الانسان وفضائل الاخلاق !

* د. رضا العطار

نحن لا ننكر ان تاريخ الحضارة البشرية حافل بالشرائع الاخلاقية المختلفة والمعايير الاجتماعية المتباينة، ولكننا نلاحظ ان الدراسات الانثروبولوجية الحديثة قد كشفت لنا عن وجود تقارب كبير بين هذه الشرائع، على العكس مما كان يتوهم الباحثون في الماضي، صحيح ان البشرية – حتى القرن السابع عشر – كانت ترى في (المبارزة) حقا مشروعا للفرد. فكان الرجل يتأثر لكرامته او شرفه عن طريق الانتصار على خصمه في هذا الصراع الدموي، ولكنه مع ذلك ما زلنا نسلّم بمبدأ (الدفاع عن الشرف) على الرغم من اننا قد اصبحنا نستنكر فعل (المبارزة).

وقد كانت المرأة الهندية الى اواخر القرن التاسع عشر، تحرق نفسها بعد وفاة زوجها، لترقد الى جواره في قبره، ولكننا اليوم حتى اذا استنكرنا هذه الفعلة فاننا مع ذلك ما زلنا نعدّ وفاء الزوجة لزوجها – حيا كان ام ميتا – فعلا اخلاقيا له قيمته – – وقد تختلف الشرائع الاخلاقية في حكمها بحق الرجل البالغ في الزواج من واحدة او اكثر ولكننا نتفق جميعا على انه ليس من حق الرجل ان يتزوج اية امرأة شاء في اي وقت شاء.

وربما اختلفت الشرائع الاخلاقية ايضا في تحديد (الحالات) التي يكون فيها (الكذب) اهون الشرين، ولكنها تجمع – بلا استثناء – على اعتبار (قول الصدق) في الحالات العادية عملا اخلاقيا صائبا – – والواقع ان هذا التفاوت القائم بين الشرائع الاخلاقية يرجع اولا وبالذات الى ان هذه الشرائع لا تمثل (تقريرات) للمبادئ الاخلاقية القصوى بل هي مجرد تطبيقات لتلك المبادئ على بعض الظروف الواقعية لهذا المجتمع او ذاك. ولا شك ان جماعة الرهبان – حين تطبق (مبدأ العفّة) – فانها تطبقه بطريقة مختلفة عن تلك التي تطبقها الاسرة في حياتها العائلية او علاقاتها الزوجية.

وكثيرا ما تجيء بعض العوامل الحضارية او التاريخية فتحول بيننا وبين الوقوف على السمات المشتركة التي تجمع بين الانظمة الاخلاقية المختلفة، فاذا اضفنا الى ذلك ان الشرائع الاخلاقية القائمة بالفعل لا تمثل بالضرورة (المعايير الاخلاقية المطلقة) امكننا ان نفهم انها جميعا شرائع اخلاقية ناقصة، وبالتالي فان اختلافها فيما بينها هو مجرد نتيجة لنقصها.- – – ولكن على الرغم من وجود (شرائع اخلاقية) متعددة وعلى الرغم من وجود (اختلافات) عديدة بين تلك الشرائع، فليس ما يمنع من امكان قيام (شريعة اخلاقية مطلقة).

وربما كان الاصل في هذا الخلاف بين فلاسفة الاخلاق حول (المبادئ الاخلاقية) وهل هي نسبية ام مطلقة وجود خلط مستمر في اذهان الكثيرين بين مبادئ الاخلاق من جهة واساليب السلوك من جهة اخرى مما ادى الى عجز البعض منهم عن التميز بين المبادئ القصوى الثابتة من جهة والقواعد النسبية المتغيرة من جهة ثانية.

والحق انه مهما يكن من امر في تغير الظواهر الاخلاقية فان من المؤكد ان الشرائع الاخلاقية لا تمثل مجموعة من القواعد الاعتباطية التي لا تخضع لأي منطق ولا تصدر عن اية معقولية، بل هي مبادئ انسانية نقلية تستمد اصولها من قاعدة اولية عامة هي احترام الشخص البشري وتقديس القيم الانسانية.

· مقتبس من كتاب فلسفة الحياة د. زكريا ابراهيم – جامعة القاهرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here