لثورة، الانتفاضة، الفتنة.. عمر بن الخطاب (2)

إضافة الى ما سبق.

* سادساً: في ص26 وعاظ السلاطين كتب: […فقد كان بين عمر ورعاياه تجاوب نفسي عميق والسر في ذلك هو ما كان عليه عمر من زهد وتعفف وعدل صارم…علم ذات يوم ان أحد أولاده شرب خمراً فامر بجلده حتى مات. فانتشر خبر ذاك في الناس واخذوا يتناقلونه ويبالغون فيه وبهذا أصبح عمر في نظر الناس فوق الشبهات فإذا انتقده أحد على شيء صرخ فيه الناس قائلين: اسكت…لو كان عمر كما تقول لعفى عن ولده وفلذة كبده…وبهذا أصبح الحاكم والمحكوم جسماً واحداً لا فجوة فيه وتماسك المجتمع تماسكاً قوياً] انتهى

ان هذه الرواية موجودة في بطون الكتب التي نقلت لنا ذلك “التراث/الإرث”!!!هل هي صحيحة ام موضوعة لا يهمني رغم ذهابي خلف انها موضوعة…لكن يهمني هنا ما بناه الراحل الوردي عليها او كيف لعالم اجتماع أن يعتمدها ويقدمها دليل على ما يريد ويربطها بالتجاوب النفسي العميق بين الحاكم والمحكوم وانها كانت سبباً في أن يكون “الحاكم والمحكوم جسماً واحداً لا فجوة فيه وتماسك المجتمع تماسكاً قوياً ” مفسراً تلك الرواية تفسيراً لا يختلف عن تفسير أي رجل دين متعصب وطارحاً لها ومعتمدها كأي واعظ من وعاظ السلاطين دون ان يفكر بها ويحللها والسبب كما أعتقد انه تلقفها ليجعلها سنداً له في التمييز بين عهدي الخليفتين الراشدين الشيخين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وتوظيفها في تفسير ما حصل وجرى في عهد الخليفة الراشد الثالث الشيخ عثمان بن عفان…

هل طرح وتفسير الوردي لتلك الرواية صحيح؟ أي هل كان الحال على عهد الخليفة عمر بن الخطاب كما وصفه الراحل الوردي من لا فجوة بين الحاكم والمحكوم وان المجتمع متماسك تماسك قوي؟

هذا السؤال يدفع الى تفسير وتحليل تلك الرواية وحسب طروحات الوردي ومن كتبه نفسها ويستوجب مناقشة تلك العبارة لمعرفة هل كان المجتمع وقت الخليفة عمر بن الخطاب بتلك الصورة التي أشار لها/اليها الوردي… وهنا اطرح الأسئلة التالية:

1-هل تحقق عمر من ان ولده شرب الخمر بعد أن وصله الخبر؟ نفترض نعم!

2- هل هي المرة الأولى والوحيدة أم أن حال”ولد الخليفة”حال الكثيرين من”كارعي”الخمروقتذاك؟هل نهاه قبلها ونصحه ولم ينتهي “آوما انتهيت”؟

3- هل شرب الخمر وقتذاك جديد على المجتمع بحيث يدفع الخليفة الراشد الثاني الى ذلك الحد من القسوة/العقوبة؟

4- ألايمكن ان ترتد هذه الرواية ضد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وهو المسؤول عن تربية أولاده ويُعتبر تصرف الولد سوء تربية/سلوك؟

5- من هو “ولده” هذا من بين عديد اولاده؟ وفي أي عام من أعوام خلافة عمر بن الخطاب حصلت تلك ال “واقعة”؟

6- هل هناك حدود شرعية لشارب الخمر في الإسلام/القرآن؟ هل طبقها الخليفة ام تجاوزها؟

