تأملات في القران الكريم ح408

سورة الصف الشريفة
للسورة الشريفة عدة فضائل وخصائص منها ما جاء في كتاب ثواب الاعمال عن الامام الباقر عليه السلام : من قرأ سورة الصف وادمن قراءتها في فرائضه ونوافله صفه الله مع ملائكته وأنبيائه المرسلين صلوات الله عليهم اجمعين .

بسم الله الرحمن الرحيم

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{1}
تستهل السورة الشريفة ( سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) , يبين النص المبارك ان كل شيء سواء كان في السموات او في الارض الا ويسبح له جل وعلا , بيانا لنقصه وحاجته , فينطلق بالتسبيح نحو الكمال المطلق , لا يطلب الكمال الا بالكامل , ( وَهُوَ الْعَزِيزُ ) , في ملكه , الغالب امره , ( الْحَكِيمُ ) , في صنعه وتدبيره .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ{2}
تضمنت الآية الكريمة خطابا مباشرا للمؤمنين ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ) , مما يروى بخصوص الآية الكريمة , ان المسلمين كانوا يقولون لو نعلم احب الاعمال الى الله تعالى لبذلنا فيها انفسنا واموالنا , فنزل قوله جل من قائل ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ{4} ) , فولوا يوم احد , فنزلت الآية الكريمة موبخة او معاتبة او منكرة عليهم .

كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ{3}
تستمر الآية الكريمة ( كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ ) , عظم بغضا عنده جل وعلا , ( أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ) , ان تنطقوا بألسنتكم ما لا تفعلوه , أي ان القول مخالفا للفعل .

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ{4}
تقرر الآية الكريمة ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً ) , انه جل وعلا يحب الذين يقاتلون في سبيل احياء دينه صفا , فيمّن عليهم بالنصرة والتأييد , ( كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ) , يثبت ويشد بعضه بعضا .

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{5}
تضيف الآية الكريمة ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ ) , حين خاطب موسى “ع” قومه , ( يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي ) , تعرض عليه السلام الى شتى انواع الاذى من قومه , ومنه انهم زعموا انه ادر , وايضا ان قارون زجّ اليه امرأة وزعم انه “ع” زنا بها “حاشاه” , الى غير ذلك , ( وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ) , العلم برسالته “ع” يوجب التعظيم ويضعه في موضع ابعد ما يكون عن الشبهات , ( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ) , عدلوا وانحرفوا عن الحق , فصرف الله جل وعلا قلوبهم عن الحق وقبوله , ( وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) , والله جل وجلاله لا يوفق الى الهداية الخارجون عن طاعته , المتوغلون في الفسق .

وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ{6}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ) , واذكر حين قال عيسى ابن مريم “ع” لبني اسرائيل , ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم ) , يلاحظ في خطابه “ع” لهم انه “ع” لم يقل يا قوم , والسبب انه “ع” لم يكن له قرابة فيهم , فعرف نفسه لهم بأنه رسول من الله لكم , ( مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ) , موافقا مصادقا للتوراة من قبلي , ( وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) , وايضا ابشركم برسول يأتي من بعدي اسمه “احمد” , ( فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ ) , أي النبي الكريم محمد “ص واله” بالعلامات الواضحة , ( قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ) , ما كان رد القوم عليه “ص واله” الا ان قالوا فيه ما جئتنا فيه ليس الا سحر واضح .
( قال سأل بعض اليهود رسول الله صلى الله عليه وآله لم سميت أحمد صلى الله عليه وآله قال لأني في السماء أحمد مني في الارض .
وعن الباقر عليه السلام لم تزل الانبياء تبشر بمحمد صلى الله عليه وآله حتى بعث الله المسيح عيسى بن مريم عليه السلام فبشر بمحمد صلى الله عليه وآله وذلك قوله تعالى يجدونه يعني اليهود والنصارى مكتوبا يعني صفة محمد واسمه عندهم يعني في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر وهو قول الله عز وجل يخبر عن عيسى عليه السلام ومبشرا برسول يأتي من بعدى اسمه أحمد .
عنه عليه السلام إن اسم النبي في صحف إبراهيم على نبينا وآله و عليه السلام الماحي وفي توراة موسى الحاد وفي انجيل عيسى عليه السلام أحمد وفي الفرقان محمد صلى الله عليه وآله ) . “تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني” .

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{7}
تستمر الآية الكريمة ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ ) , أي لا احد اشد ظلما ممن يفتري على الله تعالى الكذب , وهو يدعى الى الاسلام ظاهر الحجة والبينة , ( وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) , النص المبارك يدخل هذه الفئة في جملة من لا يوفقهم الله جل جلاله الى الهداية .

يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ{8}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ) , يريدون ان يطفئوا حجج الله تعالى وبراهينه بأقوالهم , كالتهم الموجهة له “ص واله” من قبيل السحر والشعر والكهانة , ( وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ) , مظهر نوره جل وعلا , ( وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) , ولو كره الكفار ظهور نوره جل وعلا , فأنه سيظهر رغم انوفهم .

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ{9}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) , ليغلب على جميع الاديان , ( وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) , رغم انوف المشركين , الكارهين لظهور دين الله تعالى .
اختتمت الآية الكريمة السابقة بقوله جلا وعلا ( وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) , وهم كل من يبيت في قرارة نفسه العمل على إطفاء نور الله تعالى بكل الوسائل المتاحة لديهم , بينما اختتمت الآية الكريمة الحالية بقوله جل من قائل ( وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) بينما المشركون هم كل من يكره ظهور الدين الاسلامي , كراهيًة فقط دون محاربته .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{10}
تضمنت الآية الكريمة خطابا مباشرا للمؤمنين ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ ) , ذات نفع عظيم , ( تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) , ابرز منافعها وفوائدها ان يكتب للمتاجر فيها النجاة من عذاب مؤلم .

تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{11}
تستمر الآية الكريمة مبينة تلك التجارة ( تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ) , اول التجارة “رأس مالها” الايمان بالله تعالى ورسوله “ص واله” , ( وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ) , وتنصرون دين الله تعالى بأموالكم وانفسكم , ( ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
) , انفع لكم , او ان تلك التجارة هي خير لكم من تجارة الدنيا .

يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{12}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) , اول فوائدها , ان تغفر لكم الذنوب , ( وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) , بعد نيل المغفرة يكون الدخول الى الجنة , ( وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ) , لكم فيها مساكن طاهرة في جنات اقامة دائمة , ( ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) , لا فوز اعظم من هذا الفوز .

وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ{13}
تستمر الآية الكريمة ( وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا ) , بالإضافة الى تلك النعمة المذكورة اعلاه , فأن لكم نعمة اخرى , تحبونها , الا وهي ( نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ) , نصر عاجل , يفتح عليكم , بعض اراء المفسرين تشير الى ان ذلك عند ظهور المهدي “عجل الله فرجه الشريف” , ( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) , بالنصر والفتح في الدنيا , والجنة في الاخرة .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ{14}
تضمنت الآية الكريمة خطابا مباشرا للمؤمنين ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ ) , لدينه واعلاء كلمته , ( كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ ) , لخلصائه , ( مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ) , من يتولى منكم نصرتي في ما يقرب الى الله تعالى , ( قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ ) , فكان رد الحواريون عليه “ع” بانهم انصار الله تعالى , ( فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ ) , بعيسى “ع” , ايمانا لا تحريف فيه ولا تجديف , ( وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ ) , بعيسى “ع” , ( فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ ) , فأيد الله تعالى الطائفة المؤمنة على الطائفة الكافرة التي لازمتهم العداء , ( فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ) , غالبين .

حيدر الحدراوي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here