قرارات جديدة من حكومة العبادي تحرج البرلمان وتربك عبد المهدي

بغداد/ وائل نعمة

قد يكون أول صدام غير مباشر يسجل بين رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي والمكلف عادل عبد المهدي، بعد أن توعد الأخير بإبطال إجراءات العبادي واعتبرها “غير دستورية” ولا تدخل ضمن صلاحيات تصريف الأعمال اليومية.
وفي بيان نشر على “فيسبوك” كما جرت عادة التوضيحات التي يصدرها عبد المهدي، قال الخميس الماضي: “لاحظنا خلال الفترة القليلة الماضية قيام بعض الوزارات والدوائر بتوقيع عقود عاجلة وتعيينات غير أصولية بل إجراء تغييرات وظيفية وهيكلية”.
وأضاف: “نرجو من سيادة رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح وسيادة رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي والسادة الوزراء منع جميع الإجراءات غير الدستورية وغير القانونية التي لا تدخل في إطار تصريف الامور اليومية، كما نطلب من الوزراء ومسؤولي أية جهة رسمية غير مرتبطة بوزارة منع و / أو الامتناع عن مثل هكذا خطوات”.
كما طالب البيان من مجلس النواب مراقبة هذا الشأن، معلناً أن “الحكومة القادمة ستلغي أي أمر لم يجر في إطار السياقات الدستورية والقانونية أو خارج مهام تصريف الامور اليومية، وسيعرّض نفسه للعقوبة من يقوم بالمخالفة”.

نهاية شهر العسل
وكان الجميع قد أعجب بـ”سلمية” تداول السلطة بين الرجلين وعبارات التهئنة التي تبادلها على “تويتر” عقب تكليف عبد المهدي بتشكيل الحكومة الجديدة، لكنّ شهر العسل القصير هذا لم يدم طويلا.
وبعد بيان عبد المهدي، أعلن العبادي، الخميس الماضي، عدم اعتزاله العمل السياسي واعتماده النيابة البرلمانية في العملية السياسية، خلال المرحلة المقبلة.
وقال العبادي، زعيم ائتلاف النصر، في بيان “سنقوم بإعادة إنتاج ائتلاف النصر كمشروع وطني جامع، بما يتناسب والتطورات الراهنة والمستقبلية، لذا أعلمكم بأني لن أعتزل السياسة بغض النظر عن أي موقع تنفيذي”. وأضاف أن “الخيار القادم والأساس الذي سأعتمده هو النيابة البرلمانية مع كتلة النصر، إضافة إلى الجسم السياسي خارج مجلس النواب، لقيادة مشروع النصر الشامل”.
وتابع العبادي “النصر لم يطالب بأي موقع وزاري في التشكيلة القادمة ولكن قد تعرض علينا مواقع بمعادلة الحكم القادمة، وإن وجدنا أن موقعاً ما يخدم مشروعنا ويقوي موقفنا وتأثيرنا ولا يتسبب بتحميلنا إسقاطات وتناقضات وتبعات ما يجري فسنقبل به، مع التأكيد على رفضنا للمحاصصة المقيتة”.
وتداول مراقبون وسياسيون معلومات أفادت بترشيح العبادي، خلال الأيام الماضية، لمنصبي وزير الخارجية، ونائب رئيس الجمهورية.
ولم ينجح العبادي الذي حل ائتلافه “النصر” في المرتبة الثالثة في الانتخابات التشريعية الاخيرة بـحصوله على 43 مقعدا، في إقناع خصومه ولا حتى شركائه في إصلاحاته طوال حكمه للسنوات الاربع الماضية، كما واجه انتقادات شديدة على أغلب إجراءاته.