7- هل هذا تصرف الخليفة الثالث الشيخ عمر بن الخطاب “العدل الصارم” من الرُشد؟

8- إذا كان هذا تصرف الخليفة عمر بن الخطاب مع ابنه، ولده، فلذة كبده. فكيف كان تصرفه مع مخالفيه او أبناء الأمصار والثغور او مع شعوب البلدان التي فتحتها جيوشه او امر بغزوها؟

كان على الراحل الوردي ان يضع الكثير من الأسئلة امامه ويحلل الرواية ويستخلص منها العبر الاجتماعية/ تأثيرها على المجتمع قبل ان يركض وراء التفسير السطحي لهذه الواقعة ويُجَّيرها سنداً لما يريد. فهو ليس رجل دين يريد ان يعظ بها وهو ليس مؤرخ حتى يسندها لقائلها ويطرحها رواية قد يختلف عليها المؤرخون وهو ليس راوي يريد ان يعطي ل “حكاويه” طعم ونكهة خاصة جذابة. هو عالم اجتماع يريد ان يحلل حالة/ واقعة/حادثة جرت/حصلت/وقعت في مجتمع كان قبل ان يكون الوردي بأكثر من أربعة عشر قرناً ولا تزال تؤثر في المجتمع/المجتمعات الذي/التي ورثها/ورثتها وورث/ورثت تأثيرها رغم كل تلك القرون.

السؤال الأهم …هو هل كان المجتمع في عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب متماسكاً بقوة؟ هل كان كما جسم واحد لا فجوة فيه؟ هل كان هناك تجاول نفسي عميق بين الخليفة والرعية؟

عن حالة المجتمع وقتذاك وعلاقة الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب برعيته كتب الوردي التالي:

1- في ص125 وعاظ السلاطين التالي: [يقول الطبري: ان قريشاً ملت عمر ابن الخطاب فهو قد حصرها بالمدينة ومنع عليها التجوال في الامصار وقال بصريح العبارة:”…ألا ان قريشاً يريدون ان يتخذوا مال الله معونات دون عبادة. ألا فأما وابن الخطاب حي فلا! إني قائم دون شِعب الحرة آخذ بحلاقيم قريش وحجزها أن يتهافتوا في النار] انتهى

2- في ص126 وعاظ السلاطين كتب: [ولم يكتف عمر بهذه الاهانات التي وجهها الى قريش إذ سلط عليها عبيدها السابقين. انه فَعَلَ شيئا اخر أدهى منه. ذلك أنه أبطل نصيب “المؤلفة قلوبهم” من الفيء وحرم قريشا بهذا من عطاء كانت تتنعم به في أيام النبي وأيام خليفته ابي بكر] انتهى

3- في ص 129 وعاظ السلاطين كتب:[رأينا من قبل كيف امتعضت قريش من تولي عمر للخلافة بعد ابي بكروقد جرى هذا في الوقت الذي كانت قريش فيه لا تزال ضعيفة قليلة المال والنفوذ حيث لم تكن آنذاك قد استرجعت قوتها بعد الضربات القاصمة التي كالها لها النبي محمد.اما في أواخرأيام عمرفقد كانت قريش قوية غنية اذ استعادت في خلافة عمر كثيرا من نفوذها الضائع وقد كان عمر نفسه يخشاها كما رأينا ويحذر الناس من مكايداتها] انتهى

اقـــــــــــــــول: الرجاء الانتباه الى التالي:

* قريشاً ملت عمر فهو قد حصرها بالمدينة ومنع عليها التجوال في الامصار.

* لم يكتب عمر بهذه الاهانات التي وجهها لقريش اذ سلط عليها عبيدها السابقين.

* أبطل نصيب المؤلفة قلوبهم من الفيء وحرم قريشاً بهذا من عطاء كانت تتنعم به في أيام النبي وأيام خليفته ابي بكر.

* … وقد جرى هذا في الوقت الذي كانت قريش فيه لا تزال ضعيفة قليلة المال والنفوذ حيث لم تكن انذال قد استرجعت قوتها بعد الضربات التي كالها لها النبي محمد.

