رواية ” بائع الحليب ” لآنا بيرينز/مقاربات في مفهوم العنف ضد المرأة

عبدالجبارنوري
يوم الخميس 18 أكتوبر فازت رواية ” بائع الحليب ” للروائية الأيرلندية “آنا بيرينز” ولادة بيلفاست 1962 بجائزة مان بوكر للعام 2018 ، لتنال الرواية القادمة من أيرلندا الشمالية التكريم الأدبي المرموق عن ثالث عمل روائي طويل لها ، وشهدت تلك الرواية منافسات أدباء القارات الخمسة وبالخصوص بين ستة روائيين وأربع سيدات ورجلين كان من بينهم الروائية ” ديزي جونسون ” 27 سنة وهي أصغر مرشحة في تأريخ ( مان بوكر ) وجائزة مان بوكر تأسست عام 1969 تختار كل عام أفضل رواية مكتوبة باللغة الأنكليزية ومنشورة في المملكة المتحدة ، وتدور الرواية في مدينة مجهولة لا تذكرها بالأسم وحتى شخوص وأبطال الرواية تتركهم بلا أسماء ربما لحساسية الأحداث المرعبة خلال الأحداث الدامية في الحرب الأهلية الطاحنة بين البروتستانت والكاثوليك، وتدور قصة الرواية بين بائع الحليب رجل يكبرها بالسن بكثير في نهاية مرحلة الكهولة وبين فتاة صغيرة السن بعمر 22 عام ، وهي قصة أمرأة صغيرة تعيش في مجتمع منقسم تتعرض إلى مضايقات من رجلٍ يكبرها سناً بكثير ومتزوج يستغلها جنسياً ، جعلت آنا بيرينز للفصل الأول من الرواية الوصف البشع لبطل الرواية هو كائن غير مسؤول مفرط في الأنانية وحب الذات وجشع ووصولي ومتزوج يستند على قوة المال والجاه والرؤوس الحاكمة والمتنفذه مستفيدا من الأنفلات الأمني والتطاحن المذهبي الديني ، ومستغلا الأنقسامات والأضطرابات المجتمعية في أستخدام القوة المتوفرة لديه والتي بحوزته ليلاحقها وهو السبب الحقيقي في السرد المخفي في حيثيات الرواية لكونه حدث مرفوض أجتماعيا ويفتقرإلى الأمان والمقبولية الأخلاقية والتكافؤ في السايكولوجية الرومانسية الروحية في العلاقات السوية في مذهب الحب والغرام ، وفي الفصل الأخير تحكي حياة الضحية البائسة وهي تعاني الموت البطيء كل يوم بل كل ساعة تعايش القهروالعنف والأستغلال الجنسي فكانت حصتها الحرمان والكآبة ، والرواية ذاعت شهرتها ونفذت طبعاتها الثلاثة حين قال عنها أشهر النقاد الفيلسوف الروائي ” كوامي أنتوني رئيس لجنة التحكيم : لم يقرأ أحدٌ منا شيئاً كهذ من قبل ، وأن صوت ” آنا بيرينز ” المميّز تماماً يتحدى الشكل والتفكير التقليديين بنثر مدهش وطاغٍ ” وأضاف عند التكريم : أن الرواية التي تمّ أختيارها كانت معجزة في الأسلوب الأبتكاري .
ويعد العنف ضد المرأة واحداً من أكثر القضايا والمشكلات الأجتماعية المثيرة للجدل في وقتنا الحاضر والتي ما زالت تعاني منها مناطق شاسعة من العالم خاصة دول العالم الثالث أي الدول النامية وأسبابها سوسيولوجية أجتماعية تتعلق بالموروثات القبلية القديمة من عادات وتقاليد بالية ووذكورية المجتمعات الاشرقية وحتى بعض الغربية ووجود الصراعات والتناقضات السالبة تحت غطاء الدين ، ويعرّف العنف ضد المرأة هو الحرمان التعسفي من الحرية سواء تلك التي تكون في الحياة العامة والخاصة وبالتأكيد يعتبر العنف أنتهاك لحقوق المرأة في فضاءات الأنسنة وتكون أفرازاتها عواقب مدمرة أجتماعيا وسياسيا وثقافيا في مجالات حياتية كالزواج القسري وزواج القاصرات وختان الأناث وجرائم الشرف كلها تدور في سلوكيات قسرية وأجبارية وتداعياتها آثار جسدية ونفسية أنعدام أحترام الذات والقلق وسرعة الأنفعال وفقدان الذاكرة وقلة التركيز والخوف والكآبة ووسواس قهري تقود لأفكار أنتحارية .
