لغتنا العربية وعدم قدرتها على استيعاب المفردات الأجنبية،

* د. رضا العطار

قال اللغوي الانكليزي (ولز) في كتابه ( العلم والعقل العالمي ) :

( نستطيع ان نقول بان اللغة الانكليزية تصلح لان تكون اساسا مهما كلغة عالمية وذلك لخلوها من التغيرات الصرفية والارتباكات النحوية وقدرتها على تمثيل الكلمات الاجنبية، كل هذا يعدّ من محاسنها. ولكن هناك ما هو ضد ذلك وهو هذا الجمود العتيد، جمود الطبقة العالية البريطانية التي تهاب ولا تقتحم، التي تنزع الى الكلاسيكية العميقة التي تعتبر في روحها انفصالية ترفعية تعرقل انتشار اللغة الانكليزية عرقلة قوية )

ونحن في بلادنا العربية حين نقارن بين العربية وبين الانكليزية نعرف ان نزوعها الى الكلاسيكية تزيد الف مرة على ما يشكوه ولز من الكلاسيكيين الانكليز، وحسبنا ان نعرف ان في اللغة الانكليزية نحو الف كلمة عربية و ليس في لغتنا العربية اكثر من عشرين كلمة انكليزية.

والكلاسيكية عندنا كما نراها في ايامنا ليست لغوية ادبية فقط بل هي اجتماعية مزاجية ذهنية، فدعاتها مثلا يهتمون كثيرا جدا بالتأليف في ايام علي بن ابي طالب لكنهم يهملون التأليف عن مزايا النظام الديمقراطي في العصر الراهن. فهم يدرسون رجال الامس الذين عاشوا قبل الف والفين سنة ولا يدرسون رجال اليوم وهم في اخلاقهم شرقيون. وهم ينظرون الى اللغة والادب العربيين نظرة الراهب الى الدين. فكما ان هذا ينزوي في صومعته ويقرا كتبه بعيدا عن معمعة الحياة وشؤون مجتمعه كذلك اولئك ينزوون في مكتباتهم ويدرسون الجاحظ ويحاولون ان يكتبوا مثله او عنه، يثنون عليه او ينتقدونه بمزاجه وذوقه ومقاييسه.

انهم زهاد الادب العربي واللهجة اللغوية التي يتخذونها في الكتابة. قد احدثت لهم لهجة ذهنية في التفكير. فهم جامدون يخافون الدنيا، وهم ايضا لهذا السبب نفسه يعرقلون تطورنا الاجتماعي والاقتصادي وتطور اللغة والادب، يكرهون الكلمة الاجنبية. فلا يقولون مثلا اتوموبيل بل يترجمونها الى سيارة، ثم تنتقل هذه الكراهة الى العالم الخارجي فلا ينبعثون الى دراسة الصين او الهند او المانيا وشؤون جنوب افريقيا، ثم تنكمش اذهانهم وتعود الدنيا كلها وقد انحصرت في اهتماماتهم بدرس الادب واللغة العربيين لا اكثر. ثم يزداد انزواء الزهاد. فيتحدث الاديب التليدي العربي عن العالم العصري كما يتحدث الزاهد عن فجور المدنيين الدنيويين. ثم بعد تلك المقاطعة بين العقليتين ، ولست اعني مع ذلك مقاطعة القديم لاني اعرف ان هناك قدماء معاصرين. اي انهم على الرغم من سبقهم لنا بالف سنة، كانوا يعالجون شؤونا بشرية ما زلنا نعالجها . وكانوا يحاولون رفع الانسان الى الانسانية كما نحاول، وهؤلاء يعاصروننا على الرغم من قدمهم وهم جديرون بدراستنا واهتمامنا ولكن دون ان نجعل منهم المحور والهدف والقدوة لثقافتنا.

* مقتبس من كتاب البلاغة العصرية واللغة العربية لسلامه موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here