*اما في أواخر أيام عمر فقد كانت قريش قوية غنية اذ استعادت في خلافة عمر الكثير من نفوذها الضائع. وقد كان عمر نفسه يخشاها كما رأينا ويحذر الناس من مكايداتها.

اعرف ان في هذا تكرار اعتذر عنه لكنه مفيد للانتباه الى ان قريش كانت ضعيفة على عهد النبي محمد بسبب الضربات التي كالها لها ومن هذه الضربات هو جعلها تتنعم بالمال من نصيب المؤلفة قلوبهم الذي ورد لها في القرآن وأقره ومارسه النبي محمد وهذه هي الضربات التي كالها لها النبي محمد…وكانت قريش في اخر أيام عمر قوية غنية اذ استعادة في خلافة عمر الكثير من نفوذها الضائع…اتمنى ان تعيدوا قراءة القاط أعلاه لتكونوا على بينة من الكم الهائل من التناقضات في طروحات الوردي تلك التي وردت في اسطرٍ معدودات.

4- في ص125 وعاظ السلاطين كتب التالي: [كان عمر معروفاً بحبه للأعراب. وقد أوصى بهم خيراً عند وفاته وقال عنهم انهم “مادة الإسلام” ومعنا ذلك انه كان ينظر إليهم نظرة مخالفة لما كانت قريش تنظر بها اليهم. فقريش كانت في ذلك العهد تتعالى على الاعراب وكانت تعتبر نفسها قوام الإسلام وأساسه الذي بني عليه] انتهى

وكتب في نفس الصفحة: [كان المسلمين في عهد عمر طبقتين: طبقة عليا مؤلفة من اشراف قريش وطبقة سفلى مؤلفة من سواد الاعراب أبناء القبائل البدوية] انتهى

وورد ايضاً في نفس الصفحة التالي: [كان عمر يتهم اشراف قريش بأنهم لا يخلصون في الجهاد للإسلام ولا يعرضون أنفسهم للموت في سبيله. يقال إن خالد بن الوليد رأى عكرمة ابن أبي جهل مصروعاً في احدى معارك الشام فوضع راسه على فخذه وأخذ ينظر اليه ويقول: “زعم ابن حنتمه اننا لا نستشهد!” وكان خالد يقصد بابن حنتمه عمر بن الخطاب امتهاناً له] انتهى

5- في ص 126 وعاظ السلاطين كتب الوردي التالي: [يقال ان أبا سفيان وسهيل أبن عمرو وجماعة من كبراء قريش وقفوا بباب عمر يستأذنون في الدخول عليه فلم يأذن لهم وأذِنَ لبلال وصهيب وهما مواليان فقيران فتورم أنف ابي سفيان من هذه المهانة وقال محنقاً: “لم أر كاليوم قط. أذِنَ لهؤلاء العبيد ويتركنا على بابه] انتهى

وكتب ايضاً في نفس الصفحة: [ومما يضحك أن عمر أمر بمحاكمة خالد بن الوليد على ما كان يهب الشعراء من جوائز على طريقة قريش القديمة. وقد سؤل خالد أثناء المحاكمة عن تلك الهبات: أهي من ماله أم من مال المسلمين؟ فسكت خالد. فقام له بلال الحبشي فتناول عمامته ونقضها ثم شده بها، وخالد لا يمنعه] انتهى

أقــول: هل هذه النصوص التي نَقَلْتُها لكم عن الراحل الوردي من كتبه، تؤكد على تماسك المجتمع تماسكاً قوياً وان الحاكم والمحكوم جسماً واحداً لا فجوة فيه وان هناك تجاوب نفسي عميق بين الحاكم والمحكوم؟

………………

في ص132 وعاظ السلاطين كتب: [ولو درسنا هذه الثورة دراسة موضوعية لوجدناها كانت في الغالب نزاعا بين قريش والاعراب اذ ان مال الله الذي انهال على المدينة نتيجة الفتوح العربية ذهب معظمه الى جيوب قريش ولم تحصل منه القبائل العربية الا نزرا يسيرا فكان الاعراب يشعرون بأنهم هم الذين فتحوا الممالك ومصروا الامصار ولم يرضهم ان يجدوا غنائم الفتح تذهب الى فئة صغيرة تتكبر عليهم هي فئة قريش…] انتهى.

