تحرُّك برلماني لاحتجاز وزراء العبادي لحين تدقيق ملفّاتهم

بغداد/ وائل نعمة

ينوي مجلس النواب “احتجاز” وزراء حكومة حيدر العبادي لعدة أشهر داخل العراق لحين الانتهاء من تدقيق ما قاموا به خلال السنوات الاربع الماضية.
ويؤكد نواب أن عملية تقديم المسؤولين الفاسدين الى القضاء لن يحكمه وقت أو حادث معيّن مادامت هناك أدلة وإثباتات بعيدة عن التسقيط السياسي.
مثل ذلك الكلام سمعه العراقيون من العبادي في بداية العام الحالي الموشك على الانتهاء الذي وعد بأنه سيكون “عام القضاء على الفساد”.
ظل العبادي طوال الاشهر الاخيرة من عمر حكومته يعد بـ”ضرب الفاسدين” بيد من حديد، وفي تموز الماضي قال في مؤتمره الصحفي الأسبوعي ان حكومنه بصدد نشر لوائح بأسماء المسؤولين المحالين إلى النزاهة بتهم الفساد قريبا.
كانت تلك التصريحات تحت ضغط الاحتجاجات الغاضبة في الجنوب التي استمرت لنحو شهرين وشهدت أعمال عنف، كما كان العبادي في ذلك الوقت لديه أمل في الحصول على ولاية ثانية.
لم تكن هذه هي المرة الاولى التي تم فيها تداول الحديث عن نشر قوائم الفساد، فقبل ذلك المؤتمر بنحو 9 أشهر، أي نهاية عام 2017، قالت جهات من داخل مجلس الوزراء، إن العبادي بالتعاون مع هيئة النزاهة أعدّ قائمة بأسماء الفاسدين، ورجحت ان مجموع الأموال التي نهبت بموجب هذه الملفات بلغ أكثر من 24 مليار دولار، وذلك ضمن صفقات تسليح مع دول مختلفة واستيرادات واستثمارات وهمية.
وقالت تلك الجهات التي تحفظت على الكشف عن هويتها في ذلك الوقت إن القائمة تضم 9 وزراء وأكثر من 20 وكيل وزارة، ومدراء عامين وموظفين كبار في أمانة مجلس الوزراء ومدراء بنوك ومصارف حكومية ورؤساء هيئات مستقلة وجنرالات في الجيش، فضلا عن أقرباء لمسؤولين وأعضاء في البرلمان عن دوراته التشريعية السابقة.
وكشفت تلك الجهات في حينها أيضا، عن وجود 181 ملفاً ما بين فساد مالي وإداري وانتهاكات خلال السنوات ما بين 2006 و2014. وكان رئيس الوزراء السابق نوري المالكي أيضا يلوّح بامتلاكه ملفات فساد ضد مسؤولين طول الدورتين من حكمه، لكنه لم يكشفها أبداً.

عودة الفهداوي
تحت ضغط الشارع، قرّر العبادي في تموز الماضي “سحب يد” وزير الكهرباء، وقال مكتب العبادي في بيان إن القرار اتخذ “على خلفية تردي خدمات الكهرباء ولحين إكمال التحقيقات”، لكن الفهداوي ظهر مساء السبت الماضي وهو يوقع مع شركتي “سينمس” الالمانية و”جنرال إلكتريك” الاميركية، عقودا لبناء وإصلاح مشاريع للطاقة الكهربائية في العراق.
يقول النائب عدي عواد، وهو عضو سابق في لجنة الطاقة البرلمانية لـ(المدى) امس إن “العبادي جمّد الفهداوي 60 يوماً، وقام بإجراء تحقيقات شكليه معه، ثم أعاده بعد ان تثبّت من عدم تورطه بأي ملف فساد”.
ويكشف عواد عن سبب “تجميد” الفهداوي قائلا انه يرجع الى خلاف مع أحد أعضاء مكتب العبادي (تتحفظ المدى عن ذكر اسمه)، وتابع قائلا: “ذلك الشخص حاول ان يسيطر على مجلس الوزراء، وصارت له صلاحيات تماثل صلاحيات العبادي”.
وبيّن النائب عن تحالف البناء أن عضو مكتب رئيس الوزراء: “طلب أن يوافق أولاً على كل التعيينات والعقود وأعمال أي وزارة قبل تنفيذها، وقد رضخ له بعض الوزراء، لكنّ الفهداوي رفض ذلك”.
ويؤكد عواد انه خلال فترة تجميد الفهداوي قام مساعد العبادي “بنقل وإعفاء وإجراء تغييرات بعض المدراء في وزارة الكهرباء كان الفهداوي يرفض تغييرهم، وبعد ان تم ذلك أعادوا وزير الكهرباء الى منصبه مرة اخرى”.
وصوّت البرلمان في أيلول 2014 على تعيين الفهداوي، وهو يرتبط بعلاقة عائلية (نسب) مع العبادي، وزيراً للكهرباء. واستطاع وزير الكهرباء النفاذ من 3 موجات احتجاجية ضد وزارته في 2015، 2016، و2018 ، بالاضافة الى جلستي استجواب في البرلمان.
وكان البرلمان قد استجوب في الدورة الماضية عددا من المسؤولين والوزراء الى جانب الفهداوي، كان أهمها 7 استجوابات، طالت وزير الدفاع السابق خالد العبيدي (أقيل في 2016)، ووزير المالية هوشيار زيباري (أقيل في نفس العام)، ووزيرة الصحة التي استجوبت مرتين ونجت من الإقالة، ووزير الاتصالات، ووزير التجارة وكالة سلمان الجميلي، ورئيس هيئة الإعلام صفاء الدين ربيع (أقيل من منصبه في 2017).

