المؤسسة الثقافية بين الفوضى والمسؤولية

يوسف رشيد الزهيري

بما أن طبيعة العملية الثقافية في العراق تراجعت وتراجع دور المثقف والقارئ بسبب المحاصصة السياسية على مؤسسات الدولة، وغياب عدة مقومات رئيسية الى جانب اهمال دور المؤسسة الثقافية وفقدان الشراكة بين المؤسسات الحكومية والثقافية،لإنشاء دولة مدنية حديثة خالية من العنف والطائفية والارهاب والفساد،وتأثير الجماعات المسلحة،

او في غياب الرؤية النقدية وعدم وضوح المواقف السياسية للمثقف او الخوف من التصدي للمسؤولية ،أسباب دفعت المؤسسة الثقافية إلى عدم التفاعل مع الازمة الأمنية والسياسية والاجتماعية التي تمر بها البلاد واثرت سلبا الى فقدان عوامل الرؤية الثقافية وتفاعلها وتطورها مع المجتمع.وبسبب انغماس الوزارة المتخصصة بالفساد الاداري وغياب دورها المركزي في تطوير الحركة والمؤسسات الثقافية ومعالجة المشاكل والاخفاقات بل واسنادها لاشخاص خارج محل التخصص والكفاءة تفاقمت مشكلاتها وضاعت ابرز ملامحها وهويتها الثقافية .

وبما إن التيارات الدينية والسياسية، التي حكمت العراق لاعب أساسي في تهميش دور النخب في رسم الملامح العامة للدولة وتفعيل مؤسسات الدولة الثقافية،وتعد احد الأسباب الكبرى في استشراء ظاهرة الفساد والمحسوبية وإهدار المال العام والانتقائية في التعيين

والمناصب الثقافية المهمة في وزارة الثقافة،بعيدا عن ضوابط المهنية وأسس ومعايير العمل والنزاهة ،فقد فرضت هذه العوامل الى فشل المنظومة الثقافية الرسمية ودورها على المستوى الداخلي والخارجي،وانتجت علاقة خاصة بين عملية تكوين المؤسسات الثقافية وبين حكوماتها، ونهج إدارتها وهو ما ينعكس على طريقة إدارة هذه المؤسسات وعلى تحديد أهدافها وأساليب تحقيقها. لكن بصورة وبشكل سلبي باستثناء بعض المراكز الثقافية الداخلية من أبرزها (البيت الثقافي في مدينة الشعلة -والبيت الثقافي في الصدر) بإدارة السيدة” زينب فخري” حيث انتهجت هذه السيدة منذ توليها منصب ادارة البيت الثقافي نهجا وطنيا مستقلا بعيدا عن كل التخندقات والتبعيات الحكومية والحزبية والفئوية والمحسوبية،بادارة فاعلة وناشطة وعلى كافة الفعاليات والانشطة الثقافية المتعددة للدار.

وبدورنا نوجه رسالة الى المعنيين من وسط هذه الفوضى الإعلامية والأدبية والثقافية والسياسية التي تعصف بالعراق في كل اتجاهاته ومساراته الفكرية ،ومن وسط المعاناة المريرة والواقع المزري الثقافي والسياسي والاجتماعي ، وفي ظل ظروف التحديات الخطيرة التي يمر بها شعبنا العراقي من فتن واضطرابات وصراعات طائفية ودينية وقومية أثرت سلبا على واقع ومفاهيم الثقافة والإعلام والتي ادت الى انحسار الطاقات الابداعية والثقافية نتيجة عوامل التجزئة والتفرقة والتشتت والصراعات الداخلية،وظاهرة افة العصر من الفساد الاداري التي كانت من عوامل التدهورفي الحياة الاجتماعية والثقافية للمواطن العراقي وحرمانه من مقومات التعلم والإبداع والتقدم والمعرفة، وممارسة دوره التاريخي والحضاري المعهود في الإبداع الثقافي وعلى كافة المستويات الحياتية .

