من أخطاء الشعوب – 2 – ( تجربة مجلس الحكم في العراق )

سالم سمسم مهدي

لقد رسم بريمر للعراق طريقا جديدا في الحكم مع ثاني قرار له بعد قرار تشكيل سلطة التحالف أو الإتلاف في قراره الاول، أن ألقاء نظرة سريعة على الأسماء التي أختارها بريمر توضح الطبيعة الطائفية والعنصرية لهذا التشكيل المجحف بحق الشعب، كما أنها تلقي الضوء على ما أريد له من شر لأن ما أسس على خطأ لا يُنتج منه غير الأهوال والمصائب .

لقد كان المجلس مسلوب الإرادة خاصة وأن بريمر كان صلفا ويتعامل بغطرسة مع أعضاءه وإذا ما طرحوا أشياء تتعارض مع أفكاره ورغباته كان لا يتردد من استخدام أقسى العبارات ففي أحدى المناقشات قال لهم ” أذهبوا إلى بيوتكم وسأدعوكم عند الحاجة، فليس لديكم مكان دائم للعمل ”

بهذه اللهجة بدأ الأمريكان التأسيس لديمقراطيتهم المزعومة على أرضنا، وبالعقود الفاسدة مع المقاولين الذين تزاحموا لتجهيز القوات المحتلة بالأغذية بدؤوا نشاطهم الاقتصادي، الذي كانوا يتحدثون عن ازدهاره في العراق، فأسسوا بذلك للفساد المستشري حاليا، ناهيك عن موقفهم السلبي اتجاه الحواسم الذي جردوا الدولة من مقومات قوتها وهيبتها .

أن البناء في أرض رمالها متحركة معروفه نتائجه، لذا خسر مجلس الحكم اثنان من أعضاه وهما المرحومان عز الدين سليم وعقيلة الهاشمي، مما جعل الأعضاء الآخرين في حيرة من أمرهم وأخذوا يبحثون عن ملاذات آمنة ويخشون على حياتهم ولا يستطيعون طرح ما يغيض بريمر، لذا تقبلوا أكثر القرارات خطورة على العراق ولم يعترضوا عليها أو تصحيحها .

لقد قيل أن مجلس الحكم سيحقق غايتان رئيسيتان هما الأمن والانتعاش الاقتصادي بعد حصار جائر ظاهرة معاقبة صدام وحقيقته تدمير الشعب، ولم يتحقق أي منهما لعدم وجود مقومات دولة بعد أن أعادها الاحتلال الى ما دون الصفر، ولم تفلح محاولات أبناء الداخل الذين تجمهروا بالآلاف في نادي العلوية وفندق الميريدان ( المقر المؤقت لقيادة فرقة المارينز الأولى التي احتلت بغداد واستمرت فيه لفترة أكثر من عشرة أيام ) لم تفلح هذه المحاولات في أقناع قوات الاحتلال من اـتخاذ القرارات الصائبة على طريق إعادة الأمور إلى نصابها .

كل هذا جعل من مجلس الحكم الذي شكل لاحقاً مجرد هيكل خاوي رغم إصداره بعض القرارات المتسرعة التي تركت أثرا قاتلا على الدولة العراقية حتى يومنا هذا .

أن فشل مجلس الحكم بالاتفاق على رئيس له ولجوءه إلى الرئاسة الدورية لمدة شهر تعكس حجم الخلل في تكوينه كما أنه أي المجلس كان أمام معضلتين أولهما التعامل الفوقي لبريمر وثانيهما عدم مبالاة الشعب الذي أدرك ما يعني أن يقوم الاحتلال بتشكيل مجلس طائفي عنصري .

لقد أعترف القادة الأمريكان بأخطائهم ولكن بعد ماذا ؟ بعد أن أنهكوا الدولة ومقوماتها وحولوا الشعب إلى مجاميع مسلحة تبحث عناصرها عن الدعم المسلح والمادي من الدول المجاورة التي يهمها شأن العراق .

كما أن أعضاء مجلس الحكم اعترفوا هم أيضا بعجزهم عن مواجهة الأزمات الناجمة عن الاحتلال ملقين باللوم عليه، لينكفئوا على أنفسهم ضمن رقعة جغرافية محددة، فأصبحوا في واد والشعب في أخر لذا تحدث بعضهم لاحقا عن هذه الاخطاء الجسيمة التي دفع ثمنها المواطن ومن دون أن يحاسب على ارتكابها أحد .

سالم سمسم مهدي

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here