هل تقبل حماس بـ”صفقة القرن” على قاعدة دولة في غزة؟

أصبح ملف ما سمّي بـ “صفقة القرن” ملفاً جديداً يُعمّق الانقسامات بين حركتي “فتح” و”حماس”، ويكرّس استعصاء المصالحة الفلسطينية. هنا تتكاثر الأسئلة وتقلّ الإجابات الشافية حول مدى موثوقية ودقة الأنباء التي تتحدث عن قبول غير معلن لـ “حماس” بصفقة القرن، أو بترتيبات تُجرى بوساطة من جانب دولة قطر، من أجل أن تكون “حماس” طرفاً بديلاً عن السلطة الفلسطينية في مثل هذه الترتيبات؟

بالأمس اتهمت حركة “فتح” قيادة “حماس” بالتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي، والتخلي عن حق العودة، في وقت زار فيه وفد أمني مصري قطاع غزة وأجرى محادثات مع حركة “حماس”، إثر فشل مساعي التهدئة بين “حماس” والاحتلال الإسرائيلي من جهة، وفشل الورقة التي قدمتها القاهرة من أجل إنجاز المصالحة الفلسطينية.

هذه الأجواء غير المشجعة والمتوترة أعقبها تراشق بين أكبر فصيلين على الساحة الفلسطينية. قالت “فتح” في بيان، صدر مساء أول من أمس “إنّ حركة حماس تبعث رسائل إلى إدارة (الرئيس الأمريكي دونالد ترمب) ونظام (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو)، تؤكد فيها قبولها صفقة القرن على قاعدة دولة في غزة تحت سيطرتها وهدنة طويلة الأمد، على حساب قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) وعاصمتها القدس وقضية عودة اللاجئين”.

القناة الإسرائيلية العاشرة: وزير الخارجية القطري أرسل في أيار الماضي رسالة بهدف إيصال خطة

القناة الإسرائيلية العاشرة: وزير الخارجية القطري أرسل في أيار الماضي رسالة بهدف إيصال خطة

أنباء عن تواصل قطري وموافقة “حماس”

وأشارت “فتح” إلى أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفض المقترح الأمريكي-الإسرائيلي بشأن ما وصف بـ “صفقة القرن” باسم الشعب الفلسطيني، إلا أنّ قيادات “حماس” تعمل على إرسال إشارات بالاستعداد لقبولها.

من جانبها، ذكرت قناة “العربية” أمس أنّ القناة الإسرائيلية العاشرة، كانت كشفت سابقاً أن أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حاول الاتصال هاتفياً برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لإقناع إسرائيل بخطتها لإبرام اتفاق تهدئة مع الفصائل الفلسطينية في غزة، وعلى رأسها “حماس”، عبر رسائل مكتوبة واتصالات سرية بهدف التواصل مع نتنياهو وإقناعه.

وأضافت القناة الإسرائيلية أن وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أرسل في أيار (مايو) الماضي رسالة بهدف إيصال خطة. وأشارت القناة الإسرائيلية، إلى أنّ المقترح القطري تحدث عن موافقة “حماس” على وقف العنف مقابل خطة لتحسين البنية التحتية والكهرباء والصرف الصحي في غزة، بالإضافة إلى إقامة بنية تحتية تجارية من خلال ميناء أو مطار في غزة. وكان الرئيس الفلسطيني شدّد غير مرة على أنه “لا دولة في غزة، ولا دولة من دون غزة”.

خيارات “حماس”

صحيفة “الشرق الأوسط” أفادت أمس، نقلاً عن مصادر لم تسمّها، قولها إن قيادة “حماس” ترى أن فرصة نجاح المصالحة ضعيفة وضئيلة جداً، ولذلك تدرس إمكان تشكيل تحالف من الفصائل لمحاولة إدارة غزة، إلا أنها تتخوف من اعتراضات الفصائل، وخصوصاً “الشعبية” و”الديمقراطية”، علماً أن “حماس” تحاول الحفاظ على علاقات وثيقة معهما في ظل التقارب في وجهات النظر السياسية بشأن الوضع الفلسطيني. وقالت مصادر “الشرق الأوسط” إنّ الحركة تتخوف من عرض هذا الاقتراح على الفصائل، ولذلك ستدرس اقتراحات أخرى، منها إدارة الوزارات في غزة عبر لجنة تتبع لها، ولكنها لن تكون بالصلاحيات ذاتها التي كانت للجنة الإدارية السابقة التي حلتها منذ عام.
ولفتت المصادر النظر إلى أنّ الحركة ستضغط بقوة على إسرائيل من خلال المسيرات على الحدود للوصول إلى حل في قضية التهدئة للخروج من الأزمات التي تعصف في قطاع غزة؛ من مشكلات الكهرباء والمياه وأزمات الرواتب على كل الصعد الحكومية والتنظيمية.

مسألتان تختزلان “استعصاء” المصالحة

وكانت صحيفة “القدس” الفلسطينية أشارت بداية الشهر الجاري إلى التصريحات التي أدلى بها المسؤول الكبير في حركة “حماس” في غزة، يحيى السنوار، عن هذه المسألة، حيث أكد أنّ “المصالحة الفلسطينية وصلت إلى طريق مسدود”. ورأى مراقبون أن هذه التصريحات عكست أجواء مشحونة بالتوتر بين “فتح” و”حماس”؛ حيث إن السنوار كان من أبرز قادة “حماس” حرصاً على التصريحات التوافقية والتصالحية المتفائلة، وحديثه عن “طريق مسدود” إنما يدل على “حالة الاستعصاء” التي تعيشها مسألة المصالحة الفلسطينية، وهو استعصاء يختزل في مسألتين، على الأقل، بحسب الصحفي الفلسطيني، فتحي صباح، الذي قال في حديث لتلفزيزن “الغد” (9/9/2018) إن المسألة الأولى متعلقة بموضوع “تمكين الموظفين”؛ حيث تطالب السلطة الفلسطينية و”فتح” بتمكين حكومة التوافق الفلسطيني في قطاع غزة.

