الفرق الباطنية في التاريخ الاسلامي

9- البهائية – القسم الاول
أ.د. فرست مرعي
البهائية حركة باطنية ظهرت في (إيران)، نبعت من المذهب الشيعي الاثنا عشري، وهي امتداد للحركات الباطنية التي ظهرت في (إيران) في حقب سابقة: كالشيخية والكشفية والبابية، بدعم من روسيا فـي المرحلة الأولى، والاسـتعمار البريطـاني، واليهودية، فيما بعد، بهـدف إفساد العقيدة الإسلامـية، وتفكيك وحدة المسلمين، وصـرفهم عـن مبادئهم الأساسية.
أسسها (الميرزا حسين علي المازندراني) الملقب بـ (بهاء الله)، المولود (سنة1817م)، وكان والده من ملاك الأراضي الكبار، وقد أتعب (الميرزا حسين) نفسه في قراءة كتب التصوف الغالي، وكتب الشيخية، وتعاليم الصوفي(ابن عربي) و(عبدالكريم الجيلي)، وكبار شعراء الفرس؛ لذا آمن بوحدة الأديان، و بوحدة الوجود، التي تنتهي بصاحبها إلى القول بسقوط التكاليف، ويتبعها سقوط الشعائر. وقد أعلن (بهاء الله) دعوته في حديقة السراي (=حديقة الرضوان) في (بغداد) سـنة1863م. أما (الميرزا يحـيى علي) أخو البهاء، والملقب بـ (صبح الأزل)، فقد أوصـى لـه الباب (علي محمد رضـا الشيرازي)، المقتول (سنة 1850م) بخلافته، وسمى أصحابه بالـ (أزليين). فنازعه أخوه (الميرزا حسين علي البهاء) في الخلافة، ثم في الرسالة، والإلهية، ودس السم لأخيه. ولشدة الخلافات بينهم وبين بقية الشيعة الاثني عشرية، في (إيران) و(العراق)، فقـد تـم نفيهم من قبل الدولة العثمانية عام 1863م، بناء على طلب الحكومة القاجارية الإيرانية، إلى مدينة (أدرنة) الواقعة غرب (استنبول) بالقرب من الحدود البلغارية.
الجذور التاريخية لـ (البهائية)
لم تنقطع مؤامرات الحركات الباطنية على العقيدة والفكر الإسلامي في التاريخ، حتى الوقت الحاضر. وفي بداية القرن التاسع عشر الميلادي، تم تجديدها على يد شيخ فاسد العقيدة، غامض الفكرة والأسلوب، يثير حوله جوا من
التقديس الكاذب، وهو الشيخ (أحمد الإحسائي) (1753- 1826م)، والذي أسس طريقة في مذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، سميت فيما بعد بـ (الشيخية).
والشيخية يقولون: إن الحقيقة المحمدية تجلت في الأنبياء قبل محمد (صلى الله عليه وسلم) تجليا ضعيفا، ثم تجلت تجليا أقوى في (محمد) والأئمة الاثني عشر. ثم اختفت زهاء ألف سنة (260 – 1260هـ)، وتجلت فيما بعد في الشيخ (أحمد الإحسائي) المتوفى (سنة1826م)، الذي هو الركن الرابع، وفيما بعد في الشيخ (كاظم الرشتي) المتوفى (سنة1843م)، ثم تجلت في (محمد كريم خان القاجاري الكرماني) المتوفى (سنة 1870م)، هذا التجلي أو الظهور هو أعظم التجليات لله وأئمة الشيعة الاثني عشرية.
والركن الرابع: من الشيخ الإحسائي إلى ما بعده، هم شيء واحد، يختلفون في الصورة، ويتحدون في الحقيقة، التي هي(الله) ظهر بينهم، أو حلّ في أجسامهم.
ويعتقدون أن (محمداً) رسول الله، وأن الأئمة الاثني عشر هم أئمة الهدى. ومعنى الرسالة والإمامة عندهم، أن الله تجلى في هذه الصورة، فمنهم رسول، ومنهم إمام. ويعتقدون أن اللاحقين هم أفضل من السابقين. وبناء على ذلك فـ (الشيخ أحمد الإحسائي)، في رأي أصحابه، أعظم من جميع الأنبياء والمرسلين. ويعتقد هؤلاء أيضا بـ(الرجعة)، ويفسرونها بأن الله بعد أن غاب عن صور الأئمة، رجع وتجلى تجليا أقوى في الركن الرابع، الذي هو (الشيخ أحمد الاحسائي)، ومن أتى بعده من الشيعة الحلولية، الذين يفسرون (علياً) على غرار الشيعة النصيرية (العلوية)، وأدلته الفلسفية مستقاة من مذهب الفيلسوف الإيراني الباطني المشهور (ملا صدرا الشيرازي) المتوفى (سنة1640م).
