ريحانة أنا……قصة قصيرة

ريام الشمري
سأخبركم بعض الحكايات عني : ولدت على أرض لا تعرف لها وطن, فهو يقدس الرجل ويكفر المرأة، فقيمة المرأة لديهم ادني من قيمة الماشية، حتى أن سعرها في حارتنا أكثر من المرأة.
ترعرعت في مجتمع لديه عقدة من النساء، فشعبه قد تعلم من آبائه الراحلين وطوال سنوات مضت بان المرأة ناقصة العقل والدين، ولأني ولدت فتاة فقد تركزت هذه الأفكار البالية في ذهني ومازالت تتمركز في مخليتي، ولذلك كنت لا أخطو خطوة واحدة خارج المنزل لأنه محرم علي! وان لا أتحدث كثيراً وأن لا أسير بنفس المسافة التي يسير بها الرجال، وإنما يجب إن أعود للوراء على بعد نصف متر تقريباً.
منذ طفولتي وأنا لا أحب ملامح وجهي ولم أكن أجرؤ على مغادرة المنزل, بقيت حبيسة المنزل إلى إن أصبحت في العمر السادسة، أرفقوا بحالي وسجلوني في المدرسة، كانت فرحتي لا توصف لم اصدق عندما قالت لي امي سوف تذهبين إلى المدرسة، وأخذتني للسوق واشترت لي ملابس وقرطاسيه، لم تكن الأرض تسع فرحتي.
كانت المدرسة بالنسبة لي هي المخرج الوحيد الذي اذهب اليه, تعرفت على زميلات ومعلمات كنت مجتهدة في دراستي رغم أن لا احد ساعدني في البيت كانت امي لا تعرف القراءة والكتابة ومشغولة في أمور المنزل من الصباح لليل ألا أنها كانت تساندني وتشجعني، وصلت إلى مرحلة السادس ابتدائي كانت الفرحة لا توصف دخلت للبيت وبيدي شهادة النجاح، صدمني موقف العائلة عندما اخبروني بأنني أصبحت كبيرة بالسن، وبما إنني تعلمت القراءة والكتابة فهذا يكفي! وبذريعة انه ليس لدينا امرأة تكمل دراستها، فاتركي المدرسة وابدئي بمساعدة والدتك في أمور المنزل، وكأن هذا هو مصير الفتاة المحتوم!
لم يكن لدي او لوالدتي مسلكاً أخر سوى الرضوخ لحكم القوي، ولأنه من العيب إن أتكلم مع احد كثيرا كنت أمضي ساعات يومي انظر للمرآة وأعاتب نفسي لما أتيت لهذه الحياة ماهو الذنب والعيب الذي ارتكبته حتى يقولون بان المرأة ناقصة العقل والدين، أحسست بأنني أوشك على الجنون كرهت المرآة فكلما نظرت إليها أصاب بالإحباط واليأس، واكره نفسي أكثر.
اتجهت إلى شباك غرفتي كان يطل على شارع صغير في حارتنا فأرى الأطفال يلعبون ويلهون، ومن كثرة إطلاعي على المارة حفظت كل من يعبر ويمشي من هذا الشارع..وأنا اردد في قلبي: أصبحت الساعة كذا سوف يخرج فلان من منزله ذاهب للعمل، وستخرج فلانة من البيت للسوق ،وسيخرج الطفل في هكذا ساعة للعب وهكذا يمر يومي على هذا الحال حتى الأطفال عرفوني يسلمون علي وخصوصاً ابن جارتي التي تسكن مقابل بيتنا كان ينظر الي ويرفع رأسه ويده ويرسل لي تحياته من خلف الشباك وعندما بدا العام الدراسي الجديد أصبحت الحارة هادئة نوعاً ما، فالكل يستيقظ مبكرًا يذهب للمدرسة او للعمل، لاحظت شاب جميل وهادئ في مقتبل العمر ذو قامة طويلة ولحية خفيفة .. يمر كل يوم من أمام بيتنا على دراجته الهوائية حاملاً كتبه يريد الذهاب للمدرسة يرن جرس جارتنا يأخذ معه ولد صغير يجلسه أمامه ويرحلان، كنت أتسال مع نفسي من هذا الشاب ولماذا يأخذ معه الطفل كنت أستيقظ مبكراً لكي أراه يمر من أمامي ولازال السؤال يجول بخاطري وفي يوم من الأيام خرج الطفل ورفع رأسه للشباك رفع يده وسلم علي بادرته بالسلام، نظر الشاب إلى الطفل رافعاً رأسه إلى فوق نظر الي الشاب دون أن ينطق بكلمة وقعت عيني بعينة ارتعبت خوفاً من أن يراني أحد!وهو يرفع يده ويسلم مازحاً مثل الطفل
،اختبأت وراء الحائط وبعد دقائق سمعتهم رحلوا.وأنا اردد في نفسي: ياالهي شكراً لأنك أنقذتني من هذا الموقف فلو كان أحد من عائلتي قد رآني لكنت من المنسيين ألان.
