معضلة الاهوار, قديمة جديدة, في تجفيفها لبعض هدف ولآخرين هدفان:

د. عبدالحميد العباسي

الاهوار لوحة جمالية اسبغتها الخليقة على العراق, من مسطحات مائية خلابة وطيور واسماك وبيئة مثالية لِعَيش الجاموس وزراعة الرز, كما صارت الاهوار لعنة على ساكنيها بما يقبع تحتها من خزين هائل من النفظ وبما يعيش في مياءها من طغيليات البلهارزيا وحاضنها الحلزون وما يعيش بين احراشها من البعوض الناقل لطفيلي مرض الملاريا, هاتان الآفتان كانتا تفتكان بمئات الالوف من العراقيين من سُكان الجنوب. كانت سعة انتشار البلهارزا بشكل مُرعبٍ جعل الناس يعتقدون ان البول الدموي الذي تسببه البلهارزيا هو *حيض الرجال* كما تحيض النساء وعن الملاريا, اذا اصابت احدهم حُمّى, أيةِ حمى يقول *عندي ملاريا*. هذه ليست روايات بل حقائق عشتها وانا يافع وطالب طب وطبيب. كانوا يقولون لنا ان تجفيف الاهوار وهو ما يلزم للقضاءعلى الملاريا واعتلال صحة المواطن وتدني قدراته الانتاجية وعلى البلهارزيا, اهم اسباب سرطان المجاري البولية وخاصة المثانة و ومن اهم اسباب عجز الكِلية, قالوا سيعني القضاء عليهما, سيعني ايضا القضاء على ثروات الاهوار الطبيعية وزراعة الرز, اي ان الناسَ هناك مخيرون بين ان يموتوا جوعا او يموتوا بالمرض, ياله من خيارإإ. ولكن… بعد اقل من سنتين من ثورة 14 تموز قضي على الأفتين ورصدت وزارة الصحة جوائز للطبيب الذي يعثر على حالة ملاريا. كنت آنذاك طبيبا حدثاً (مقيما). الا انه بقيام الحركات المسلحة في الشمال ودور الطابور الخامس
عادت الملاريا الى الظهور في الشمال خاصة بين الجنود. وقد اتيت على ذلك, تفصيلا في كتابي *غيوم البارحة والعدِّ التنازلي في العراق, صدر في 2008 وهو غير متيسر الان.
ربما كانت اول محاولة لتجفيف الاهوار هي تلك التي ارادها الحجاج لِتَقَفْي مناوئيه المتخفين بين احراشها. وفي حملته لاخماد ثورة الزنج, ربما كانت هي اول ثورة عبيد الارض على ظالميهم في العراق, حاول الخليفة العباسي محمد الهادي, تجفيف الاهوار. وظلت الاهوار صمام امان امام خطر الفياضانات التي كانت خطراً حوليا. تُوجه مياه الفيضان اليها وبذا تقي العراق من طوفان نوحٍٍ آخرَ. في العهد الملكي أقيمت سدودٌ مائية لخزن مياه الفيضان والاستفادة منها ايام الجفاف (الصيهود) وكان لذلك فوائد في مجال الري والزراعة ودرء مخاطر الفيضان ولكنه, ايضا حجب عن الاهوار ذلك الكم الهاءل من الماء الذي كان يصلها في موسم الفيضان فيبقيها عامرة بما يديم بيئتها. ايجوز ان إقامة تلك السدود يصب في النية في تجفيف الاهوار على المدي البعيد وصولا الى ما تحتها؟ لا ادري ولا احد قال ولكن كلَّ شيءٍ جائزٌ. لم يجر تغيير في عهد ثورة تموز ولا في العهد العارفي اما في العهد الصدامي فقد جرت عمليات جادة تهدف الى التجفيف بغية الوصول الى المجاهدين المناوئين لحكمه م والمحتمين بالسواتر المائية والاحراش, فالتجفيف يتيح للدبابة الحركة وحيث تصل الدبابة لا تصل الثورة. هذا جانب واحد, الا ان ذالك العهد ذهب الى حدود ابعد وصوب تهجير السكان بسبب الجفاف وموت الحيوانات وهجرة الطيور وصعوبة المواصلات وبُعد المدارس مما برقى الى عملية تطهير عرقي, اوجبه التصاق العراقي بارضه وصعوبة تهجيره. نقل العهد ما امكنه من الثروة الطبيعية الى محافظات اخر من اختياره. اما الهدف الاخر فهو استخراج الثروة النفطية وقد جُهز النظامُ بما يلزم من اليات عملاقة لحفر الانهر ولبزل مياه الاهوار بعيدا ولو نفذ الرئيس بوش الاب ما قال انه كان في نيته وفَتَحَ السدودَ التركيه (لاغراق العراق كما قال في حوار صحفي شاهدته, لسارت المياه في الانهر التي حفرها صدلم بما لا يشتهي صدام ولغرقت الاهوار ولعادت اليها الحياة. كانت تمثيلية المصارع عدنان القيسي وبناء وسفينة نوح تُبنى قي الاهوار *لتعبر الاطلسي كما فعل قدمائنا* ربما لم تكن الا غطاء لعمليات المسح والتحري عن النفط في تحت مياه الاهوار والله اعلم إإ
كيف لا يسمح للعراق باستيراد مواد اساسية لحياة المواطنين اثناء الحصار ويسمح له باستيراد الات حقر عملاقة وغيرها؟ وقد اثار العراقيون في اللمملكة المتحدة قبل الغزو, ضجة كبيرة للتوعية بما يحيق بالاهوار من كارثه ومما سيصيب البيئة في العراق من مخاطر وقامت السيدة أمه نيكلسون عضوة مجلس العموم انذاك, مشولا بجهود مشكورة في التوعية لتلك المخاطر. حصل تحسن في حالة الاهوار بعد الغزو ولكنه لم يدم طويلا واليوم تطلع علينا صحيفة التايمز اللندنية تحذر من كارثة تحدق بالاهوار؟. النشامه نايمين واله جويعدين وساكتين؟ ان استمرار تركيا في حجب بعضٍ من حصة العراق من ماء الفرات وحفر الابار الارتوازية بشكل مسعور في الشمال بعد الغزو لاقامة بحيرات اصطناعية وما سببه من استنزاف المياه الجوفية وما قيل من ان الاقليم حال دون تفعبل سد بخمة, كل ذلك ساهم في شحة ما يصل الاهوار من ماء. بقي ان اقول للنائمين والغافلين وغير المكترثين ان الدراسات البيئية اظهرت * ان تآكل البيئة نبات او حيوان او حتى بشر اذا وصل الى حدٍ ادنى مُعين فإن التآكل سيستمر الى الانقراض النهائي ولن تنفع ابة محاولة اقول اية محاولة, كل محاولة لإيقاف ذلك او منعه. فهل هذا هو المطلوب؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here