نتنياهو يدمر إسرائيل والفلسطينيين معــا ً

إن الكثير مما تعانيه إسرائيل والفلسطينيون اليوم قد حل بهما تحت قيادة نتنياهو. هو يعتقد أن الفلسطينيين سيشكلون دوماً تهديداً وجودياً لإسرائيل ، الأمر الذي دفعه إلى اتباع سياسات داخلية تقوض بشكل خطير مبادئ التأسيس والمساواة في البلد. وفي الوقت نفسه ، اتخذ إجراءات متطرفة لقمع الفلسطينيين والحفاظ على الاحتلال لإبقائهم في وضع حرج. وقد أدى هذا إلى تفكك النسيج الاجتماعي لكلا المجتمعين ، ومنع ظهور قيادة سياسية جديدة لتغيير المسار.

وعلى الرغم من الإنجازات العسكرية والإقتصادية والتكنولوجية الهائلة لإسرائيل والتوسع الهائل في علاقاتها التجارية والدبلوماسية منذ إنشائها عام 1948 ، فشلت إسرائيل في الوفاء بوعدها. فديمقراطية إسرائيل تتمزّق إربا ً تحت مرأى ومسمع نتنياهو ووحدة الهدف بين اليهود الإسرائيليين ويهود الشتات تنهار والإنقسام الإجتماعي والسياسي بين الإسرائيليين آخذ في الإتساع بشكل خطير وأصبحت إمكانية العيش في سلام وأمن يتعذّر الدفاع عنها على نحو متزايد.

وخلال الفترة نفسها أصبح وضع الفلسطينيين أسوأ من ذلك بكثير. فهم لا يزالون يعتمدون على المساعدات ولا يزال الملايين من اللاجئين يقبعون في المخيمات ، وهم يتفكّكون اجتماعياً وسياسياً وغير آمنون ويائسون. إن فقدان الأمل لدى الشباب الفلسطيني واستسلام الكبار مع تقلص احتمالات الهروب من الواقع القاسي للإحتلال زاد من حقدهم واستيائهم تجاه إسرائيل. وحلم الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة يتلاشى بسرعة.

يبدو أن نتنياهو ينسى أن البقاء التاريخي لليهود والسر الكامن وراءه لم يعتمدا على البراعة العسكرية أو البراعة المالية أو التكنولوجيا الأكثر تطوراً ، بل على التزام أخلاقي لا يتزعزع بالحقوق الإنسانية والمدنية وأخوية الإنسان. لقد وقفوا وراء الفقراء واليأس ودافعوا عن أسس ومبادىء الحرية والليبرالية والمساواة. كانت هذه الصفات متجذرة في عقول وأرواح اليهود ، ويرجع ذلك ، في الأساس ، إلى تجاربهم المروعة عبر آلاف السنين من التشتت والإضطهاد والطرد والتمييز والموت.

قد يعتقد المرء أن هذه التجارب التاريخية المرعبة من شأنها التأثير على نتنياهو وأتباعه للإلتزام الكامل بحقوق الإنسان واستنفاد كل طريقة يمكن تصورها لعدم خيانة هذه المبادئ في التعامل مع الفلسطينيين. لكن للأسف ، استغل نتنياهو شريحة معينة من الفلسطينيين التي ما زالت تقاوم وجود إسرائيل لإضفاء الشرعية على تصرفات إسرائيل ضد الفلسطينيين.

دفع نتنياهو إلى إقرار قانون الدولة القومية الذي يحط من منزلة غير اليهود لمواطنين من الدرجة الثانية. يؤكد القانون على أن “دولة إسرائيل هي الموطن القومي للشعب اليهودي الذي يحقق فيه حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي في تقرير المصير”. يميّز القانون ضد المواطنين العرب الإسرائيليين ويكثف استياءهم من كراهية للدولة وتوسيع الفجوة بين الجانبين ، الأمر الذي يزيد بشكل خطير من ضعف إسرائيل من الداخل.

دعم نتنياهو قطع التمويل الأمريكي للمنظمات التي تشجع الحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين ومنع العديد من المنظمات الإسرائيلية الأخرى المكرسة نشاطها للسلام من جمع الأموال في دول أجنبية. ويتنكر نتنياهو لعملية المصالحة الضرورية بين الجانبين التي تعتبر محورية للتعايش السلمي والطريق الوحيد لحلّ الصراع. وللتأكيد، فإن نتنياهو يدمر الجسور بدلاً من بنائها لتعزيز السلام.

بالإضافة إلى ذلك ، يدمر نتنياهو ديمقراطية إسرائيل لبنة تلو الأخرى بدءاً بالقضاء الذي يُعتبر أكثر مؤسسة إسرائيلية تبجيلًا واستقلالًا. إنه يدعم تعديلاً ينقل الإختصاص القضائي لحالات معينة تتعلق بالضفة الغربية بعيدا عن المحكمة العليا ، الأمر الذي سيعقد قراراتها لإزالة البؤر الإستيطانية والمستوطنات غير القانونية ، وقانون آخر قد يسمح لأعضاء الكنيست بإعادة قوانين تم إبطالها من قبل المحكمة العليا.

