قراءة في الجزء الثالث من رواية ثلاثية محطات ( البياض الدامي ) للكاتب حميد الحريزي

اقتحمت الرواية في المتن السردي , الاحداث والقضايا العاصفة للحقب السياسية المتعاقبة على العراق . في مناقشة الاطروحات والحوارات المطروحة في خضم الصراع السياسي , في البنية العراقية الاجتماعية والسياسية , وفي حساسيات التناكف والخصام السياسي , الذي دلف الى اسلوب العنف المفرط في فناء وابادة الخصم السياسي المعارض . وناقشت المواضيع الحساسة والملتهبة . من اجل الصراع على السلطة والحكم , ومن الذي يتحكم في مصير القرار السياسي . لاشك ان العنف والاضطهاد والمطاردة . تغيرت اساليبها نحو العنف الهمجي المفرط , بعد اسقاط الجمهورية , ومجيء حزب البعث والتيارات القومية الى السلطة , وممارسة السلوك الارهاب , السياسي والفكري , وممارسة القتل والاغتيال , ضد الحزب الشيوعي . واطلاق العنان الى ( الحرس القومي ) في ممارسة الاجرام والانتهاك , فقد فتحوا السجون والمعتقلات للحزب الشيوعي والتيار اليساري عموماً . و تناقش ثلاثية محطات ( العربانة / كفاح / البياض الدامي ) في الاطروحات السياسية والايدلوجية والمواقف السياسية والحزبية , وعرجتعلى نهج وسلوك عمل الحزب الشيوعي عبر نضاله الطويل , وكشفت عن الاخفاقات والانحسارت في قوة الحزب وضعفه , التي شهدت المد والجزر . لاشك ان تجربة الحزب الطويلة . وهو يواجه اشكال مختلفة من العنف والارهاب . صاحبتها اخفاقات مريرة وفادحة في عمل الحزب , كبدته خسائر فادحة لا تعوض , وهو يواجه عدوه السياسي شرس وهمجي . لايعير أية اهمية الى القيم والاخلاق في التعامل السياسي , وانما يسلك سلوك فاشي , بالارهاب والقمع والاضطهاد . عدو متلون كالحرباء في سبيل انتزاع السلطة , وبأية وسيلة كانت , ومنها الركوب بالقطار الامريكي / البريطاني واستلموا الحكم . هذه الاطروحات السياسية التي ناقشتها ثلاثية محطات , بمواقف جريئة , توغلت الى اعماق الواقع العراقي , ووضعت النقاط على التساؤلات الوجيهة والعميقة , في خضم الصراع السياسي الطويل , والسعي الى اغتصاب السلطة بقوة السلاح , مقابل الاخفاقات وضبابية الرؤية السياسية للحزب الشيوعي والقصور والثغرات في الرؤية , من خلال نضاله الطويل , التي كلفته الثمن الباهظ , عبر تاريخه الطويل , تعبد بالدماء والشهداء وفتح السجون والمعتقلات والتشريد والمطاردة القمعية , وصولاً الى مرحلة ما بعد الاحتلال الامريكي , ومجيء الجلود السياسية الحرباء والثعلبية , والتي تتلون وتتغير حسب المناخ السياسي والمصالح والمنافع الضيقة والانانية . طرحت هذه القضايا من صلب الواقع السياسي والاجتماعي . ضمن الحبكة الفنية مقتدرة في تقنياتها , وبلغة السرد المرهفة والمتمكنة من اداءها الفني وصياغتها التعبيرية الدالة . كما وظفت في ابداع مشوق , اللهجة العراقية , في السرد والحوار . في حركته الديناميكية المؤثرة . كما برزت ثلاثية محطات . نضال الطبقة العاملة وكفاحها العسير والجسور , في الحقب السياسية المتعاقبة , وانحازت الى تبني مواقف ونضال الطبقة العاملة في كفاحها الطويل , وامتلكت تأثير الشارع السياسي . وكما عرجت على عامل مهم في الواقع العراقي الاجتماعي , ثيمة الاحتيال والنفاق والخداع للعمائم الدينية المزيفة , والمجندة في الاساليب الشيطانية في خداع البسطاء , في استغلال التأثير الديني وعاطفته عند عامة الناس . وبعد الانقلاب الثاني للبعث , جندهم تحت لواء الاجهزة الامنية . وتصاعد التجنيد الارتزاقاي بعد الحملة الايمانية , التي قادها صدام حسين . مما خلق شريحة كبيرة من رجال العمائم المنافقة , التي لها قابلية ان تبيع ضميرها واخلاقها , وفق مصالحها الذاتية والانانية الجشعة , بالمكر الثعلبي . وقد زاد علوهم ومقامهم بعد الاحتلال الامريكي , بتغيير جلودهم بسهولة أزاء أغراءات السلطة والمال العام الحرام . وكما قدمت ثلاثية محطات في النص الروائي , نماذج نسوية بصورة ايجابية مشرقة , بأن المرأة لا تقل مكانة ومنزلة عن الرجل , وفي الوفاء والجدارة والمسؤولية . وهي :

1- أحلام ( زوجة كفاح ) استاذة جامعية في الادب والنقد . بعد اختفاء زوجها ( كفاح ) الاستاذ الجامعي والاديب البارز , ليتجنب الاعتقال والسجن , بتهمة الانتماء الى الحزب الشيوعي . ظلت وفية الى زوجها رغم الارهاب والملاحقة , وحين عجزت الاجهزة الامنية في اخضاعها في معرفة مكان اختفاء زوجها , سجنت وعذبت , ثم اعدمت وهي حامل . لانها رفضت التجنيد في حزب البعث .