مما ورد فأن الفتوحات قد توقفت على عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان وبذلك قَلَّ “مال الله الذي انهال على المدينة” في وقته.

ولما كان “مال الله” قد ذهب معظمه الى جيوب قريش فهذا يعني انه لم يحصل على عهد الخليفة عمر بن الخطاب لأنه حرمهم منه انما حصل على عهد من سبقوه.

هنا يشير الوردي الى ان “مال الله ذهب معظمه الى جيوب قريش “…ولتوقف الفتوحات في عهد الخليفة الراشد الثالث الشيخ عثمان بن عفان التي تعني انخفاض “عائدات الغنائم” فأن هذا المال الذي ذهب الى جيوب قريش لم يكن على عهد الخليفة عثمان انما على عهد من سبقوه أي في عهد عمر بن الخطاب وعهد أبو بكر الصديق وعهد النبي محمد حيث كانت الفتوحات قائمة وقد أشار الوردي الى ان الخليفة عمر بن الخطاب حرم قريش من الفيء مما هذا يعني أن أموال الفتوحات ذهبت الى جيوب قريش على عهد من سبقوا الخليفة عمر بن الخطاب.

ولما كانت الفتوحات في عهد النبي محدودة ولبلدان فقيرة فأن المقصود هنا هو ان الأموال تلك كانت على عهد أبو بكر والوردي يقول ان أبا بكر قسمها بالسوية…فكيف ومتى وصلت تلك الاموال الى جيوب قريش؟؟؟؟ وإن لم تصل الى جيوب قريش …اين ذهبت اذن؟؟؟؟…

أنها حيرة وضع الوردي نفسه فيها وهو لا يعلم وهذا تأثير الاسترسال الذي لازم الوردي في اغلب كتاباته وكذلك بسبب بحث الوردي عن ادلة تسند ما يريد حتى لو كانت متناقضة او ضعيفة او مفبركة حيث لا يخضعها للنقاش والتحليل حتى لو كانت تأتي بنتائج عكسية عليه ويبدو لي ان ذلك ناتج عن معرفته التامة من ان القارئ تأخذه الكلمات التي تُدَغْدِغَهُ فَتُبْعِدَهُ عن التدقيق والتحقيق.

……………….

في ص 26 وعاظ السلاطين كتب الوردي التالي: […إن عمر لم يكن معصوماً وكثيراً ما كان يخطأ ويتطرف في أعماله، هذا ولكن الناس كانوا يحمدونه ويقدرونه على كل حال …] انتهى.

اقـول:

نعم الخليفة الراشد الثاني غير معصوم حاله حال أي انسان…لكن ان يكون بتلك المنزلة وفي تلك الأيام ويكون كثير الأخطاء والتطرف” كثيراً ما كان يخطأ ويتطرف في أعماله” فهذا يعني انه أسَّسَ لتلك الحالات في القيادة. وان أي حاكم او خليفة يمتلك هذا الخزين من أخطر ممارستين /صفتين عند انسان أكيد سيكون “مُهاب” ظاهرياً حاله حال “طغاة العصر” ومكروه او مُنتقد في دواخل افراد رعيته وهاتين الصفتين ان اجتمعتا في حاكم كانتا أساس بلاء للحاكم والمحكومين وهما أساس صفات الحَمَقْ والأحمق والتهور والمتهور وتُبْعِدْ عنه صفة الرُشد والعدل.

