لو كانَ حزباً لما إنتميتُ إليهِ!

أمل الياسري

الفائزون في الإختيار الإلهي الذي يمحص الخالق عز وجل به عباده هم الفئة القليلة، والأكثر يتهاوون تحت وطأة الضغط والقمع والتهجير، لكن من صفات هؤلاء الثلة القليلة الصابرة، هو المقاومة ورفض الضيم، والصبر على عظيم البلاء، حتى لو تطلب الأمر دماء تسيل، إيماناً منهم بالنصر الإلهي، إنها (36) عاماً من مواجهة الطعيان البعثي، وكان تأسيس المجلس الإسلامي العراقي الأعلى، مصدر الفرح والفرج على العراقيين، ومهوى قلوب المتعطشين للحرية والخلاص والكرامة.

لقد رأب المجلس الإسلامي العراقي الأعلى الصدع الذي أصاب المجتمع العراقي، نتيجة الظروف القاسية التي مرت بالشعب أيام النظام المباد، حيث كان أكثر ما يرعبهم المجلس وفيلقه الهمام بدر الظافر، وكثيراً ما قض مضاجعهم في عقر دارهم رغم قلة عددهم وعدتهم، لكن مبادى ثورة الحسين كانت تطوف حولهم مسددة بنصررباني.

عندما أسس شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم (رضوانه تعالى عليه) ورفاقه المجاهدون الأوائل، المجلس الإسلامي العراقي الأعلى في ( 17 تشرين الثاني 1982) فإنه أكد على مسمى المجلس، وليس كياناً أو حزباً، لأن الكيان مصيره الزوال، والحزب مصيره التعنصر لأيدلوجية أو فكر معين، أما كلمة مجلس فقد جمع فيها، كل مفاهيم الحرية، والكرامة، والخلاص من الدكتاتور وبعثه وأزلامه، وهو ليس خاصاً بمذهب معين، أو فئة، أو دين، أو قومية.

المجلس الإسلامي بكل قياداته الماضية والحاضرة، تمتلك تصوراً واضحاً حول المستقبل وما يجب فعله، حيث إنطلق مؤسسه السيد محمد باقر الحكيم (قدس) من عمق الحوزة العلمية، وكان ظهيراً، ومخلصاً، ومدافعاً عن المرجعية، وتحرك ضمن أهدافها التي من أبرزها مقاومة الظالمين، وتجاوز جميع المصالح الشخصية، ومنطلقاً نحو بناء وطن يحتضن الجميع.

لقد كان المجلس صوت العراقيين جميعاً، في وقت عاش فيه المهجرون، والمهاجرون، والمجاهدون، مرحلة هشة جداً في الشتات، خارج أسوار الوطن بسبب دموية النظام الصدامي المقبور، وبات موطناً للقادة ومدرسة للتضحية، وجمعهم شهيد المحراب بعد أن تفرقوا تحت كلمة واحدة، وهوية واحدة، لمقارعة الطاغوت ومواجهة الظلم، فلم يعرفوا اليأس، ولم يبالوا بالمظاهر والمناصب والمكاسب، نفوسهم القوية الثائرة عاشت طويلاً، وما زالت خالدة في الضمير العراقي، إنهم بحق سادة النصر وأجلاؤه.

تلتقي عنده كل التقاطعات ولم يتقاطع مع أحد، ولم يكن طرفاً ضد طرف، بل كان المجلس ومشروعه العظيم، صانعاً للغد العراقي أكثر من أي أحد، وأكثر الأطراف العراقية مواجهة، وفي الواجهة لأخطر تحديات القرن العشرين لبلادنا الجريحة، وعاش مخاضات ولادة الدولة العراقية الجديدة بعد (2003)، فكلما دبَّ الإحباط بسبب طول المحن، أخذ المجلس على عاتقه زمام المبادرة والعزيمة لخدمة الوطن، وله الدور البارز بمجابهة عصابات داعش الإرهابي بعد عام (2014).

رغم أن التأريخ لم ينصف هذا الإرث الحكيمي، ومنجزات فيلقه الظافر، لكنه يبقى مشعلا للحرية، فحمل قضية أكبر وأهم وهي قضية العراق، فالمشاريع التي تبني الحياة مشاريع خالدة، وكل ذلك لأن المجلس الإسلامي العراقي الأعلى لم يكن حزباً، وإلا لما إنتمى له شهيد المحراب، وما زال الكهف الطاهر لبناة الحياة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here