وعلى حد تعبير رئيس المحكمة استير هيوت ، فإن التشريع المقترح “يلتفّ على حقوق الإنسان لكل فرد في المجتمع الإسرائيلي” ، مضيفاً بأن “التعديل يلغي القانون الأساسي. ولا يستطيع أن يخفي الإستخدام الساخر لمشكلة المتسللين كذريعة لسن مشروع قانون كهذا أهميته مدمرة “.

وفي ظل حكم نتنياهو تعمل القوة المتنامية للمؤسسة الدينية الأرثوذكسية والتحول المطرد للبلاد إلى أقصى اليمين بشكل فعال على طمس خطوط فصل السلطة بين “الكنيسة والدولة “. وقد دعم تهديدات وزارة الخدمات الدينية لمنع “نساء الجدار” من الصلاة عند حائط المبكى ، محذرا من أنه إذا لم يطعن ذلك، لن يُسمح لهنّ بالعبادة على الإطلاق. ومن المؤسف له حقّا ً بأن الشرطة لم تفعل أي شيء لوقف الهجمات اللفظية والجسدية ضد النساء اللواتي يصلين في كوتيل في شهر يوليو/ تموز .

صعّد نتنياهو من نفور يهود الشتات ، وخاصة في الولايات المتحدة ، برضوخه للمؤسسات الحاخامية. لقد تراجع عن قراره السماح للرجال والنساء بالصلاة معاً عند حائط المبكى، الأمر الذي قد يشكّل اتفاقاً تاريخياً مع الطوائف اليهودية الليبرالية. لم تكن هذه صفعة في وجههم فحسب ، بل كانت تحديًا لواحد من أكثر الجوانب الهامة للبقاء اليهودي الذي يحافظ على تقاربهم القوي وغير المتهاون على الرغم من انتشارهم في أكثر من 100 دولة.

وأخيرا ً، فإن نتنياهو يتخلص تدريجيا من أحد الركائز الأساسية للديمقراطية – حرية الصحافة. لقد أصبح ينتقد بشكل متزايد الصحافة الحرة ويتدخل بما لا يقل عن 13 وسيلة إعلامية. وبالنظر إلى التحقيقات في حالات الفساد 2000 و 4000 ، فإنه يحاول باستمرار التلاعب بوسائل الإعلام للحصول على تغطية مواتية وزيادة التدخل السياسي ويستخدم بنشاط المحاكم لنشر دعاوى التشهير والقذف ، في حين يقوم بتوسيع الرقابة العسكرية في وسائل الإعلام الإجتماعية.

كل خطوة اتخذها نتنياهو تقوض بشدة وجود إسرائيل ذاتها. لكن التهديد الأكبر الذي نعرفه هو قيادتها ، خاصة استعداد نتنياهو لمواجهة الصراع مع الفلسطينيين بشكل واقعي في حين يعمل على تدمير تطلعات الفلسطينيين لإقامة دولة. وبدلاً من الإستمرار بلا هوادة في البحث عن حل يمليه واقع التعايش الذي لا يرقى إليه شك ، فقد اختار قمع الحركة الوطنية الفلسطينية بأي وسيلة ضرورية ، بما في ذلك القوة.

أدى كلّ إجراء عقابي تم اتخاذه ضد الفلسطينيين، أكان ذلك الإعتقالات الإدارية أم هدم القرى الفلسطينية مثل الخان الأحمر لصالح المستوطنات الإسرائيلية الجديدة أم مصادرة الأراضي الخاصة لبناء مواقع إستيطانية متقدمة أم الغارات الليلية والحد من التنقل وحرمان تراخيص البناء واقتلاع أشجار الزيتون وعمليات اللإعتقال التعسفي، إلى التدمير التدريجي للنسيج الاجتماعي للفلسطينيين وتماسكهم وإطالة أمد الإحتلال والتهجير لعقود من الزمن. وأدت إهانة الفلسطينيين على مدى ثلاثة أجيال إلى جعل قيادتهم الحالية عاجزة حتى عن فعل الشيء القليل أو لا شيء لتغييرمحنتهم.

مما لا شك فيه أن نتنياهو خان الدافع الحقيقي وراء إقامة إسرائيل، ألا وهو العيش بسلام وتوفير ملجأ آمن لليهود وتعزيز علاقات قوية لا تتزعزع مع يهود الشتات للحفاظ على قوتهم وتناغمهم وهدفهم. .

كان يمكن لنتنياهو أن يكون رئيس الوزراء الذي توصّل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين ، لكن ذلك لم يكن لأنه كان ولا يزال مصمماً على عدم السماح بإقامة دولة فلسطينية طالما هو في السلطة.

سوف يترك وراءه حامية لدولة منبوذة ومجتمع فلسطيني محطّم ، بينما يرجّع إلى الوراء إمكانية إحلال السلام لجيل آخر.
ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here