2 – مليحة . الانسانة الحزبية التي ظلت وفية بكل جدارة الى زوجها الشيوعي الشهيد , بروح التفاني والتضحية في العمل الحزبي , في مجال الطباعة السرية لمنشورات الحزب الشيوعي .

3 – حياة ( زوجة مظلوم ) : ظلت تشد ازر زوجها بالعزيمة والحب والوفاء , وتحملت المعاناة والجور والفقر . وكانت تأخذ دور معيل العائلة , اثناء غياب زوجها . فكانت عنوان الحب والوفاء .

4 – سعيده : الفلاحة البسيطة التي عشقت بحب واشتياق وهيام , حبيبها ( ناطور ) الفلاح الشيوعي . الذي رفض الانتماء الى حزب البعث , وتم ارساله الى جبهة الحرب ضد ايران , من اجل التفرد والافتراس بها , واجبارها على الزواج بالارهاب والقسر , من سيء السمعة ( حاشوش ) ابن السركل , الذي هربت عائلته بعد سقوط الملكية , خوفاً من انتقام الاهالي , فكان والده مجرم وحرامي معروف لعامة الناس , لذا وجد في حزب البعث ضالته , ليطارد الناس ويتحرش في بناتهم , وكان يقوم بدور ( القواد ) يجلب النساء للمتعة الجنسية لعناصر الجيش الشعبي , لكي يتسلق على والمنصب والنفوذ , وكانت عاهرته ( مريودة ) تنتقل بين احضان الرفاق . لذا رفضت ( سعيده ) بالزواج منه , وطردته هي تلاحقه بالزجر والشتائم . وبعد مقتل حبيبها ( ناطور ) في جبهة الحرب , اصابها الجنون ,ووفاءاً الى حبيبها , تطوعت في المعارضة المسلحة في الاهوار .

وكذلك تناولت نماذج نسوية اخرى , من زاوية الاطار الاجتماعي .

1 – غنيده : الغجرية , رغم انها سلعة او متعة جنسية تدور بين احضان الرجال . لكن في اعماق روحها , توجد عاطفة انساية رقيقة وشفافة , وخاصة بعد مقتل عشيقها من قبل الاقطاعي . ورغم انها بعد المضاجعة الجنسية مع ( مظلوم ) وسرقة رزقه اليومي . لكن وقفت بتقديم العون والمساعدة , وساعدت في اطلاق سراحه من السجن .

غزيلة : الانسانة الشغيلة بعواطفها وانشغالها بالهم , في البحث عن رجل ترتبط به بالحب والوفاء , لينتهي بالزواج , يأست من العلاقة من ( مظلوم ) لانه له مشاغل عنها , لكثير من الظروف والاسباب ومنها , بأنه مرتبط بالحب والاحترام الى زوجته الوفية ( الحياة ) وحققت اخيراً املها , في ايجاد ابن حلال لتتزوج منه , وهي سعيدة في عشرتها الزوجية .

رغم ان اسلوبية النص الروائي في ثلاثية محطات ( العربانة / كفاح / البياض الدامي ) . انتهجت اسلوبية الواقعية النقدية , في انتقادها الاخطاء السياسية الفادحة في الصراع السياسي , لكنها جسدت بموضوعية نضال الطبقة العاملة وحزبها السياسي . وابرزت محطات كفاح الطبقة العاملة , في نضالها السياسي , الشرس والدامي . بذلك ان اسلوبيتها المنهجية في الفن الروائي , اقتربت من ضفاف الواقعية الاشتراكية , في ابراز المعالم الاساسية في كفاح الطبقة العاملة , عبر الحقب التي تعاقبت على تاريخ العراق .

× × احداث المتن السردي للراوية :

× أنقلاب ( عبدالسلام عارف ) على شركاءه الامس في الحكم ( حزب البعث ) في اقصائهم من السلطة . وحل الحرس القومي , واختفاءه من الشوارع والساحات , قوبل بنوع من الانفراج والارتياح , وتنفس الناس الصعداء من مضايقات وارهاب الحرس القومي , الذي كان جاثماً على الصدور , بالقمع والارهاب , فكان بمثابة الكابوس الذي يفزع ويرعب الناس , من كثرة الجرائم والانتهاكات الهمجية البشعة التي يرتكبها بدم بارد . فكان الشرطي وجهاز الامن للبعث , بأن يملك الحرية المطلقة , بشن حملات الاعتقال والسجن والتعذيب في اسلوب فاشي صرف , وفرض الفدية المالية على الناس .

