مَن دمّر العرب؟!!

ما أن يُقرأ العنوان حتى تنهال نمطية الأجوبة التي تعوّدت عليها الأجيال منذ مطلع القرن العشرين وحتى اليوم , وخلاصتها معاهدة سايكس- بيكو , والإستعمار , وبعدها ما جرى في العقد الخامس من القرن العشرين , ويمكن أن يضيف القارئ ما يحلو له من الأسباب التبريرية والتسويغية , التي تريح الضمير وتحرر المواطن من المسؤولية بإلقائها على “هوّ”.
وفي حقيقة الأمر أن جميع الحالات التي نحسبها أسبابا , ما هي إلا تحديات لإستنهاض الطاقات والقدرات وتحفيز الإبداع وتقوية العزيمة والإصرار , فمعاهدة سايكس – بيكو كانت هفوة إستعمارية , كان من المفروض أن يستثمر فيها العرب ويحققوا أعلى درجات التفاعل والتقدم والرقاء بتركيزهم على بناء وجودهم الوطني العزيز , وكذلك وجود حالة متحدية في المنطقة من المفروض أن تحفز العرب على كينونة أقوى وأقدر.
لكن يبدو أن القوى الطامعة بالعرب تعرف الطبع العربي , وتدرك بأنك لكي تقضي على العرب إجعلهم في دول , فأن ميلهم للتناحر شديد وعظيم , وهذا سلوك موروث ومتعوّد عليه منذ آلاف السنين , وقد صدقت نبؤاتهم ومعرفتهم بالسلوك العربي , ولهذا حقق العرب نتائج تسرّ الطامعين بهم.
والجواب الأصدق والأرجح على عنوان المقال , أن الأحزاب العربية هي التي دمرت العرب!!
نعم إنها الأحزاب!!
فهل لديكم القدرة على الإتيان بحزب واحد في بلاد العُرب أوطاني قد نفع العرب؟!!
ربما سيأتي البعض بأمثلة من تونس والجزائر , وأحزابها قد توفرت لها قيادات وطنية -إلى حين- أسهمت في تقدم نسبي وتطور ملحوظ.
لكن تأملوا أية دولة عربية أخرى منذ نشأتها وحتى اليوم , وأتوا بحزب واحد قد خدم البلاد والعباد , فلو أخذنا العراق مثلا لوجدنا كانت فيه أحزابا وطنية بدائية التشكيل والرؤى في الفترة الملكية , وبعدها إلتهمته الأحزاب القومية والعقائدية المضطربة الرؤية , والمفتقرة للقيادات الوطنية التأريخية الصالحة لبناء حزب ودولة.
فالحزب الشيوعي لم تتوفر له القيادة التي تستوعب أفكاره وتقدم مناهج عمل ذات قيمة وطنية وإنجازية , بعكس الأحزاب الشيوعية في دول الدنيا التي بنت ووضعت الستراتيجيات لمستقبل زاهر , فحتى بعد سقوط الإتحاد السوفياتي تجدها راسخة الكيان والعمران والبنى التحتية المستوعبة لمعطيات المستقبل.
وفي المنطقة كانت دولة شيوعية في اليمن وما أنجزت ما هو صالح للحياة , وفشلت في تقديم النموذج العربي الأمثل للشيوعية , فإنتهت إلى ما إنتهت إليه الأحوال في اليمن.
والعلة تكمن في الفهم المنحرف للنظرية وفقدان مهارات التطبيق , فالعرب يمتلكون معضلة مروعة , خلاصتها العجز عن تحويل الأفكار إلى موجودات مادية فاعلة في الحياة كما تفعل مجتمعات الدنيا الأخرى.
ولو أخذنا حزب البعث , لتبين لنا بأنه لم يكن يوما وطنيا خالصا بتوجهاته , وإنما غلبت عليه النزعة القومية التي أودت بحياة الدول التي حكم فيها وتمكن , وغابت عنه القيادة القادرة على ترجمة رؤاه إلى واقع حياتي نافع للحاضر والمستقبل.
أما الأحزاب الدينية فأنها عقائدية بحتة ولا تؤمن بالوطن , ولا تمتلك أي رؤية وطنية , وإنما هي تسعى بقوة لتأكيد عقائدها وعقائد من تتبعهم , فهي وبلا إستثناء أحزاب تابعة لقوة أخرى تدين بعقيدتها.
ولهذا وجدناها فعلت ما فعلت في العراق منذ ألفين وثلاثة وحتى اليوم , فهي ذات ولاء لغير الوطن , وذلك من صلب عقائدها.
وجميع الأحزاب قد شكلت حكومات حزبية ولم تشكل حكومات وطنية , لأنها تريد الإنفراد بالسلطة وإلغاء الصوت الآخر , وتحشيد الطاقات والقدرات للنيل منه , وتكون ممارستها للحكم عبارة عن سارق قد سرق غنيمة ويقف مدافعا عنها أمام الآخرين الذين يطمعون بأخذها منه , فيتحول الحزب إلى ذئب شرس متأهب للمهاجمة دفاعا عن الغنيمة المسروقة من الشعب.
ولا تختلف جميع الأحزاب بهذا السلوك المأساوي , الذي أخذ العرب إلى منحدرات الويلات والتداعيات المروعة.
ولو أخذنا مثلا آخر , فالعرب يدّعون أن قضيتهم المركزية هي فلسطين , وانظروا ماذا حصل لها بعد أن توجهت نحو إقامة دولة , لقد تناهبتها الأحزاب , وصارت السلطة مغنما , فما عادت هي قضية مصيرية بالنسبة لأهلها , وإنما قضية سلطة , وإذا بها تنشق إلى نصفين , وربما إلى الأكثر في المستقبل , وكلاهما يسعى للنيل من الآخر , فهل كان يخطر على بال العرب قبل عقود أن تجري محاولات مصالحة بين الفلسطيني والفلسطيني؟!!
فمن دمر القضية الفلسطينة؟!
أ ليست الأحزاب التي تفاعلت معها؟!!
قد يرى آخرون أن ما تقدم إقتراب من زاوية واحدة , ويحاولون أن يحمّلوا الموضوع أسبابا لا تُحصى ولا تُعد , وكل ما سيأتون به صحيح لكنه غير صائب وغير عملي ولا جوهري , لأن مسيرة الأحداث والتطورات على مدى القرن العشرين وحتى اليوم , تؤكد عاملا أساسيا ومشتركا فيما يتحقق بديار العرب , يشير إلى أن الأحزاب بمسمياتها وعقائدها وتوجهاتها هي التي أنهكت الوجود العربي وستقضي على العرب , وإن لم يؤسس العرب حكومات وطنية وليست حزبية فأن مستقبلهم في خطر.
ومن الواضح أن العرب لديهم عجز في التفريق ما بين الوطني والحزبي , ويخلطون ما بين الحالتين , ويتوهمون بأن أحزابهم وطنية وهي ليست كذلك كما تدلل على نفسها بسلوكها.
فهل سيتحرر العرب من الأحزاب والتحزبية ويمتلكون بصائر وطنية ذات إنجازات حضارية معاصرة؟!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here