وعلى الرغم من أنني لا أعرف لغة العيون إلا إنني سرحت كثيراً في تلك النظرة التي أخذتني إلى عالم أخر غير عالمي المرير الذي لا أعرف فيه سوى العنف والحرمان والتعصب.
سمعت صوت باب نظرت من الشباك عاد الشاب مرة أخرى إلى الحارة ومعه الطفل, فتحت الباب ودخل الطفل إلى بيته, ركب الشاب الدراجة ثم وقف لوهلة ونظر إلى الشباك والتقت عيني بعينه مرة أخرى جذبني اليه، ياالهي انه يعيد النظرة مره أخرى التي أحببتها وعشقتها كنت حاضرة في تلك اللحظة أمامه فقط وأمام تلك النظرات الجميلة التي جعلتني اعشق شكلي، وانتهى ذلك اللقاء السريع بصوت يخرج من بيتي أخذ بعضه ورحل، عشت تلك النظرات التي جعلتني أجمل فتاة على وجه الأرض ونسيت حياتي التعيسة ونسيت كل شي قبيح.
ولأول مرة في حياتي أحسست بان هناك رجل حنين ولطيف ومختلف عن والدي وأخوتي الذين هم الرجال الوحيدين الذين عرفتهم في حياتي، واذا وقعت عيني بعينهم فسوف يبدأون بانتقادي، لم يحب والدي يوماً أن اكلم شخصاً غريباً ولم يكن يحب مظهري ولا ملابسي ولا شيء يخصني كان ينظر الي باشمئزاز، فهو كان محباً لفئة الأولاد فقط دون الفتيات.
وها إنا اليوم أصبحت أعرف رجلاً أخذني إلى عالم لا أعرفه من قبل عالم ليس فيه ماهو موجود في حياتي ألان.
أعجبت به أكثر عندما سمعت نساء حارتي اللواتي يتحدثن مع بعضهن إن هذا الطفل يتيم الأب وهذا الشاب هو من أقاربهم وقد تكفل به وبكل مستلزماته.
كان كل يوم يراني فيه لا ينطق باي كلمة وإنما نتبادل النظرات .. انظر إلى معالم وتفاصيل وجهه واستشعر باللحظات التي أريدها وكم هذا جميل.
استمر اللقاء على هذا الموال كل صباح إلى إن أتى اليوم الذي لمح لي فيه بأنه يريد التحدث معي، رفضت لاني خائفة وفي نفس الوقت ممنوع عني الخروج من البيت، فبعث بورقه بيد الطفل نزلت اريد أن افتح الباب وأنا مرعوبة وخائفة من أن يلاحظ احد ويراني .. فتحت الباب وأخذت الورقة وصعدت إلى غرفتي بسرعة وقلبي تسارع دقاته وكأنه يريد أن يتحرر مما هو يعانيه.
فتحت الرسالة فجاءه توقف قلبي وأطلت النظر إلى محتواها تفاجأت بأنه يريد أن يتقدم لي ويخطبني من أهلي وينتظر الجواب مني!! شعرت بالدوار يصبني جلست على الأرض لا اعرف هل افرح أم احزن، ماذا افعل.بعد انتظار طويل، رميت له بورقه من الشباك، أخبرته بأنني موافقة.
