هل آن الأوان لذبح البقرة؟

إنهم جبناء يملكون المال، ولا يملكون الشجاعة”، وفي مايو/أيار 2015 وصف ترمب، السعودية بـ”البقرة الحلوب”.

محمد عبد الشكور

ولم يكن “زعبيط” يتصور هذا المآل الدراماتيكي لاختراعه الذي بعث الأمل في أنفس كل المرضى الذين شرعوا في تناوله، وأثنوا عليه، وأكدوا محاسنه، فتُقْدم وزارة التجارة على إصدار قرار بسحبه من الصيدليات ومنع تسويقه قبل أن تكتمل كل التحاليل.

“رحمة ربي”

 لم يستوعب زعيبط ما يدور حوله، فارتبك، واختل توازنه من شراسة الحملة التي شنت ضده وضد “المكمل الغذائي” الذي اخترعه لتخفيف معاناة مرضى السكري. فتراجع عن تصريحاته، واعترف بأنه ليس طبيبا وأنه لم يتخرج من جامعة جنيف، وأكد أن “رحمة ربي” ليس دواء، لكنه مكمل غذائي يفيد مرضى السكري. وكان هذا كافيا ليجهز على التجربة ويدفعه إلى حزم حقيبته والهروب إلى تركيا. 

توفيق زعيبط باحث جزائري من ولاية قسنطينة (حوالي 500 كلم شرق العاصمة الجزائر)، “ادعى” أنه طبيب متخرج من جامعة جنيف السويسرية، متخصص في الطب الاستعجالي. أول ثمار بحوثه العلمية كان اختراعه مرهما لعلاج داء الصدفية، يدعى “سودارما” وهو دواء يباع في الصيدليات الجزائرية والعديد من الصيدليات عبر العالم كما تؤكد بعض وسائل الإعلام الجزائرية. كما توصل الباحث إلى اكتشاف دواء آخر لعلاج تساقط الشعر يدعى “راميكس” يسوق في الخليج وأوربا، وهما كما يقول الباحث اختراعان مسجلان باسمه.

هذان الاختراعان مهدا للباحث السعي نحو اختراع “دواء” لمرض السكري. وقد كان المخترع الشاب محظوظا في بدايات نشاطه العلمي منذ العام 2007 بدعم والي ولاية قسنطينة آنذاك عبدالمالك بوضياف الذي أبدى اهتمامه بأبحاثه وشجعه وتبنى مشروعه الجديد كما يؤكد زعيبط نفسه.

منذ أولى خطواته لاختراع ما أسماه “رحمة ربي” وتوفيق زعيبط يصف اختراعه بـ “الدواء” فظل غامضا غير دقيق في توصيفه. فمع “تأكيده” بأنه دواء معجزة، إلا أنه أعلن في بعض لقاءاته الصحفية أن الهدف من اختراعه هو “حماية المريض من المضاعفات الخطيرة جدا”. ثم يضيف قائلا:”الدواء الجديد – ويسميه دواء – سيحمي المريض من المضاعفات على مستوى العينين أو الكليتين أو الشرايين والقلب، وينقذه من بتر القدم، ويسترجع بصره وحتى قدراته الجنسية.. “. ثم ينهي تصريحه مستنتجا ومؤكدا أن الدواء ينقذ ” المريض من كوابيس أعراض السكري، ولكنه يظل يتعاطى الدواء وحتى الأنسولين من دون خوف من الأعراض المؤلمة، ولا يمكنه أن يأخذ هذا الدواء من دون وصفة الطبيب”.

ومن حسن حظ الباحث أن والي ولاية  قسنطينة الذي شد أزره، أصبح وزيرا للصحة ليواصل دعمه للباحث بتبني وزارة الصحة لمشروع اختراع دواء السكري، وقد تحقق حلم الباحث ونال الوزير الاحترام والتقدير لتشجيعه الكفاءات الوطنية، وارتفعت أسهم شعبية وسائل الإعلام التي رافقت المخترع وروجت له وتبنت أعماله ودافعت عنها بشراسة في مواجهة حملات التشكيك والتثبيط التي ظلت تطارد الباحث وترفض رفضا قاطعا أن يكون المستحضر المتوصل إليه دواء للسكري..