اما على صعيد ظروف ( مظلوم ) فقد وجد عملا ً , كفلاح في احدى البساتين في منطقة ( الكاظمية ) وكذلك ك ( حدقجي ) في البيوت . ويواصل المطالعة والقراءة بنهم وشوق واشتياق .

وعلى الصعيد السياسي , سمحت كوة الانفراج الصغيرة , في لملمة جراح الحزب العميقة , واعادة الصلة بالمنظمات المنقطعة , واعادة الصلة بعناصر الحزب , التي تعرضت للاعتقال والنفي والتشريد والاختفاء القسري . وطالب الحزب الشيوعي في اطلاق سراح السجناء , والكف عن الارهاب السياسي والفكري . ومن خلال هذه الاجواء تصاعدت بعض الدعوات من تنظيم الحزب , تطالب في اندماج الحزب الشيوعي , في اتحاد الاشتراكي العربي , مما أثار اعتراضاً قوياً من قبل القيادات وقواعد الحزب . وعلى اثر تحسين الحالة المعيشية المستقرة , جلب ( مظلوم ) زوجته لتعيش معه في بغداد . ويخبره الطبيب بأنه مصاب بمرض السكر .

اخذت تطورات السياسية في منحى اخر للحزب اكثر جسامة وخسارة , فقد تعرض الى الانشقاق في التنظيم , اذ انشطر الى قسمين . قسم يتبع اللجنة المركزية بقيادة ( عزيز محمد ) والقسم اخر يتبع القيادة المركزية بقيادة ( عزيز الحاج ) وقد بدأ التناحر بين الطرفين ( وقد بدأ كل من الطرفين , يشن هجوماً اعلامياً ودعائياً ضد الطرف الاخر . مما يسبب المزيد من المرارة ل ( مظلوم ) الذي اعتزل الطرفين ) ص87 . وكذلك اجهاض عمل الكفاح المسلح في الاهوار , بقيادة المهندس ( خالد أحمد زكي ) الذي ترك حياة لندن , وتوجه الى الاهوار , ليواصل مهمته الثورية . وكذلك فشل ايضاً الكفاح المسلح , بقيادة ( عزيز الحاج ) فقد ظهر على شاشة التلفاز بعد انقلاب البعث الثاني , يمدح ويثمن دور حزب البعث , وكشف خلاياه التنظيمه واسماء وعناوين رفاقه . وبعد ذلك انبثقت الجبهة الوطنية بين حزب البعث والحزب الشيوعي . التي دشنت مرحلة الارهاب والاغتيال السياسي , التي طالت بعض القياديين البارزين في الحزب الشيوعي . والايحاء الرمزي في تعابيره البليغة في النص الروائي , في يوم توقيع على ميثاق الجبهة الوطنية . توفي ( مظلوم ) يعني تدشين مرحلة الموت والخراب في عواقبها الوخيمة على العراق . وقد اوصى ( مظلوم ) في وصية الوفاة . بأن يدفن ويشيع بشكل بسيط جداً الى القبر . وان يوضع التابوت داخل السيارة , وليس ربطه على سقف السيارة كما تربط الاثاث والحيوانات . وهذا موقف حضاري عند الشعوب المتحضرة , التي تحترم مقام المتوفي , ان يوضع داخل السيارة مع اكليل من الزهور .

وتاخذ التطورات في هرم سلطة البعث , في ازاحة ( احمد حسن البكر ) وتولي ( صدام حسين ) رئاسة الجمهورية , التي دشنها بالقيام بحمامات الاعدامات لرفاقه في القيادة , ثم تطورت الامور الى المنحى الخطير , بشن الحرب ضد ايران . ثم يدشن الحملة الايمانية , بتجنيد بعض مرتزقته , في تبديل الزي الزيتوني . بزي العباءة والعمامة الشيطانية وتطويل اللحى , ووضع طمغة الباذنجان في الجبين , للاحتيال والتجسس . مثل شخصية ( حاشوش ) الذي يملك تاريخ اسود , اجرامي وحرامي محترف . في مهمة اصطياد المعارضة وخداع الناس بالدور الثعلبي الجديد , . ولكن من مصائب الزمن الاسود , ان يظهر ( حاشوش ) وعاهرته ( مريودة ) ضمن شخصيات مجلس الحكم بقيادة برايمر . في مجلس الحكم الانتقالي , يعني رمزية الحدث بوصول هذه الحثالة الى اعلى هرم السلطة , ترمز الى ان المرحلة , ستكون مرحلة العهر والدعارة السياسية , في سوق النخاسة الرخيصة . وينتهي النص الروائي , في مقتل ( كفاح ) ضحية في احدى التفجيرات الدموية .

جمعة عبدالله

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here