ويعطينا الوردي مثلاً ساطعاً على ما ذهبتُ اليه حين تطرق لحالة تَّسَبُبْ الخليفة الراشد عمر بن الخطاب في مقتل ولده فلذة كبده، قد يقول قائل مع الاعتذار” الأبن “على سر ابيه” كما قيل ويقال وانحراف “ولد الخليفة” يعني عند من يريد ان يمس الخليفة انه سوء تربية كما اشرتُ اعلاه.

أن تسبب الخليفة الراشد في وفاة ولده، فلذة كبده لم تجعل منه فوق الشبهات كما أتصور او ان الناس كانوا يحمدون ويقدرون…انما يمكن ان يكون رأي الناس او اغلبهم عكس ذلك تماماً… وكل واحد منهم سواء كان من (“المبشرين بالجنة والأكرمين، والأنصار والمهاجرين، والاعراب والعرب، والقرشيين وحملة السيف وحملة القرآن وأبناء الامصار والثغور من “أبناء” الجزية “) يتصور حاله لو وقع بين فكي تلك الصفات /الحالات، فك الخطأ وفك التطرف!!! ان تلك الحالات “كثير الخطأ وكثير التطرف” [إن صحت…واكررها أن صحت] تلك التي كتبها الوردي جعلت من الخليفة عمر بن الخطاب حاكماً صارماً شديداً لا يعرف الرحمة ولا يزن حكمه بميزان حق أو عدل او شرع حيث يداري/يبرر/ يصحح /يُصلح أخطاءه لا بالحكمة والاعتراف بها والتعهد بمعالجة نتائجها وعدم العودة اليها أو الاستفادة منها في مستقبله ومستقبلهم، انما بالتطرف والحماقة والتجاوز على تعاليم دينه وسُنَةْ نبيه…وحاشا لمثل عمر بن الخطاب ان يأتي ذلك او يسمح ان يوصف بذلك.

لا يمكن ان يتجاوز على نص قرآني ولا يمكن ان يعتبر حكم النبي محمد فيها حكم ولائي ينتهي بوفاة النبي وهو يعرف انه مُسْنَدْ بنص قرآني في وقت كان أصحاب النبي احياء يُرْزَقون ولا تزال أجواء النبي تُخيم على المجتمع ونحن نتكلم عن خمسة او عشرة أعوام بعد وفات النبي محمد.

لشارب الخمر عقوبة غير محددة في القرآن وتحريمه ربما غير متفق عليه ولم يأتي واضحاً مهما كانت التفسيرات التي فَسَرَتْ الآيات التي ذُكِرَ فيها الخمر وان النقاش فيها استمر حتى بعد عهد عمر بن الخطاب وربما الى يومنا هذا.

أن صحت تلك الرواية وأنا لا أقول بذلك تُعتبر تجاوزاً من الخليفة ويمكن اعتبارها ثانية الاثنتين بعد او قبل الغاء حصة المؤلفة قلوبهم من الفيء التي اتى بها القرآن وسار عليها النبي محمد…وهذا التجاوز أن حصل لم يجعل بين الخليفة عمر بن الخطاب وبين رعاياه تجاوب نفسي عميق انما يجعل بينه وبينهم فجوة هائلة يملوها القلق والخوف والشك والاستخفاف والضغينة وعدم الاحترام، أي انها فجوة ولدت واسعة جداً لا يستطيع “بطش” عمر بن الخطاب و”ارهابه” ان يعالجها بل البطش والارهاب سيزيدها اتساعاً ويمكن ان يُرَّحِلُها الى ما بعد عهد عمر بن الخطاب او عند أي منعطف ترتخي فيه يد البطش.

لو يعلم من يمتدح ابن الخطاب بذلك “العدل الصارم” وذلك “التماسك الاجتماعي” وذلك “التجاوب النفسي العميق” ان في ذلك إساءة كبيرة للخليفة عمر بن الخطاب لامتنع عن تناقل او نقل مثل هذه/تلك الحكايات.

