التنمية والقطاع العام في العراق

د. عبدالرضا الفائز
[email protected]

إن كل المنجزات التي حققها الأنسان في التاريخ عبارة عن حلم وفكرة قُدمت كرؤية في عالم الوعي والواقع لخلق مشروع تنمية في زمن ومكان. والتنمية عملية صنع خلاق وإنتاج تراكمي وتكاملي في آن واحد، وهي مهمة ومسؤولية أي حكومة في كل بلد. والتخلف في التنمية تخلف في الاقتصاد وتراجع عن الريادة، وسير نحو العجز والفقر والعار والعطالة.

إن إدراك التنمية يتضمن قدرة دائمة لمراجعة نابهة واعادة واعية ومستمرة لصياغات لا تتوقف لمفهوم القطاع الحكومي العام، لجعل تلك القدرة ممكنة والتغلب واقعا، مدركين في الوقت نفسه إن الإقتصاد مفتاح السياسة وباب التقدم. ولأن عمل القطاع العام في الجانب الإقتصادي هو قيادة التوجيه والمراقبة في إلتزام المنافسة الصحيحة والمعايير والمقاييس والمواصفات المحددة وإزالة المعوقات وتسهيل العمل والتمكين والتيسير وتقديم الخدمات البينية وللمراجعين، يكون إلتزامه معايير الشفافية والإدارة الجيدة هو مفتاح وظيفته في تسهيل عمله وعمل المتواصلين معه من أفراد ومؤسسات أو شركات من أجل خير الوطن.

فعندما ينفض القطاع العام عن نفسه غبار الروتين والترهل بالتطوير الدائم والتدريب المستمر، يشارك في تطوير العمل وتحسين الإداء، وهو رئة النجاح حين يكون صحيا وقويا، ومثانة الفشل حين يكون مريضا وضعيفا، لأنه يقود ويوجه إذا كان كفوءا وفعالا ومبدعا، بتأثير لا حدود له. ويكون معرقلا، محبطا وطاردا للفرص ومستخفا بالزمن إذا كان عاطلا في ترهل، قليل الفاعلية في روتين عتيق وفاسد، زيته الرشوة وجدوله التسويف، بتأثير لا حدود له أيضا … للأسف.

إن تفعيل القطاع العام وتمكينه من التعامل مع مفاهيم الإقتصاد المتطورة والإستفادة من التقنيات الإدارية الحديثة وأساليب العمل الرقمية العصرية سوف يمكن نفسه والقطاع الخاص من تنفيذ المشاريع ودعم الإقتصاد بتوفير فرص عمل وإستثمار أكبر. كما إن نظافة القطاع الحكومي من الفساد والرشوة ضرورة لقدوم الأستثمار الأجنبي وإزدهار القطاع الخاص. فمعظم الشركات العالمية المتميزة لا تستطيع أن تتعامل بالرشوة وبيئة الفساد لأن قوانين بلدها تمنعها وتعرضها للمسؤولية عند قبولها بذلك، وسوف تفضل الانسحاب حينذاك إلى بلد آخر لا فساد فيه ولا رشوة. إن كل الحديث عن تقديم الحوافز للإستثمار وسن القوانين والأنظمة التي تساعد على جذب الإستثمار من الخارج وتسهيل الإجراءات وغيرها لا معنى له إذا لم نضع حدا للفساد والرشوة وهذا ما لم تفعله الدولة في العراق رغم سنين مع الإرهاب والعجز والعطالة … للأسف.

إن المستثمر الأجنبي لا يوظف الأموال ويقيم المشاريع ويؤسس الشركات ويوفر فرص العمل فقط، بل إنه يحمل إلينا الخبرة ويسهم في تعزيز المنافسة وإثراء التنوع. كما إنه ينقل إلينا سلوكيات حضارية وممارسات مهنية جديدة، ويوسع أفق إستغلال الأسواق الخارجية، ويقدم فرصا لنا للإسهام في إبتكار الحلول وتعديلها لتتوافق مع بيئتنا. كما إنه يشارك في تعزيز سمعتنا الدولية ويمهد الطريق لنا إلى الأسواق الخارجية. وعلينا أن نشجعه ونحترمه وأن نوفر له كل فرص النجاح لأنه يقدمنا إلى إيجابيات المستقبل ويحررنا (كدولة نامية) من سلبيات الماضي. ومثالنا دول عملت بذلك فتقدمت.

ومن المؤسف الإعتراف، إن فلسفة عمل القطاع العام في العراق لا زالت في الغالب “لا تدعه يعمل” بإدارة بيروقراطية “بدائية” للعرقلة والإحباط وخدمة الفساد، فجعلته دولة ريعية لا تنمية حقيقية فيها … فهل يُسمع من أجل مستقبل العراق النداء؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here