مرّة أخرى يقف العراق على الجانب الخطأ من التاريخ!

ساهر عريبي

[email protected]

كانت المرّة الأولى في مجلس حقوق الإنسان في شهر مايو من العام الماضي, عندما أثنى ممثل العراق لدى هيئة الأمم المتحدة في جنيف على حكومة البحرين على خلفية بعض الإجراءات الشكلية التي إتخذتها لمعالجة اوضاع حقوق الإنسان في البلاد. حصل ذلك خلال المراجعة الدورية الشاملة لسجل البحرين الحقوقي بعد مرور أربعة اعوام على المراجعة الدورية الثانية والتي صدرت خلالها قرابة ال 173 توصية من المجلس لم تنفذ البحرين أيا منها بحسب تأكيدات منظمات حقوقية دولية.

فالبحرين إستأنفت أحكام الإعدام للمعارضين وأسقطت جنسية المئات من المواطنين ومن بينهم الزعيم الروحي لشيعة البحرين آية الله الشيخ عيسى احمد قاسم, وزجت بقادة الحراك الشعبي في السجن ومن بينهم زعيم جمعية الوفاق المعارضة الشيخ علي سلمان, وحلت الجمعيات السياسي وأغلقت فضاء المجتمع المدني فيما تعرّض المدافعون عن حقوق الإنسان الى الإعتقال والتعذيب وفي مقدمتهم الحقوقي نبيل رجب والناشطه إبتسام الصائغ. ولايزال يقبع في السحون قرابة الخمسة آلاف معتقل وناشط سياسي على خلفية مشاركتهم في التظاهرات المطالبة بالتحول الديمقراطي في البلاد وإنهاء حكم عائلة آل خليفة التي تحكم قبضتها على كافة مفاصل البلاد من سياسية واقتصادية وعسكرية واعلامية.

وبعد إنتهاء المراجعة الدورية الثالثة أعادت الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان إصدار توصياتها السابقة مما يدل على عدم تنفيذ السلطات لها , لكن المندوب العراقي أبى إلا أن يمدح الحكومة الدكتاتورية في البحرين التي تستخدم مختلف أساليب القمع ضد مواطنيها. موقف أثار إستغراب وغضب المدافعين عن حقوق الإنسان, الذين كانوا يعلقون الآمال على العراق بعد أن اصبح عضوا في مجلس حقوق الإنسان, في أن يكون صوتا مدافعا عن المظلومين, خاصة وأن العهد العراقي الجديد اكتوى بنيران الدكتاتورية الصدامية. لكن توجه الخارجية العراقية نحو تحسين العلاقات مع السعودية املى ذلك الموقف خوفا من إغضاب الأخيرة, فكان الثمن هو وقوف العراق في تلك الجلسة على الجانب الخطأ من التأريخ.

واليوم الجمعه 28 سبتمبر كرّر العراق الخطأ ذاته هذه المرّة ولكن بشكل أبشع. فقد غاب العراق عن التصويت على مشروع قرار عرض على اعضاء المجلس في آخر يوم من أيام الدورة ال 39 لمجلس حقوق الإنسان والتي أنهت اعمالها اليوم الجمعة في جنيف. وننص مشروع القرار الذي حاز على موافقة الدول الأعضاء على تمديد ولاية فريق الخبراء الدوليين والإقليميين البارزين لمدة سنة اخرى قابلة للتجديد, مطالبا الخبراء بتقديم تقرير كتابي شامل حول اليمن الى المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الدورة الثانية والأربعين.

وقد عارضت السعودية وحلفاؤها في المجلس مشروع القرار الذي أيدته حتى الدول التي ترتبط بعلاقة وثيقة مع السعودية ومنها المملكة المتحدة. لكن المؤسف أن العراق تغيب عن الجلسة ولم يقف موقفا يمليه الضمير والدين. فالعدوان السعودي المتواصل على اليمن منذ قرابة الأربعة أعوام خلف آلاف القتلى وتسبب بتشريد الملايين ووضع 17 مليون يمني على حافة المجاعة , فضلا عن تدمير البلاد وتفشي الأوبئة وارتكاب المجازر الجماعية.

وقد أكد تقرير الخبراء الأممين الأخير على الإنتهاكات التي ارتكبتها قوات التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. لكن هذا التقرير فضلا عن عشرات التقارير الدولية لم تبدو مقنعة للبعثة العراقية في جنيف ومن وراءها وزارة الخارجية في بغداد, لإتخاذ موقف تاريخي مشرف لصالح تمديد عمل لجنة الخبراء الأممين. فلقد آثر العراق مرة أخرى عدم إغضاب السعودية, وهنا لايعرف إن كان للمال السعودي دور في ذلك أم هو الهوان الذي طبع سياسة العراق الخارجية.

وإن كانت حجة إعادة المياه الى مجاريها مع السعودية هي التي أملت على العراق موقفه في العام الماضي تجاه البحرين, فإن تلك الذريعة لم تعد مقبولة اليوم! لأن الحكومة العراقية الحالية هي حكومة تصريف أعمال وأن اي موقف تتخذه لن يضر بالعلاقات مع السعودية لأنها لم يبق من عمرها سوى أسابيع معدوده! لقد طعنت الخارجية العراقية الشعب اليمني بالظهر كما طعنت شعب البحرين من قبل, وان على مجلس النواب العراقي استضافة وزير الخارجية ابراهيم الجعفري ومسائلته عن موقفه. إن ما يثير الشفقة ان الجعفري أبى أن يختتم حياته السياسية بموقف مشرّف يمحو كل سيئاته السابقة, بل آثر أن يودع عالم السياسة بموقف مخزٍ لن يمحى من ذاكرة الشعب اليمني.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here