وترشح كتاباتهم بأنهم يعتقدون في (علي بن أبي طالب)، نحو ما يعتقد فلاسفة الأفلاطونية المحدثة في العقل الأول، بل أدهى وأمر، أما اعتقادهم في يوم القيامة، فهو اعتقاد باطل، مخالف لنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وإجماع الأمة. فقد أقر بوجود جنتين، وجهنمين: إحداهما في هذه الدار العاجلة (الدنيا)، والأخرى اللاحقة (القيامة)، وإن الجنة هي الولاية والاعتراف بالقائم، ولا فرق. أما يوم الحشر، فإن الخلق لن يعودوا إلى الله وفق تعاليم الإسلام، وإنما إلى المشيئة الأولى. وأن البعث (=النشور) لا يكون في الأجسام المشهودة، بل في أجسام لطيفة (قوريلائية)، هي أجسام بين عالم الكثافة وعالم الجنة الروحاني. وبعبارة أخرى: فإن فكرة (الإحسائي) حول مسألتي المعاد والمعراج الجسماني، تعد بدعة في العقيدة الإسلامية، فقد كرر أن جسم الإنسان مكون من أجزاء متباينة، مستمدة من الطبائع الأربعة: (الماء والتراب والهواء والنار)، والأجسام التسعة السماوية، وأن الجسم الذي يقوم في يوم القيامة لا يتكون إلا من الأجزاء السماوية، وأما الطبائع الأربعة، فإنها تعود إلى الأرض بمجرد الوفاة. وعلى هذا فإن معراج النبـي محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى السماء، كان روحانيا لا جسمانيا.
وما تجدر الإشارة إليه، هو أن الفكرة الباطنية، نظرا لما يحيط بها من غموض وإبهام، ولما في طرق تأديتها وتعاليمها من رموز وإشارات، قد يتعذر وجود شخصين متفقين فيها، وهذا ما جعل (كاظم الرشتي) يخالف أستاذه (الإحسائي) في كثير من مبادئه، ويؤسس له طريقة جديدة، عرفت بـ (الطريقة الكشفية). وهذا بعينه أيضا هو الذي حدا بالسيد (علي محمد)، أن يؤسس- بعد مدة- دينا جديدا (الدين البابي)، رغم اتصاله الشديد بأستاذه (الرشتي). وقد استخدم الشيخ (الإحسائي) جميع وسائل الباطنية من: تأويل، وحلول، وتناسخ، وتقديس للأنبياء والأئمة، فالإمام مخلوق من نور الله، وأنه صاحب المشيئة في العالم، لأنه نفس الله! ولم يتورع (الإحسائي) عن الاستناد على روايات كاذبة، وأحاديث ضعيفة، منسوبة إلى الأئمة، في تمرير أساطيره وخرافاته بين أتباعه، الذين حاولوا دون جدوى توضيح آراء أستاذهم، والدفاع عنها.
أما الحركة الكشفية، فهي تطور طبيعي للشيخية، على يد (كاظم الرشتي). وقد كتب (الرشتي) مجموعة رسائل، دافع فيها عن عقيدة (الإحسائي)، وحاول شرح غموضها، ولكن علماء الشيعة الإمامية ما لبثوا أن ردوا عليه أيضا، وعدوه من الغلاة.
والمعروف أن (الميرزا علي محمد الشيرازي)، زعيم البابية، كان تلميذا لـ(الرشتي). بالرغم من أن (الفرقة الكرمانية)، بزعامة (محمد كريم خان الكرماني)، انبثقت مباشرة من (الرشتية)، وتطرفت وغالت في أفكارها هي الأخرى.
ومما لا شك فيه أن (البابية) قد استفادت إلى درجة ملحوظة من التراث الباطني، الذي خلفته الفرق الأخرى من التصوف الغالي، وخاصة تراث (الحلاج) المقتول عام309هـ، و(محيي الدين ابن عربي) المتوفى سنة638هـ، وفرقتي (الإحسائية)، و(الكشفية) على التوالي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here