ان بالتجاوزين/العدل الصارم “إن صح ما نقله لنا الراحل الوردي” قد فتح الباب “على مصراعيه” للطغاة الأولين والطغاة الأخرين/طغاة هذه الايام ليتجاوزوا على النصوص والاحكام “السماوية والوضعية”.

أعتقد ان مثل هذه الأمور وضعت لتأييد اجرام الطغاة وتصويرهم على انهم ينهلون من عدل وحزم وحسم الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب ويتفوقون عليه في انهم أكثر منه عدلاً لأنه تجاوز قانون السماء وهم تجاوزوا قانون هم من وضعه وبذلك اجازوا لأنفسهم ان يكونوا أكثر منه عدلاً/حزماً /حسماً “ارهاباً”.

يبدو لي ان قول الوردي: “أصبح الحاكم والمحكوم، جسماً واحداً لا فجوة فيه وتماسك المجتمع تماسكاً قوياً” و” التجاوب النفسي العميق بين الحاكم والمحكوم” ما هو الا تصور سطحي عن الحالة أراد بها الوردي بيان تأييد رأيه في ان المجتمع في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان من انه مجتمع متصدع متفرق وان هناك فجوة كبيرة بين الحاكم والمحكوم توسعت مع الوقت لتصل الى الثورة/الانتفاضة/ الفتنة التي نتج عنها قتل الخليفة الراشد الثالث.

وكأني بصورة المجتمع في عهد الخليفة الراشد الثاني كما وردت في طروحات الوردي، كصورة المجتمع العراقي خلال عقد السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وكيف كان “المجتمع متماسكاً تماسكاً قوية وكان الحاكم والمحكوم جسم واحد لا فجوة فيه “وكيف كان هناك “تجاوب نفسي عميق بين الحاكم والمحكوم”” بفضل ” العدل الصارم للقائد الضرورة القاضي الأول والعادل الاوحد” وكأني بصورة المجتمع العراقي بعد ارتخاء القبضة الحديدية “للقاضي العادل الأول الأوحد” في عام 2003 كانت كصورة المجتمع الإسلامي “مع بعض الفوارق” عندما ارتخت القبضة الحديدية للعادل الصارم الخليفة عمر بن الخطاب بمقتله حيث فلتت الأمور في عهد من جاء بعده،الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان الطيب المسالم كما وصفه الوردي حيث كتب في ص256 مهزلة العقل البشري/ كتب: [ومن الخصال المأثورة عن عثمان أنه شديد الحياء سموحاً ليناً يصعب عليه رد رجاء يتقدم به أحد أقاربه أو المدللين عليه] انتهى

وما حصل في عهد الخليفة عثمان تكرر في العهد الحديث/القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين عندما غابت القبضة الحديدة /قبضة الحديد والنار “العدل الصارم والحزم والحسم” التي كانت تدير وتُسَّير المجتمع الليبي ويمكن ان تكون منها صور لما جرى في المجتمع السوفييتي واليوغسلافي والروماني والعراقي والسوري واليمني. ” كلها كانت مجتمعات متماسكة ولا فجوة فيها بين الحاكم والمحكوم وكان هناك تجاوب نفسي عميق بينها وبين حكامها”!! بالصورة التي عرضها الوردي هنا!!

وما يؤكد تحليلنا هذا هو ما كتبه الوردي:

1- في ص25 وعاظ السلاطين حيث ورد التالي: [كان عمر يقسو على نفسه وولده قبل ان يقسو على الناس وهذا امر له أهمية اجتماعية كبيرة فالناس حين يرون الحاكم شديدا على نفسه يتحملون شدته عليهم ويفسرون كل عمل يقوم به تفسيرا حسناً] انتهى

