الانسان وفضائل الاخلاق !

* د. رضا العطار

ان كثيرا من فلاسفة الاخلاق وعلى راسهم (ماكس شيلر) يقولون ان حب الشخص للشخص هو اعمق شكل من اشكال الحب، لانه يكشف عن فضيلته الذاتية الواحدة حين تتفتح على الشخصية الاخرى – – – والواقع ان من شان كل حب ان يتجه بطبيعته نحو (المثل العليا)، في حين ان الحب الأخوي يتجه باهتمامه نحو القيمة الانسانية الكلية.

والحق ان من طبيعة الشخصية ان تنشد (التحقق) والاّ، بقى وجودها عاجزا عن التفتح ولكن وجود الفرد وحده لا يكفي لضمان مثل هذا التحقق، فلا بد لكل شخصية من ان تنشد ذلك (الاخر). ومن هنا فان الشخصية الاخرى هي وحدها التي يمكن ان تشبع تلك الحاجة الى (التحقق) وكأنما هي القطب الاخر الذي يكتمل به معنى الحب الشخصي.

واذا كان الحب يمثل ركن من اركان فضائل الاخلاق. فما بالك ذلك (السر) المترسخ في اعماق الشخصية.الفردية ؟.

وآية ذلك ان المحب يقدم لمحبوبته هبة كبرى حين يوفر له هذا البعد الجديد الذي يسمح للشخصية الفردية بان تكشف معناها الذاتي، يوفر لها ما هي في العادة عاجزة عن الحصول عليه بنفسها، ألا وهو ادراكها لذاتها – – – والواقع ان المحب يقدم للمحبوب مرآة صادقة يرى فيها (المحبوب) شخصيته وقد انعكست على صفحتها بتمامها وكانما هو يعينه على ادراك ذاته من خلال عملية حبه الشخصي.

واذا كانت شخصية المحبوب قلما تستطيع ان تتجاوب مع قيمتها المثالية فان من شان المحب ان يمتد الى الذات العليا ويتعلق بالاخر (غير مترقي اخلاقيا) في الوقت الذي تكون صورة المحبوب تمثل للمحب (المثل الاعلى) – – – ولعل هذا هو السبب في ان الحب لا يرى في الكائن الناقص سوى اتجاه نحو ( الكيان الاخلاقي السامي)

والحق ان الحب الشخصي لا يحيا الا على ذلك (الايمان) الضمني بالقيم العليا الباطنة في شخص المحبوب – – – ومن هنا يمكن القول ان الحب يرى (الكمال) في (الناقص) ويدرك (اللانهاية) في (ألمنتهى) على حد قول الفيلسوف هارتمان.

وربما كان من اهم مميزات تجربة الحب انها تخلق بين المتحابين جوا من نوع خاص يتسم بالالفة والوفاء والتفاهم والتبادل، فليس الحب مجرد تعاطف سطحي بل هو علاقة حميمة يسقط معها كل تكلف او انفعال او مجاملة ! اما اذا كان من شان الحب ان يلتمس العزلة او الوحدة فما ذلك الا لانه (علاقة باطنية) تنزع بطبيعتها نحو (الوجود للذات)

Existence for itself وليس من طبيعة مثل هذه العلاقة ان تنشأ بين اكثر من شخصين لان الرابطة الصميمية بينهما تقوم على التبادل المطلق.

وحينما يكون هناك (تبادل) حقيقي بين شخصين متحابين فان ثمة نظاما اخلاقيا اسمى يأتي ليجمع بينهما. وعندئذ لا يلبث كل منهما ان يجد نفسه اقدر على (النمو الخلقي) مما كان من قبل حين كان كل بمفرده. وهذا هو السر في ان الحب يزيح النقاب عن الطابع الابداعي للاخلاق البشرية. وكأنما هو الذي يسمح لكل ذات فردية بان تعلو على نفسها. فلا غرو فان كل مشاركة حقيقية ينطوي عليها الحب، لا بد من ان تؤدي بالشخصين المتحابين الى التسامي فوق مستوى وجودهما الشخصي وكأن من شان هذه العلاقة ان تضفي عليها كرامة لم يكونا يملكانها حينما كان كل منهما يحيا بمفرده ! – – – وعلى الرغم من ان للحب نقطة بداية في الصيرورة الزمنية فضلا عن ان لحياته واطوار نموه وصراعاته وتحولاته التي تنتهي بالزوال، الا ان من الممكن للحب ان ينمو ويزداد قوة متخطيا في ذلك مشيئات المحبين وقدراتهم لكي يقوم هو نفسه بتحديد مصيرهم !

· مقتبس من كتاب فلسفة الحياة د. زكريا ابراهيم – جامعة القاهرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here