وفعلاً وفى بعهده وبعث والدته وأخواته وتقدم لي وكانت فرحتي لاتوصف شعرت وقتها باني أنثى جميلة استحق أن أعيش مثل باقي النساء على الرغم من أن والدي عرف أن الشاب من
نسب ودين وخلق, ولكن الرد أتى منه بالرفض القاطع غير قابل للنقاش بحجة إنني لازلت صغيرة وقتها كان عمري 20 سنة وان ابن عمي يريدني منذ صغري ومانع أي احد يتزوجني غيره، مررت بحالة اكتئاب شديدة عند سماعي هذا الخبر، وأنا وفي حيرة من أمري، لا أستطيع على مواجهة أبي ولا يمكنني أن أبدي رأياً حول هذا الموضوع لعدم وجود احد يسمعني او يلبي ندائي، ضاقت بي الحياة بما رحبت، بقيت على السرير لأشهر عديدة دون أن أنطق بكلمة واحدة، تعبت نفسيا وعدت من جديد إلى إهمال نفسي، رحل الشاب عن حارتنا لم أراه بعدها ولا اعرف أخباره تركت الشباك الذي كان وسيلتي الوحيدة بان أرى العالم من حولي ماذا يفعل وكيف يتحرك ويمارس حياته الطبيعية.
رفض ابن عمي الزواج بي بحجة انه يريد أن يسافر ويكمل دراسته واني غير مؤهله كزوجة له وليس لدي شهادة.عدت كسابق عهدي بعد النظر إلى المرآة كثيراً هاربةً منها وكأنني أرى مخلوقةً مختلفة تعاني من اسوداد الرؤية لديها، وكنت كل ما أراه هو شعري الجامح الكثيف وعيوني الصغيرة وكذلك السواد الذي يكتحل أسفل عيني لا يزول لم تكن لدي ثقة بمظهري على الإطلاق، كنت أعتقد أنني لا أتمتع حتى بشكل بشري.
كانت حياتي عبارة عن تنظيف وعمل مجاني في البيت، تعرضت للإهانة أو الضرب بكل وحشية عانيت حياة قاسية معدومة الحب و العطف والأسرة المتجانسة، اشعر دائما كأني يتيمة وها إنا ألان ابلغ من العمر35 سنة، لذلك لملمت ما بقي من روحي وقررت أن اخرج عن صمتي وان أتحدث عن بعض معاناتي، وارفع صوتي لعل هناك من يسمعني
وأنا أنادي : ماهو الذنب الذي اقترفته؟ هل جلبت العار إلى عائلتي هل سلكت طريق مختلف؟ هل خلق الله الأنثى عبث؟ بل العكس تماماً أن الله جل وعلا خلقني إنسانة مثل ما لدى الجميع من حقوق.
هل يعتبر اسمي ووجهي عيب لعائلتي؟ هل وجودي معهم هو خزي وعار لهم؟هل ذنبي بأنني خلقت فتاة تعيش في مجتمع لايقدس سوى الرجل؟ ما ذنب فتاة تعاني من خدعة مجتمع مستبد وهي لا تمتلك قرار حياتها الذي هو من حقها في المقام الأول؟من سيعوضها سنواتها التي تلاشت بالانتظار والعزلة؟هل لي بتغيير المجتمع هذا، لأجد وسيلةً أو سبيلاً أرى من خلاله الأمل، وأتنفس به الصعداء بعد الضيق، لن ارفع علامات استسلامي ولن ارضخ مرةً أخرى، يكفي ماعانيته طوال دهر حياتي المظلمة، فقد مللت الانتظار والعطف المقنع الذي يمارسونه معي.
فاللحظات الجميلة ترحل ولا تنتظر أحداً مهما كان يعاني او يواجه فالإنسان وحده هو الذي يحدد قدره مادام انه لم ينحرف عن جادة الحقيقة والصحيح.
هكذا سوف أكون أنا!!
المكان هادئ ومظلم جميع الجمهور في حالة صمت مستمعين معالمهم غير واضحة نظرت إليهم لا احد ينطق بكلمة المقدم عينه متوجه نحوي نظرت اليه مخاطبته وعندما سمعت بهذا البرنامج اتصلت بكم لكي أكون ضيفه فيه لعله صوتي يصل إلى ..
بدا الكل يتكلم بهمس ياالهي هل تكلمت كثيرا ولم انتبه على نفسي هل قلت شيء لم يعجبهم تبا لي نظرت على المقدم من جديد عفوا أستاذ هل يوجد شيء لم يعجبكم؟
قام المقدم من مكانه ورفع يده صفق لي بحرارة نظر اليه الجمهور قام واحد تلو الأخر وبدأوا يصفقون لي شعرت براحة كبيرة لأنني تكلمت عما في داخلي حتى أنني بكيت من المنظر الحمد لله احد أحس بمعاناتي حتى وان كانت متأخرة..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here