عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الخامِسَةُ (١١)

نـــــــــــــزار حيدر
إِذا فقدَ الإِنسانُ حقَّ الإِختيار وحريَّة الإِختيار فقدَ كلَّ شَيْءٍ، إِنسانيَّتهُ ورأيهُ وعقلهُ ووعيهُ وكلَّ شَيْءٍ، وإِنَّما تُميِّز الإِنسان عن غيرهِ من مخلوقات الله تعالى حريَّة الإِختيار، فَلَو شبَّ حريقٌ في مكتبةٍ ليس أَمَام القِّطَّة إِلَّا الهرب أَمَّا الانسان فأَمامهُ عِدَّة خيارات! كما أَنَّ العاقِل والحكيم والفاهِم يتميَّز عن غيرهِ من النَّاس بحُسنِ الإِختيار.
ولذلك أُجزم بأَنَّ عاشوراء التي كانت لحمايةِ وصيانةِ حقِّ الإِختيار وتحسينهِ حمَت الإِنسانيَّة من الضَّياع بعد أَن كادَ الحُكم الأَموي الجائر أَن يُلغي هذا الحق فيُلغي إِنسانيَّة الإِنسان بنظريَّة الجبر والتَّفويض التي ابتدعها لشرعنةِ سُلطتهِ باسم الدِّين.
لقد حرصَ القُرآن الكريم على تثبيتِ حريَّة الإِختيار في أَكثر من آيةٍ، منها قولهِ تعالى؛
{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}.
{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورً}.
{أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}.
{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}.
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.
{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.
وكلمةُ الدِّين هنا كما هو واضحٌ من سياقِ آيات السُّورة ليس المقصود بهِ الدِّين المُتعارف عَلَيْهِ فالكافرُونَ ليس لهم دينٌ يَدينُونَ بهِ، وإِنَّما المقصود الطَّريقة والقانُون وطريقة التَّفكير وغير ذلك من المعاني الشَّامِلة.
إِنَّ فُقدان الإِنسان لحريَّة الإِختيار؛
*يُسقط المسؤُوليَّة عَنْهُ لأَنَّك تُحاسب الإِنسان إِذا اختار الأَمرُ بنفسهِ أَمّا إِذا كان مُجبراً عَلَيْهِ فلا يجوزُ محاسبتهِ.
وَإِذَا سقطت المسؤُوليَّة عَنْهُ دَخَلَ حيِّز البهيميَّة.
*يفقد القُدرة على التَّفكير لأَنَّ الإِنسانَ إِنَّما يفكِّرُ ليختارَ طريقاً أَو رأياً من بينِ عدَّة طُرقٍ وآراء! فإِذا لم يكُن بوسعهِ أَن يختارَ فلماذا، إِذن، يفكِّر؟!.
إِذَا فقد القُدرة على التَّفكير دخل حيِّز الآية الكريمة {لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}.
*كذلكَ سوفَ لا يشعر بضَرورة طلب العِلم والمعرفةِ وقراءة التَّاريخ ودراسة التَّجارب! لأَنَّ الإِنسان يتعلَّم ليفكِّر ليختار، فماذا سيفعل بكلِّ ذَلِكَ إِذا فقدَ حريّة الإِختيار؟!.
ولقد سعى الطَّاغيةُ يزيد بن مُعاوية إِلى أَن يحدِّد خَيارات الحُسين السِّبط (ع) فيسلب مِنْهُ حريَّة الإِختيار، فما كان أَمام الإِمام (ع) إِلَّا أَحد خيارَين؛
فإِمَّا أَن يقبل بهذا التَّحديد وبالتَّالي يُشرعن هَذِهِ الطَّريقة الأَمويَّة إِلى يَوْمِ يُبعثون!.
أَو أَن يرفض ذَلِكَ فيُثبِّت حقَّ الإِختيار في وعي الأُمَّة وواقعها إِلى يَوْمِ يُبعثون من خلال شرعنتهِ بالدَّم لحقِّ الخُروج على الحاكمِ الظَّالم إِذا حاولَ سلب الأُمَّة حقَّها في الإِختيار!.
وهذا ما فعلهُ الإِمام الشَّهيد (ع) فضحَّى بكلِّ شَيْءٍ من أَجلِ ذَلِكَ، وهذا دليلٌ صارخٌ على أَنَّ حقَّ الإِختيار قيمةٌ أَساسيَّةٌ وجوهريَّةٌ تستحقُّ أَن يضحِّي من أَجلِها الإِنسان في إِطار مُعادلة {أَلا وأَنَّ الدَّعيَّ بن الدَّعيِّ قد ركزَ بَيْن اثنَتَينِ بينَ السِّلَّةِ والذِّلَّة وهيهاتَ مِنَّا الذِّلَّة}!.
وبالفعل فلقد غلَت التَّضحيات على مرِّ التَّاريخ من أَجلِ أَن يحمي النَّاس حقَّهم في الإِختيار وبالتَّالي لحمايةِ إِنسانيَّتهِم!.
٢٥ أَيلول ٢٠١٨
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here