توريط الحكومة الجديدة
ومؤخراً، حاول رئيس حكومة تصريف الاعمال (اعتبرت الحكومة تصريف أعمال منذ تموز الماضي) مداراة عدم نجاحه في الحصول على الولاية الثانية، والتاكيد على أن سياسته كانت ناجحة، بتوريط – بحسب وصف مسؤولين- حكومة عبد المهدي المقبلة والبرلمان بالتزامات مالية وتعاقدية مع شركات وإجراءات قد يصعب إلغاؤها بسهولة.
ويقول عدي عواد وهو نائب عن تحالف الفتح لـ(المدى) أمس إن “مافعله العبادي في أيام حكمه الاخيره هو إرباك للحكومة المقبلة”. وأضاف: “نحن في البرلمان لايمكن توريطنا بالإجراءات الأخيرة، كل مانحتاجه جلسة واحدة لنلغي كل شيء”.
ويقول عواد ان جملة القرارات التي اتخذها العبادي في الاشهر الثلاثة الماضية لم يفعل مثلها طوال سنوات حكمه الاربع. وتابع: “ربما مستشاروه ورطوه بتلك الإجراءات، ولانرى نية سليمة وراءها”.
وأغضب العبادي بعض القوى السياسية في قراره الاخير باستعجال فك ارتباط شركات نفطية من وزارة النفط وإلحاقها بشركة النفط الوطنية، على الرغم ان البرلمان السابق كان قد شرع قانون تلك الشركة في آخر جلسة اعتيادية له نهاية آذار الماضي.
وكانت جلسة تمرير القانون قد أخذت حيزا كبيرا من الدعاية، لأن البرلمان السابق حينها كان مقبلاً على الانتخابات التشريعية. وانتقد خبراء القانون وحذروا من رهن أموال الدولة بيد شركة، وان رئيسها ستكون له سلطة قد تفوق سلطة رئيس الوزراء.
وأعلن العبادي في وقت سابق من شهر تشرين الاول الحالي تعيين وزير النفط الحالي جبار لعيبي، والنائب عن تحالف النصر الذي يقوده رئيس الوزراء المنتهية ولايته، رئيساً للشركة.
ودعا تحالف البناء، الخميس الماضي، الى منع التعيينات “غير القانونية” والتنقلات وإبرام العقود وتخصيص العقارات خلال الفترة الحالية.
وقال التحالف في بيان صحفي “نعتبر جميع التعيينات للدرجات الخاصة والتنقلات وإبرام العقود العاجلة والتغييرات الوظيفية في هيكلية الحكومية وتخصيص العقارات وغيرها التي يقوم بها مكتب رئيس الوزراء المنتهية ولايته غير قانونية وغير دستورية، وندعو المسؤولين الى منعها”.
وأضاف التحالف، أن “المسؤول سيعرّض نفسه للمساءلة القانونية في حال التنفيذ، ونطالب الحكومة المنتهية ولايتها بالتوقف عن هذه الإجراءات، لأنها غير قانونية لحين تشكيل الحكومة الجديدة”.

العبادي: حكومتي بكامل الصلاحيّة
وعاد مكتب العبادي الجمعة الماضية إلى الرد على تلك التصريحات، حيث قال إن “الحكومة الحالية تمتلك الصلاحيات الدستورية لممارسة مهامها وتنفيذ واجباتها وأداء وظائفها ولديها السلطات اللازمة لذلك تبعاً لما خولها الدستور”، موضحا أن حكومته “مستمرة بمزاولة عملها وتحمل مسؤولياتها الدستورية وتصريف الاعمال وتمشية الامور لحين منح الثقة من قبل البرلمان الى الحكومة المقبلة”.
وأضاف المكتب في بيان صحفي، أنه “انطلاقاً من هذه القاعدة الدستورية والغطاء القانوني فإن مجلس الوزراء ومختلف الوزارات كل بحسب اختصاصها مستمرة بالقيام بدورها الذي وجدت من أجله في تنفيذ وتمشية القضايا المتعلقة بالشؤون الامنية والاقتصادية والخدمية تبعاً لما هو مخطط وموضوع من قبل مجلس الوزراء سواء كان ذلك في مجال استكمال وإنجاز المشاريع الاستثمارية او توفير الخدمات او الاتفاق على المشاريع الاقتصادية التي تندرج في إطار اختصاص السلطة التنفيذية للنهوض بمختلف القطاعات الاقتصادية والخدمية وفقاً للضوابط القانونية المرعية وتبعاً لنص قانون الموازنة العامة الاتحادية لعام 2018 الذي خوّل مجلس الوزراء صلاحية الإنفاق في مختلف أبواب الإنفاق التشغيلية والاستثمارية”.
وتابع المكتب، أن “الحكومة الحالية تمارس واجباتها في ما يتعلق باختيار أشخاص مؤهلين وأكفاء لتولي إدارة المفاصل المهمة في مختلف الوزارات والهيئات وفقاً للضوابط القانونية خصوصا في مواقع المسؤولية الشاغرة أو التي أُشّر فيها إخفاق في الاداء”، لافتا الى أن “هذه الخطوات تعد جزءا من التوجه الحكومي في إصلاح المنظومة الإدارية لمؤسسات الدولة والارتقاء بالأداء الحكومي وتوفير خدمات أفضل للمواطنين”.
وأكد المكتب، أنه “لا صحة لما يشاع عن وجود صفقات أو تعاملات غير قانونية ،فكل الإجراءات التي تقوم بها الحكومة الحالية ضمن السياقات الإدارية المعمول بها وتخضع للضوابط القانونية والرقابية المعروفة”.

