آلة تسجيل ومكب خردوات : قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم

كان يردد يوما بعد يوم نفس الكلمات والمصطلحات والعبارات و السطور المستهلكة لحد الغثيان ، بنفس محتقنة ومتهيجة ، ولكن بنبرات ووتيرة لا تني تتصاعد بموجات عارمة من غضب و كراهية غير قابلة للاحتمال حتى بالنسبة له أحيانا ..

كان يرددها كتابة يوما بعد يوم ، دون أن يعلم أنه بهذا التكرار الممل لحد الضجر الخانق إنما يعكرمن خلالها مزاج القراء الباحثين عن أخبار و معلومات أو نصوص جديدة ليستمتعوا بها ..

فانفرّوا من سطوره السقيمة وطفروا اسمه أثناء التصفح و الذي بات مقيتا ومكروها بالنسبة لهم ..

ثم انتهى مدمنا على هذه الكلمات والمصطلحات في الترديد و التكرارو الإعادة ، مثل شخص مغرم بأغنية يدندن بها مع نفسه طوال الوقت ، إذ أنه أخذ يرددها مع نفسه وهو سائر في الشارع أو متواجد في البيت أو مستحما في الحمام أو مقضيا حاجته في المرافق الصحية ..

لأنه كان على يقين تام أنه بترديد و كتابة هذه الكلمات والمصطلحات و الأوصاف إنما كان ينتقم من أعدائه العقائديين ..

إذ كان يعد نفسه ” متطوعا ” عقائديا يجندل بهذه الكلمات و المصطلحات خصومه العقائديين ..

ذات مرة ايقظته أمه من أحد كوابيسه لكونه كان يردد نفس الكلمات والمصطلحات بصراخ زاعق و عال ، وكأنه في عراك رهيب ، وهو يسب و يشتم أعدائه العقائديين و خصومه السياسيين و الإعلاميين !!..

و أخيرا ..

من شدة إدمانه على ترديد هذه الكلمات والمصطلحات يوما بعد يوم ، أسبوعا بعد آخر ، سنة بعد أخرى و أخرى ، إلى ما لا نهاية ، وجد نفسه أخيرا يستحيل ، شيئا فشيئا ، إلى آلة مسجل صدئة مركونة على زاوية منسية تعلوها طبقة من غبار وخيوط شبكة عنكبوت تتدلى منها بقايا ذباب و بعوض وحشرات أخرى …

حتى جامع الخردوات نفسه رفض دفع فليس واحد ثمنا لها ، مبررا ذلك بكثرة عطب و صدأ وتآكل الذي دب فيها عميقا وواسعا ، و قال أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يفعله من أجل أصحاب البيت الجدد هو : أن يأخذ آلة التسجيل هذه ويرميها في مكب خروات غير صالحة للاستعمال .

و ختم كلامه قائلا :

ــ لا أظن يوجد شخص ما في هذه المدينة سيحتاجها أو يستفيد منها حتى لو كان شحاذا معدما ! .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here