“مرحلة التمكين”

رعاية وزير الصحة مكنت لـ “المستحضر” أن يسوق عبر صيدليات الوطن باعتباره دواء جديدا للسكري،ابتداء من 24 نوفمبر(تشرين الثاني) 2016. فأقبل عليه المرضى إقبالا منقطع النظير حتى نفدت الدفعات الأولى في الأيام الأولى من تسويقه خاصة وأنه لقي استحسانا من قبل المرضى وانتشرت أخبار فائدته وأثره الإيجابي في حالات المرضى الصحية.

وبالتوازي مع ذلك اشتدت الحملة الشرسة ضد الدواء خاصة من طرف فيدرالية مرضى السكري، ونقابة الصيادلة، وعمادة الأطباء التي حذرت من مخاطر تعاطي هذا المستحضر  مجتهدة – عبر الفضائيات المناوئة للمخترع واختراعه الجديد – في إثبات مخاطره وآثاره السلبية على المرضى، مدعية بأنه قد يؤدي إلى الوفاة. وحتى وزارة الشؤون الدينية خاضت مع الخائضين في الحملة المضادة بإعلان رفضها “إطلاق أسماء لها صلة بالدين الإسلامي أو بالقيم الدينية على منتجات تجارية” في إشارة إلى الدواء الذي يحمل اسم “رحمة ربي”.

غير أن عملية “تدمير” الباحث و”تهديم” عمله انطلقت عمليا بعد اكتشاف الفضائية التي كانت تقود الحملة المضادة – بعد اجتهاد أو تسريب من جهات ما – أن توفيق زعيبط ليس طبيبا ولم يدرس في جامعة جنيف ولم يتخرج منها كما ظل يدعي، مستشهدة بتصريح المكلفة بالإعلام في كلية الطب بالجامعة نفسها تنفي فيه وجود اسم توفيق زعيبط في سجلاتها، وتفند أن يكون قد تخرج من مؤسستها. القناة اتصلت بالمعني وواجهته بهذه الحقيقة فما كان عليه إلا الاعتراف بأنه ليس طبيبا متحججا أنه لا يُشترط في المخترع أن يكون طبيبا أو حاملا لشهادة جامعية.

هذه “الفضيحة” شجعت المناوئين للباحث واختراعه على الانتقال إلى “تسفيه” اختراعه بالتأكيد أنه ليس دواء، ولا يمكن تصنيفه على أنه دواء لافتقاره إلى خصائص ومكونات الدواء، فتدخل بعض المختصين وأثبتوا ذلك ليعود الباحث وأنصاره من الإعلاميين والمسؤولين إلى التأكيد بأنه ليس دواء بل “مكملا غذائيا” وانقلبوا على أعقابهم متسائلين “من قال إنه دواء”.. فازدادت الحملة حدة وشراسة بالتزامن مع شائعات تقول بوفاة بعض المرضى، وتدهور صحة البعض الآخر جراء تناول هذا “المكمل الغذائي”، فتسرب الشك والريبة في صفوف معسكر الباحث، واشتدت الضغوط على وزارتي الصحة والتجارة لتصدر هذه الأخيرة في 7 من ديسمبر/كانون الأول 2016 قرارا بسحب الدواء من كل الصيدليات وتجريم تسويقه رغم أن الصيدليات تعج بالمكملات الغذائية التي لا تخضع لأية رقابة كما يؤكد المختصون.

“رصاصة الرحمة”

الحملة الإعلامية الشرسة التي أشعلت فتيل حرب فضائيات مريبة، أرعبت وزير الصحة فهرع مرتبكا خائفا إلى استديوهات القناة متزعمة الحملة، ليجري لقاء حصريا يتبرأ فيه من الباحث ويؤكد أنه وقع ضحية تضليله، وأنه شجعه وسانده من منطلق وطنيته وتشجيعه للكفاءات الوطنية. القناة رحبت بتراجع الوزير ولم تخف تضامنها معه سواء أثناء اللقاء أو في تناول تفاصيل القضية، في وقت تعالت الأصوات مطالبة باستقالته.