أوامر منع السفر
وينوي البرلمان، بحسب مايقوله عدي عواد، هذه المرة إصدار “قرار منع” لكل وزارء حكومة العبادي. ويضيف النائب: “جمعنا تواقيع 25 برلمانياً في هذا الشأن، وسنمنع الوزير لمدة 6 أشهر من السفر لحين اكتمال التحقيق معه”.
وقرر البرلمان قبل أسابيع تشكيل لجنة لمحاسبة الوزراء والمسؤولين المقصرين في أزمة البصرة، حيث من المفترض أن يقدم كل رئيس كتلة برلمانية ممثلا له في اللجنة. وتقول زهرة البجاري النائبة عن المحافظة لـ(المدى) ان “تلك اللجنة ستبقى تلاحق الوزير حتى لو انتهت ولايته وستحرمه من حقوقه”.
بدوره يقول حمد الله الركابي، النائب عن كتلة سائرون لـ(المدى) ان كتلته تسعى الى محاسبة كل المسؤولين في كل الحكومات السابقة وليس فقط في حكومة العبادي، وأضاف: “لن يكون هناك وقت او حادث معين لكشف ملفات الفساد، متى ما توافرت لدينا أدلة حقيقية تدين أي مسؤول سنقوم بذلك”.
وحذر عضو تحالف سائرون، بالمقابل من أن تكون عملية المراقبة او ملاحقة الفاسدين تحت عنوان “سياسي”، وقال: “يجب أن تكون الملفات حقيقية”.
وفي مطلع تشرين الاول الجاري، دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إلى محاسبة الاحزاب الفاسدة وإعلاء الصالح والنزيه، وقال الصدر في تغريدة على تويتر: “أما آن الاوان لنحاسب من سرق أموال العراق؟”.

اتهامات ضد مؤسسات الرقابة
ويواجه مجلس النواب نفسه اتهامات بوجود أشخاص متّهمين بقضايا الفساد. وقال النائب محمد اللكاش في آب الماضي ان “أكثر من 80 مرشحاً فائزا في الانتخابات البرلمانية الاخيرة متهمين بقضايا فساد”.
في المقابل كشف النائب كاظم الصيادي الخميس الماضي، عن وجود مرشحين للجنة النزاهة عليهم ملفات فساد أحدها بـ 84 مليار دينار.
وفي الاسبوع الماضي، قال صلاح العبيدي المتحدث باسم مقتدى الصدر انه “على كثرة ملفات الفساد في السنوات السابقة لا يعني ان تترك جرائم ارتكبت بحق الشعب العراقي”.
وأضاف إن “من هذه الملفات هو ملف الأموال التي تسرّبت من قبل مؤسسة الهلال الاحمر قبل عام 2010 عندما كانت بإدارة جمال الكربولي”. والاخير هو زعيم حزب الحل الذي يمتلك نحو 15 نائبا وعضوا في تحالف البناء الذي يضم هادي العامري ونوري المالكي وعدداً من القوى السنية.
من جهته يقول رحيم الدراجي العضو السابق في لجنة النزاهة البرلمانية لـ(المدى) ان “الحديث عن الفساد في ظل الطبقة السياسية الحالية استهلاك إعلامي بلا جدوى”.
ويبين الدراجي وهو مرشح سابق في الانتخابات التشريعية الاخيرة أن “الفساد منظومة محمية من كل القوى السياسية التي تسيطر على مؤسسات الرقابة”، واضاف “وهذه القوى غير مستعدة لأن تتخلى عن تلك السيطرة”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here