مناورة في المساحة الخالية
ويناور العبادي بحسب مايقوله خبراء في القانون في مساحة فارغة من أي سند دستوري أو قانوي يضع تعريفا واضحا لـ”حكومة التصريف”، حيث لم تذكر ولم ترد عبارة تصريف الأعمال في الدستور الذي تفوق مواده الـ140، إلا في موضعين: الاول في المادة 61 التي تتضمن الإشارة الى شكل الحكومة بعدما يقوم مجلس النواب بسحب الثقة عنها، والثاني في المادة 64 ثانيا، التي تتحدث عن حل البرلمان لنفسه.
ويقول الخبير القانوني في رئاسة الجمهورية جمال الاسدي لـ(المدى) أمس ان “العراق ليس منقطعا عن الانظمة البرلمانية في العالم، حيث تعتبر الحكومة منتهية الصلاحية او تصريف أعمال متى توقف عمل البرلمان”.
ويؤكد الخبير أن الدستور العراقي تحدث عن تصريف “أعمال يومية” حتى يحدد مساحة العمل بأنه ليس أسبوعياً أو شهرياً. وأضاف ان “الحكومة يجب ان تمتنع عن أي إجراء تحتاج فيه الى موافقة البرلمان، مثل إصدار القوانين، وتعيين الدرجات الخاصة، والاتفاقيات وغير ذلك”.
وبحسب الأسدي فإن البرلمان انتهت جلساته الاعتيادية في نهاية آذار الماضي، ولم تتحول الحكومة الى تصريف أعمال، واستمرت بسبب قيام البرلمان بإجراء جلسات استثنائية (واجهت تلك الجلسات جدلاً قانونياً أيضا) حتى نهاية حزيران الماضي.
وأضاف الخبير القانوني: “حتى بعد أن وصلت حكومة العبادي الى مرحلة تسليم السلطة بدأت بإجراء عمليات تنقلات للمسؤولين وتغييرات في مواقع رؤساء الجامعات والعمداء وهم بدرجة وزير ووكيل وزير، وهي مناصب خاصة”.
وكانت محكمة القضاء الإدراي قد أعادت مؤخرا مستشار الامن الوطني ورئيس هيئة الحشد ومستشارية الامن الوطني فالح الفياض الى مناصبه الثلاثة بعد أن أقاله العبادي نهاية آب الماضي، في خطوة اعتبرت وقتها سياسية، حيث جاءت متزامة مع انشقاق الفياض عن تحالف النصر.
وفي الاسبوع الماضي أعلن النائب عن تحالف العبادي علاء سكر، أنه حصل على موافقة وزير الكهرباء قاسم الفهداوي في تثبيت أصحاب العقود في الوزارة على الملاك الدائم. ونشر النائب صورة تجمعه مع الفهداوي على الرغم من أن رئيس الوزراء كان قد سحب يد الفهداوي عن الوزارة مطلع آب الماضي.
ويعتبر الخبير القانوني أن مافعله العبادي مؤخرا هو تقييد للحكومة المقبلة. وقال الأسدي إن “ميزانية 2019 المقبلة التي أعدتها حكومة العبادي هي الاكبر مقارنة بالسنوات الماضية بـ120 مليار دولار تقريباً، تضمنت 88 مليار دولار موازنة تشغيلية (70% منها رواتب والبقية نفقات الوزارات) وهي بذلك ستورط الحكومة في نفقات زائدة بدلاً من إنفاق تلك المبالغ للإعمار”.
وكانت النفقات التشغيلية لميزانية 2018 (75 مليار دولار)، و2017 كانت مايقارب الـ(65 مليار دولار).
ويستغرب الخبير القانوني عن سبب طرح مشاريع الآن للتعاقد بينما ميزانية 2018 كانت قد أقرت في شهر آذار الماضي. وقال ان “عملية إلغاء الالتزامات ليست بالسهولة المتوقعة، لأنها قد تخلق أزمة دبلوماسية إذا كان الطرف الآخر دولة أو شركة دولية بالاضافة الى العقوبات الجزائية في حال إلغاء العقد”.

لتفادي الأخطاء
ويدعو الأسدي البرلمان الى تشريع قانون يحدد مفهوم “تصريف الاعمال” ومدته وماهو الممنوع والمسوّغ للحكومة إجراءه خلال تلك الفترة، وتاريخ تحول الحكومة الى تصريف أعمال، كذلك يجب تشريع قانون يحدد تاريخ واضح لنهاية الدورة البرلمانية، حيث لايمكن أن ينتهي مجلس النواب ثم يعقد بعد ذلك جلسات لتغيير قانون الانتخابات كما حدث في الدورة السابقة.
من جهته يقول حسن الشمري وهو وزير العدل السابق وعضو اللجنة القانونية السابقة في تصريح لـ(المدى) أمس انه “يمكن للبرلمان ان يضع تشريعات لاستثناء بعض الاعمال التي تعود بالفائدة الى البلاد والتي قد تكون حكومة تصريف الاعمال قد تعاقدت معها خارج فترة ولايتها الحقيقية، مثل مشاريع الكهرباء والماء وغيرها من الخدمات”.
ويؤكد الشمري أن عمل حكومة العبادي بعد تموز الماضي هو “تسيير أعمال مشاريع كان متعاقداً عليها قبل أن تتحول الى تصريف أعمال”. كما قال ، لايمكن إعفاء أي شخص من منصبه إذا كان قد صوت على تعيينه البرلمان.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here