2- نقل لنا الوردي ما ورد على انها خطبة للخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان في ص264 مهزلة العقل البشري حيث قيل إنه قال: “أنا بعد فإنَّ لكل شيء آفة، ولكل امر عاهة. وان آفة هذه الامة وعاهة هذه النعمة عيابُّون طعانُّ يرونكم ما تحبون ويسرون ما تكرهون …إلَّا فقد والله عبتم عليَّ بما أقررتم لأبن الخطاب بمثله، ولكنه وطئكم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه فدنتم له على ما أحببتم وكرهتم. ولنتُ لكم وأوطأت لكم كتفي وكففت يدي ولساني عنكم فاجترأتم عليَّ. أما والله لأنا أعزُ نفراً وأقرب ناصراً وأكثر عدداً…والله ما قصرت في بلوغ من كان يبلغ من كان قبلي ومن لم تكونوا تختلفون عليه، فضل فضل من مال، فما لي لا اصنع في الفضل ما اريد؟ فلم كنت إماماً؟”] انتهى

تكرر هذا النص في ص24 وعاظ السلاطين

اقول:

دققوا فيما ورد في الخطبة المنسوبة للخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان وتوقفوا ملياً امام الكلمات والعبارات من قبيل:

*” إلَّا فقد والله عبتم عليَّ بما أقررتم لأبن الخطاب بمثله” و” ولكنه وطئكم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه فدنتم له على ما أحببتم وكرهتم” و*” ولنتُ لكم وأوطأت لكم كتفي وكففت يدي ولساني عنكم فاجترأتم عليَّ” وغيرها.

خطبة الخليفة الراشد الثالث الشيخ عثمان بن عفان هذه واضحة في وصفه حالة القبضة الحديدية التي كان يدير بها الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب المجتمع الإسلامي وتُبين بوضوح ان لا تجاوب نفسي عميق بين الحاكم والمحكوم ولا كان المجتمع متماسكاً انما كانت حالة الخوف والخنوع والرعب هي السائدة وأمام كل مسلم صورة /حالة وفاة ولد الخليفة تحت ضرب السياط بأمر ابيه ماثلة دائماً، رافق ذلك انهيال الغنائم نتيجة الفتوحات فكان كما أتصور ووفق الصورة التي نقلها الوردي ان سياسة “العصا الغليظة والجزرة” انطلقت من هناك لتصل الينا ونعيش فصولها اليوم في كل العالم…كانت العصا والجزرة في وجه الجميع سواء المُبَشَرينْ بالجنة أو الأكرمين أو الصحابة أو المهاجرين أو الأنصار أو القرشيين أو الاعراب أو القائمين أو القاعدين.

لاحظوا حجم التناقض في طروحات الوردي فهو يقول عن تماسك المجتمع على عهد عمر وينقل خطبه لخلفه عثمان بن عفان يوضح عكس ما قاله الوردي تماماً

…….

الحقيقة أذهلني/ أدهشني/ حيَّرني تفسير/ تحليل/اجتهاد الوردي لحالة وفاة “ولد الخليفة” تحت التعذيب على يد ابيه … وصُدمت منه لأنه صادر عن عالم اجتماع. وزاد في ذلك ما أكمل به الوردي تفسيره وتحليله حيث كتب مبرراً الفعل المنسوب للخليفة عمر بن الخطاب هذا بالتاليات:

1- في ص 260 مهزلة العقل البشري: [ومما يلفت النظر ان عمر بن الخطاب كان يجري في سياسته على أسلوب مخالف لأسلوب عثمان وكثيراً ما وجدناه يخالف النص الشرعي من اجل الموازنة بين قريش وغيرهم فكان يضيق على قريش ويعاقبهم أكثر مما يقتضي الحد الشرعي لكي يبعث الطمأنينة في قلوب المهاجرين والأنصار بوجه عام وفي قلوب الاعراب بوجه خاص] انتهى

…………..

الى اللقاء في الجزء التالي الذي سيبدأ بالعبارة السابقة

عبد الرضا حمد جاسم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here