ثمة مقاربات خواطر ورؤى في تجليات أحداث (بيلفاست ) وقرية ( كوجو ) في سنجار العراقية
-أن قصة رواية بائع الحليب حقيقية حدثت على أرض الواقع لذا أماطت اللثام عن أسماء شخوص الرواية وحتى المكان مجهولا ربما لأسباب أمنية وأجتماعية ، وما حدث في قرية (كوجو) العراقية في سنجار للطائفة الأيزيدية وبالخصوص على فتاتهم ” ناديا مراد ” مواليد 1993التي أسرت من قبل مقاتلي داعش الأرهابي في شهر آب 2014 وهي قصة حقيقية شهودها الضمير العالمي .
– تدور أحداث رواية آنا بيرينز خلال سنوات الجمر والشحن الطائفي بين المذهبين البروتستانتي والكاثوليكي في أيرلندا الشمالية ، وكذا في عموم العراق وبالذات في المناطق المحتلة من قبل داعش حيث الشحن الطائفي والأثني بين الشيعة والسنة وبين الأكراد والعرب و بتحوّل الأحداث إلى حرب أقتتال طائفي وصلت قمتها سنة 2006 و2014 .
– وفي الروايتين بائع الحليب ورواية المسبية نادي مراد مبنية على أساس الأغتصاب القسري فكلٌ من بطلة رواية بائع الحليب وناديه مراد هما ( الضحية ) والرجل المسن في الرواية وداعش الأرهابي هما ( الجلاد ) ، أستُغلتْ المرأة جنسياً تحت مظلة مجتمع منقسم على نفسه تستكشف الأشكال الخفية التي يمكن أن يتخذها القهر في الحياة اليومية ، أنهما قصتان مبنيتان على الأعتداء الجنسي والمقاومة المطعمة بدعاية لاذعة .
– تقترب قصة رواية ” آنا بيرينز ” في كون البطلة فتاة صغيرة بعمر22 سنة مستغلّة جنسيا مع رجل كبير السن متزوج مستغلا الأحداث الدامية في أيرلندا الشمالية مع الفتاة الأيزيدية العراقية ذات ال22 سنة التي سبيت من قريتها كوجو على أيدي أرهابيي داعش بعد قتل جميع رجال القرية وأسر 3800 أمرأة من ضمنهن ناديه مراد بذريعة فقدان الأمن والجو الساخن للأضطرابات الشعبوية والمذهبية .
– الشابة ناديه مراد 22 عام تمكنت من الهرب من القبضة الحديدية لداعش الأرهابي وأقسمت أن توصل معاناتها وأهلها في أيام القهر القسري للعبودية الجنسية إلى أسماع العالم المتمدن وتفضح فتاوى الظلالة المتشددة في أعتبار المرأة كلها ( عورة ) والأكثر حتى صوتها بل وأسمها ؟! تلك هي الراية السوداء لألغاء ( المرأة ) ولهلكوست أبادة الجنس البشري بدلالات الهوس الجنسي الفرويدي ، فضربت ناديه مراد جسوراً مقارباتية مع ضحية رواية بائع الحليب التي بقيت تحت سيطرة الرجل الهرم سنوات طوال في جو مكهرب مشحون بالصراعات الطائفية فأستحقت بطلة ( آنا بيرينز ) جائزة مان بوكر للعام 2018 كما حصلت الضحية ” ناديه مراد جائزة نوبل للعام 2018 ويستحقان أن تدق لهما أجراس همنغواي في شخصنة الأنسنة البطولية وأجراس الكنائس القديمة والتوضؤ بدموعهما الطفولية البريئة .
في21 أكتوبر 2018
كاتب وباحث عراقي مقيم في السويد


تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here