 

وفي حين ترى السلطة و”فتح” أن التمكين لا يعني بالضرورة تثبيت موظفي “حماس“، البالغ عددهم 34 ألف موظفٍ، نصفهم من المدنيين والباقي من العسكريين، فإن “حماس” -التي لا تعترض على فكرة التمكين-  تصرّ على أنه لا قيمة أو معنى للتمكين من دون تثبيت موظفيها في المؤسسات الفلسطينية. أما المسألة الثانية فمتعلقة بسلاح “حماس” وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية، التي تربط بقاء سلاحها ببقاء الاحتلال الإسرائيلي. وأكدّ صباح أنه ما لم تُحلّ المسألتان فستبقى المصالحة مستعصية وطريقها مسدودةً.

الحديث عن دولة في غزة يأتي ضمن المناكفات الدائمة ما بين الرئيس الفلسطيني وحماس

الحديث عن دولة في غزة يأتي ضمن المناكفات الدائمة ما بين الرئيس الفلسطيني وحماس

دحلان: غزة لا تمتلك أيّاً من مقومات الدولة

والواضح أن الخلاف الفلسطيني حول “صفقة القرن” لا تتعلق بقيادات “فتح” و”حماس” فحسب، بل تمتد إلى أطراف فلسطينية أخرى. وكان القيادي السابق في حركة “فتح”، محمد دحلان، قال في تصريحات تلفزيونية “إن غزة لا تمتلك أيّاً من مقومات الدولة، والحديث عن دولة في غزة، يأتي ضمن المناكفات الدائمة ما بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وحركة “حماس”. وأضاف دحلان في مقابلة مع  “بي بي سي” منتصف الشهر الجاري ( لعِبنا دوراً مهماً في ترتيب العلاقة بين مصر و”حماس”، على أمل أن يؤدي ذلك لترتيب العلاقة بين أبو مازن و”حماس” من أجل التوصل إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية).

وكان وفد من حركة “فتح” برئاسة عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية للحركة، عزام الأحمد، قد أنهى الأربعاء الماضي، زيارة إلى القاهرة التقى خلالها المسؤولين المصريين. وقام وفد رسمي من المخابرات المصرية بزيارة قطاع غزة، في ظل تعثر المصالحة الفلسطينية وجهود التهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي. واستضافت القاهرة الشهر الماضي، جولة جديدة من المحادثات بين حركتي “فتح” و”حماس” لبحث ملفات المصالحة والتهدئة وإعمار قطاع غزة.

وقد أكد دحلان، أنه لا يمكن لأحد أن يوافق على أن تكون غزة مستقلة عن الضفة الغربية والقدس، لذلك نقول “إننا نكبر على الصغائر فما نسمعه من ترامب ونتنياهو من كوارث على القدس واللاجئين وغيرها تتطلب أن نترفع عن الصغائر ونستفيد من الماضي”. واعتبر دحلان، أن “صفقة القرن” طبقت فعلياً على الأرض؛ لأن “القدس انتهت، والضفة الغربية عملياً تم مصادرة أراضيها، وأمريكا تكفلت بملف اللاجئين باعتبار أنهم لم يعودوا لاجئين”، مضيفاً: “لا يوجد ما يعرض على القيادة الفلسطينية بما يسمى صفقة القرن“، وتابع أن الترويج الأمريكي حول مواعيد عرضها “تكتيك خبيث، لأنها طبقت عملياً”، على حد تعبيره.

أبو مازن في مواجهة الضغوط

في غضون ذلك، نقلت صحيفة “العرب” اللندنية أمس عن مصادر سياسية عربية استغرابها طرح الرئيس أبومازن موضوع المؤتمر الدولي من أجل السلام مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ووصفت هذا الطرح بأنّه بحث عن المستحيل في ضوء الظروف الإقليمية والتوازنات الدولية القائمة وموقف الولايات المتحدة من مثل هذا المؤتمر.

 

وقالت المصادر إن أبومازن، الذي التقى ماكرون الجمعة في قصر الإليزيه، يبدو في موقع غير المطلع على الوضع في المنطقة أو على القدرة المحدودة للرئيس الفرنسي على التأثير في السياسة الأمريكية أو الإسرائيلية.

وتأتي زيارة الرئيس الفلسطيني لباريس ضمن جولة دولية تشمل فرنسا وأيرلندا، قبيل توجهه إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

مصلحة قطرية وتركية وإسرائيلية

وفي تعليقه على ذلك، قال الباحث المصري سمير غطاس، مدير منتدى الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية، في حديث لـ”بي بي سي” أمس إنّ من السيناريوهات المحتملة أن يعلن الرئيس الفلسطيني (بعد لقاءاته في الأمم المتحدة، ولقائه إيمانويل وإعلانه عن دعم “رباعية دولية” راعية لمفاوضات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية…) عن أن قطاع غزة، الذي تحكمه “حماس”، هو قطاع متمرّد على الشرعية الفلسطينية وعلى السلطة الفلسطينية، وأكّد غطّاس أن بقاء “حماس” سلطة حاكمة لغزة من دون التوافق مع سلطة الرئيس محمود عباس إنما يمثّل مصلحة قطرية وتركية وإسرائيلية، وهي الأطراف الوحيدة التي تعترف بشرعية سلطة “حماس” في غزة منذ سيطرتها عليه قبل نحو عشرة أعوام، بحسب غطّاس.

مسلم عبد الودود

كاتب مصري
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here