وفي خطوة استدراكية أو لتصحيح موقفه أطلق وزير الصحة رصاصة الرحمة على “توفيق ورحمة ربي” معا، معلنا أن “رحمة ربي” لا يستوفي الشروط ولهذا لا يمكن تصنيفه ضمن الأدوية، بل هو “مكمل غذائي” لا تنطبق عليه النصوص القانونية التي تسير المواد الصيدلانية.” وإن سُجل للوزير اعترافه وتأكيده بأن المكمل الغذائي “رحمة ربي” لم يسبب ضررا لأحد، ولم يؤذ مريضا بل كان نافعا للكثير..

 “زعيبط” بعد أن اشتد عليه الحصار وضعفت حجته أمام شراسة الحملة، وأيقن بأنه لم يعد له مقام في هذه القرية، أكد في تصريحات صحفية أن “منتجه كانت له نتائج جيدة بشهادة من تناولوه، وأن الضجة التي أثيرت بشأنه يراد منها رأسه” ثم حزم أمتعته وهاجر إلى تركيا. ومن تركيا بعث المخترع “مشروعه من جديد، وبُعثت “الحرب” من جديد أيضا.

في إسطنبول عقد توفيق زعيبط اتفاقا مع “اتحاد الجامعات الدولي لتطوير “اختراعه المُجهض في الجزائر وتسويقه من جديد. واتفق حسب ما رشح من معلومات على تطوير ابتكار علاج السكري مكملا غذائيا، ليشمل كافة الفئات العمرية بما فيها الأطفال الصغار وتوزيعه في العالم كي يستفاد منه بالإضافة إلى علاج الصدفية“. الخبر أحيا الحرب من جديد بين أنصار زعيبط ومناوئيه، كان ضحيته هذه المرة اتحاد الجامعات الدولي، فقد وُصف بأنه جامعة وهمية تقدم شهادات غير معترف بها دوليا وأكاديميا لكل من يدفع، ولم ينج من الاتهام رئيس الجامعة اللبناني محمد خير الغباني.

غير أن الدكتور فارس مسدور الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي، الذي حضر مؤتمرا في إسطنبول كُرِّم فيه الباحث “توفيق زعيبط” فند كل ذلك – عبر القناة المتضامنة مع الباحث – وأكد أن اتحاد الجامعات الدولي يتمتع بسمعة دولية كبيرة واستشهد بوثائق ومعلومات تثبت شهادته، ودافع عن الباحث بقوة منتقدا موقف السلطات مما تعرض له زعيبط وكل الكفاءات الوطنية التي تُدفع دفعا إلى الهروب من الوطن. 

“الأمل في تركيا”

الحقيقة أن الباحث المعترف له بقدراته البحثية العالية جنى على نفسه وكان ضحية نفسه، لأنه أخطأ مرتين خطأين كان في غنى عنهما، فمكن مناوئيه من مافيا الدواء والمستوردين وأدواتهم من نفسه، وسهل عليهم عملية تصفيته وطرده من البلاد. أولا عندما ادعى أنه طبيب متخرج من جامعة جنيف وهو ليس كذلك، رغم أنه لا يُشترط في الباحث أو المكتشف أن يكون طبيبا أو حاملا لشهادة جامعية عليا. وثانيا عندما تعمد الغموض حول اختراعه بتقديمه على أنه دواء معجزة لمرضى السكري، ثم التراجع ونفي ذلك والتأكيد على أنه مجرد مكمل غذائي لا يعالج السكري إنما يخفف من أعراضه ويحد من انعكاساته. لأنه بمقدوره أن يطور اختراعه ليصبح أكثر نجاعة وقد يتوصل إلى دواء ومن يدريك بالنظر إلى النتائج الطيبة التي حققها المكمل والتحسن الكبير الذي ظهر على كل من تناولوه..

ويبقى الأمل قائما، لكن في تركيا وليس في الجزائر التي لا تزال في قبضة مافيا المال والأعمال.

عن الكاتب
نصر الدين قاسم
صحفي جزائري. بدأ العمل الصحفي ملحقا صحفيا بوزارة الاعلام والثقافة، ثم مستشارا للإعلام. تولى رئاسة تحرير عدد من الصحف الجزائرية منها: “المجاهد” الأسبوعية و”الشروق: اليومية وتولى مدير الأخبار بقناة “الوطن” الجزائرية
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here