سياسيو سنة العراق بين سم الخنجر وترياق البنجر

يوسف رشيد الزهيري

على مدى السنوات الماضية سلك سياسيو السنة في العراق طريق طهران في حين لم يعد للسفير الأمريكي في بغداد تأثير يعادل تأثيرالإيرانيين في البلاد، لسبب وعيهم وادراكهم بحقيقة حجمهم الذي البستهم فيه ايران ثوب منصب رئاسة البرلمان واكتفوا بهذا القدر من المناصب السيادية على ضوء المحاصصة والتمثيل الانتخابي كما ان ادراكهم بسطوة ونفوذ ايران على الساحة السياسية في العراق، جعلتهم امام خيارات الرضا والقبول بهذا المنصب السيادي المعقول بلا منافس عليه من قبل القوى السياسية الاخرى .

بل إن السياسيين السنة يتذكرون جيدا كيف الت اليه امورالقائمة الوطنية المدعومة اميركيا وخليجيا حين تحدت ارادة ايران وارادة القوى الشيعية في العراق وذهبت احلامها السلطوية ادراج الرياح ، وتربع المالكي مجددا لولاية اخرى بمباركة السفارة الايرانية حيث كانت اكثر واقسى دموية على خصومه المنافسين، وكيف كان مصيرأرفع قياديهم، طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية، عندما اعتقد أن الأمريكيين قادرون على حمايته من سطوة المالكي، ليؤول المطاف بنائب رئيس الجمهورية هاربا من جمهوريته وأسوار المدينة الخضراء . والحوادث بهذا الصدد طويلة والقائمة عريضة بالشخصيات والحوادث انتهاء بالعلواني الذي اقتاده المالكي من عقر داره وكسر شوكة ساحة التظاهر في مدينة الرمادي .

لكن المفارقة الأكبر التي حدثت فصولها في الانتخابات العراقية الاخيرة، أن هؤلاء السياسيين السنة وداعميهم من الدول العربية، الذين يتقاربون الآن مع من كانوا يصفونهم بالمجرمين والديكتاتوريين الدمويين ومدمري مدنهم، مثل المالكي والعامري وقادة الفصائل والحشد الشعبي، والذين كانوا يصفونهم بابشع التوصيفات والتصريحات النارية،هم أنفسهم هللوا وباركوا بل واحتفلوا بفوز قائمة الصدريين، باعتباره فوزا وطنيا وانتصارا رمزيا على خصومهم حسب اعتقادهم، بوجه الاحزاب الشيعية الأكثر تشددا وارتباطا بإيران.

لكن سرعان ما اعلنوا تحالفهم مع المالكي بقيادة الخنجر الممول للارهاب والفتنة الذي استطاع من خلال نفوذه وامواله المشبوهة ان يقود تحالفا طائفيا مبطنا باسم المشروع العربي ويضم الى تحالفه العديد من الشخصيات السياسية السنية من خلال شراء الذمم والتهديد والترهيب وشتى الوسائل المشروعة والغير مشروعة وقد نجح في خداع حتى جماهير المناطق السنية من خلال منظماته ومؤسساته الانسانية المعلنة والمبطنة بثوب الإرهاب والتصفيات مستغلا بذلك عوز الناس وظروفها الانسانية ،الذي احتضن تحالفهم متناسيا كل حوادث الزمان الدامية التي مرت بينهم من عداء وخلافات واضطرابات ودماء وتهجير وتدمير طيلة فترة حكمه السابق ،وما اسفرت تلك السياسات المتبادلة من تصعيد بالمواقف وما خلفته من اثار وحوادث دامية ليس على مستوى مناطق سنة العراق فحسب التي اجتاحتها عصابات داعش الارهابية نتيجة تلك المخاضات العسيرة والمظاهر السياسية القذرة والصراع الدموي على السلطة، بل اثرت على مستوى العراق بشكل عام وعلى كل جوانب الحياة وقدم الشعب العراقي الدماء والتضحيات من اجل تحرير تلك المدن المغتصبة . فعلا السياسة لا دين لها عندما تكون شاهد على حوادث الزمان والمكان وعندما تشاهد الناس تموت وتقتل وتحارب من اجل هؤلاء ليكسبوا المغانم بعد الحرب من سلطة ومناصب ونفوذ واموال ومكاسب حزبية .

ولم تؤثر في نفوسهم صرخات الثكالى والجياع والمحرومين من ابناء الشعب المطالبين بحقوقهم .ولم تؤثر فيهم اهداف المشروع الوطني الذي انتهجته القوى الوطنية المناوئة للمشروع الخارجي في بناء دولة مدنية تعتمد على الخبرة والكفاءة والمهنية ولم تؤثر فيهم نداءات الزعيم العراقي مقتدى الصدر والتي هي حاضرة في كل يوم وفي كل موقف لتشكيل حكومة وطنية تعتمد على شخصيات مستقلة تكنوقراط بعيدا عن الحزبية والطائفية والمحاصصة المقيتة .وبعيدة عن شبهات الخنجرالطائفية والإرهابية وبعيدة عن دكتاتورية المالكي والقوى التعسفية . لكن للاسف اغلب القوى السياسية الفاسدة لا تريد ان يتحقق مشروع الاصلاح الوطني لانه يقوم بالضد من اهدافهم واطماعهم السلطوية ويشكل مصدر خطر على فسادهم السياسي والملفات الخطيرة .

فبالنسبة لمعظم القوى السياسية الممثلة في العراق، فإن البوصلة الأساسية التي تقود تحركاتهم السياسية، هي تنافسهم الشخصي والحزبي، والمكاسب المالية من حصد وزارات ومناصب بعقود المقاولات، والامتيازات اما عن مصير شعبهم واستحقاقاته وتلبية احتياجاته وتوفير خدماته أومصير محافظاتهم المدمرة والمتهالكة وسكانها العطاشى والجياع والمشردين فهم في آخر الأولويات، وقد يصبحون محل اهتمام فقط حال تحولهم لمشروع استثماري مربح، كلجان إغاثة النازحين او لجان مشاريع او عقود واستثمارات .

اليوم سياسيو سنة العراق امام مسؤولية وطنية واخلاقية في اختيار الطريق والمشروع الوطني الحقيقي لخدمة العراق وجماهيرهم وانقاذ ما تبقى لهم من شرف المسؤولية الاخلاقية الضميرية والتاريخية ان يقفوا موقف وطني وينزعوا اللباس الطائفي ويغادروا مبدا المحاصصة في تشكيلة الحكومة العراقية المقبلة وان يتقيئوا سم الخنجر لطائفي من بطونهم ويتذوقوا حلاوة حب الوطن وحب الوطن من الإيمان . الذي مذاقه اشبه بطعم السكر وليس له اعراض ألم وغثيان ،وان يكونوا شركاء وطن في التضحية والإصلاح والبناء .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here