التركية على الحدود مع سوريا، خاصة في ريف حلب، وما يقابلها من حشود للمليشيات الإيرانية، خاصة حزب الله اللبناني، الاستعداد لسيناريو فوضى تتمثل بعدم قدرة روسيا على ضبط قطاعات من الجيش السوري والمليشيات الإيرانية، في الإصرار على خوض حرب شاملة في إدلب، خاصّة أنّ حرب ولاءات داخل المؤسسات السورية، السياسية والعسكرية والأمنية، تتصاعد بين ولاءات لإيران، وأخرى لروسيا.

قمة سوتشي، وليس قمة طهران، بين الرئيسين؛ أردوغان وبوتين، ستحدد حدود معركة إدلب وتوقيتاتها وأهدافها، بما يضمن مصالح الطرفين؛ التركي والروسي، لا المقاربات الانتقامية لأوساط في الجيش السوري مع الحرس الثوري الإيراني والمليشيات التابعة له، ومن المؤكّد أنّ هذه القمة لم تكن لتعقد لولا أنّ بوادر اتفاق وتفاهمات روسية تركية قد برزت، تتجاوز بالضرورة الرغبات السورية والإيرانية؛ التي تتطلع لحرق إدلب بمن فيها.

كاتب وخبير أمني أردني
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here