ففي الوقت الذي بات الحديث فيه ملحا اليوم عن الوعي الثقافي وادوات تفعيله على الساحة الوطنية وعن دور هذه المؤسسات ذات الطابع الثقافي والاعلامي كاحدى هذه الادوات. يبرز التساؤل عن دور هذه المؤسسات في مسؤولياتها الاخلاقية والمهنية في تشكيل الوعي وبلورته في ظل الانتشار الملحوظ والمتزايد كما ونوعا لهذه المؤسسات، وبالمقابل تراجع اداء بعضها بسبب غياب الفعل الثقافي والأدبي وأدواته المؤثرة في التغييروالاصلاح والتعريف به لدى الجمهور في استقطاب النخب الفاعلة والمثقفة والطاقات الموهوبة للتأثير على الجمهور من خلال أرساء تلك المفاهيم في عقلية المتلقي لترسيخ الأفكار والمفاهيم الثقافية وترجمتها الى سلوك فاعل ونشاط قائم في المجتمع لأحداث ثورة ثقافية معرفية مجتمعية لتوعية الناس وخلق دائرة من الطاقة الايجابية في المجتمع ،حيث افتقرت الكثير من المؤسسات الاعلامية والثقافية الى العديد من عوامل النجاح وادت تلك الاسباب والعوامل الى فشل وتراجع برامجها ومشروعها منها عدم قدرة هذه المؤسسات الى استيعاب او قدرتها في التأثير على الجمهور لفقدانها عامل الوطنية وانحسار عملها وانشطتها في جانب فئوي معين ومنها من تكون مسيسة لجهة خاصة لخدمة اجنداتها واهدافها الخاصة بها ، أو لضعف ثقافة كوادرها الادارية والاعلامية العاملة مما جعلها عاجزة عن تقديم برنامج مشروعها وطرحه بما يلبي الذوق العام للمجتمع العراقي بكل اطيافه وتنوعاته الفكرية ، أولضعف المشروع الثقافي من حيث الدعم المالي او الحكومي لها. اوضعف مقومات منطلقات الأيمان باهداف المشروع وانحساره باهداف انية وشخصية لم تلبي الطموح العام ولم ترتقي الى مستوى الأقناع للنخب الموهوبة التواقة للاعداد والظهور والتوجيه الصحيح او النخب الأكاديمية الصاعدة التواقة للشهرة من جانب وخدمة الواقع الثقافي والاعلامي بالكلمة الصادقة والسبق الرصين والعمل المهني الجاد الذي يخلق مادة حقيقية للقارئ العراقي ومن جانب اخر،من خلال تجربتها في مجال الاعلام والثقافة والفنون الاخرى بل اصبحت مؤسسات عبارة عن سوق للدكاكين والمجاملات والاستثمارات بلا ضوابط ومن دون رقابة حكومية على مستوى الأداء.

العراق اليوم بحاجة الى دعم واقامة مشاريع وتطوير البنى التحتية للمؤسسة و تقويم عمل المؤسسة الثقافية بأعلى المعايير المهنية والأخلاقية والوطنية،وتؤمن بمشروعها الإعلامي والثقافي في حاضنة الامة العربية للثقافة بغداد السلام، رغم كل ما تعرضت له من كوارث الحروب وظروف استعمار وغزو وتدمير لمعالمها ومدارسها وتاريخها الحافل بالإنجازات الثقافية والحضارية عبر مراحل التاريخ، الا انها كانت صامدة بوجه حملات التخريب والتشويه وطمس معالمها الثقافية والتاريخية، او من خلال اتباع سياسات قمع المفكرين والمثقفين من قبل المستعمرين ،او من سياسات السلطات الجائرة.

وان ثقافة العراق تعد واحدة من أقدم الثقافات في العالم تاريخياً. وبلد العراق هو المكان الذي يطلق عليه قديماً” بلاد ما بين النهرين القديمة “وموطن نشأة الحضارات، والتي برز أثرها الواضح على حضارات العالم (في اختراع الكتابة، وتخطيط المدن، وتطور علم القانون في العالم القديم) ثقافياً، والعراق لديه تراث غني جدا. ومن المعروف كثرة العلماء كثرة الشعراء, الرسامين والنحاتين،ومن الضروري الارتقاء بالمشهد الثقافي بما يليق مع تاريخ العراق وحضارته.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here