قصة قصيرة. الهوية المفقودة.

احمد جاسم العلي

من عادته أن يحمل هويته العراقية في جيبه عندما يريد مغادرة داره، فمن الأفضل لأي إنسان حتى لو قارب الستين من عمره أن يحمل دائما هويته التي تثبت عراقيته إذا ما أراد أن يخرج من داره لأي سبب كان. بالنسبة له كانت مسألة حمل الهوية مهمة، فقد اعتاد منذ زمن طويل؛ أيام النظام السابق، أن يحمل هويته في جيبه تجنبا لأية مشكلة قد تحدث في الطريق كما حدثت له مرة. أوقفه يوما شخص وأمره أن يبرز هويته. كان يلبس لباسا مدنيا، وعرف بالتجربة أنه من رجال الأمن العام الذين يتواجدون في الشوارع ويعترضون هذا وذاك من العراقيين. ولم يستطع الاعتراض على الأمر، فالوقت كان وقت حرب مع إيران والأسباب كثيرة للطلب من المواطن إبراز هويته وهو يمشي في الشارع في الليل أو النهار، وأي اعتراض قد يسبب له مشكلة لا يعود بسببها إلى بيته.

وفي صباح أحد أيام الجمعة، أراد الخروج من داره والذهاب إلى شارع (المتنبي) كعادته في مثل هذا اليوم. كان قد فقد هويته الشخصية منذ أيام، بحث عنها في كل مكان من غرفته وفي زوايا البيت. أخيرا قرر المجازفة والخروج من الدار هذا الأسبوع للذهاب إلى شارع المتنبي بلا هوية تثبت عراقيته. في ذلك اليوم كان التفتيش في السيطرات المنتشرة في بغداد شديدا وصارما بسبب الأنفجارات التي حدثت في الأيام الماضية. اقتربت سيارة ال (كيا) التي ركب فيها عند احد السيطرات وتقدم احد جنود السيطرة من السيارة ومد رأسه. أختار عددا من الركاب كان هو أحدهم.

” إذا تسمح هويتك.”

” والله لا أحملها، فقدتها قبل أيام، آسف.”

” أي شيء يثبت هويتك.”

” هويتي عراقية ولكني فقدتها، قلت لك، صدقني.”

تفحص الجندي في السيطرة وجه الراكب.

” لا بأس هذه المرة، ولكن يجب عليك أن تعثر على هويتك وتحملها معك. لا يمكن ان تمشي في الشارع بلا هوية.”

” هويتي عراقية ولكني فقدتها هذه الأيام، ولا زلت ابحث عنها، قلت لك.”

” أبحث عنها. يجب أن تتذكر لماذا فقدتها وكيف فقدتها وأين.”

” نعم، سأبقى ابحث عنها.”

في الطريق إلى شارع المتنبي فكر، يجب أن يبحث عن هويته من جديد ويعثر عليها, وإلا فإن عليه أن يستخرج هوية جديدة وما يتطلبه هذا من مراجعة متعبة ومشقة لدائرة الأحوال المدنية. وقبل أن يدخل الشارع فكر مرة أخرى، حتى لو تهيأ له أن يحصل على هوية جديدة بدون تعب ومشقة، فإنه يفضل أن يعثر على هويته الوطنية القديمة التي حصل عليها منذ أن ولد قبل أكثر من خمسين سنة وفقدها اليوم.

بغداد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here