نظريّة ألمعرفة آلكونيّة

ألمُقدّمَةٌ .. خلاصتها؛ لا حضارة و لا مَدَنيّة بدون نظريّة آلمعرفة
سعى آلفلاسفة منذ عصر الأغريق للوصول إلى تعريف معقول للمعرفة, فوصفها “أفلاطون” بأنها[إعتقاد مُبرّر و صحيح], مُشترطاً تحقّق ثلاث شروط في أطروحة ما و هي: أن تكون صحيحة؛ مُسْتَدلّة؛ تشمل ألقضايا ألميتافيزيقيّة.

ثمّ قدّمتْ ألرّسالات ألسّماويّة تتراً تعاريف و إشارات عامّة تستبطن آلأسرار و آلمعارف ألكبرى, و تَفَرّد آلقرآن الكريم من بينها برؤية أوضح وأدقّ وأشمل وإن كانت مُتشابهة و مُتناثرة بين آلسّور, و لم يتمّ ألأعتناء بها وتنظيمها من قبل المفسرين و ألمفكّرين على كثرتهم كما كان مطلوباً لأستنباط أسس و آفاق (نظريّة المعرفة) بإسلوب رصين كأساس لسنّ القوانين لتنظيم الحياة الحضارية و المدنية.

ثمّ جاء دور فلاسفة عصر النهضة بعد إنحراف ثم إهمال الأديان كَـ “كانت” و “لوك” و “بيكون” و “هيوم” و إنتقدوا تعريف (أفلاطون) ألذي إستَقّهُ من أستاذه (سقراط) لعدم تقيّدهم بآلغيب و بآلحسّ ألبشريّ, فعرّف “لوك” ألمعرفة بأنّها؛ “إدراك ألصّلة و الموافقة أو أللاموافقة بين آلأفكار”, و إعتبر الأحساس إنعكاس للحواس, و حدّد لوك طرق المعرفة بـ : ألأدراك ألتلقائي؛ ألتعليمي؛ ألأحساسيّ.

ثمّ أتمّ “لوك” عمل “فرانسيس بيكون” في إرساء أهمّ أصول المنهج العلميّ ألتجريبيّ, و أتى “ديفيد هيوم” أحد المعاصرين لـ”لوك” ليُكمل أصول ذلك آلمنهج ألفكريّ بآلخلاف ألشّهير ألذي وضعهُ مع مبدأ ألأدراك التلقائيّ, حيث إعتقد “هيوم” أن إدراك ألوجود غير مُمكن في ظلّ المبادئ ألتي أرساها “لوك” نفسه .. إذ أنّ إستثناء إدراك هذا آلوجود من إشتراط وجود أدلة عليه غير مُبرّر.

أمّأ “برتراند راسل” هو آلآخر لم يتوصل إلى نتائج شاملة, رغم كونه واحد من أهمّ فلاسفة زمانه؛ فقد كَتَبَ عن هذه ألأشكالية قولهُ؛ [لسوء ألحظّ إنّ آلتّوصل لتعريفٍ لِلمعرفة أمرٌ بالغ الصعوبة], و يقسم “راسل” تبعاً لـ “كانت” ألمعرفة إلى قسمين؛ ألأول: معرفة الأشياء بإستخدام ألحواس, و آلثاني: معرفة آلحقائق بغير الحواس و يتأتّى عن طريق ألأستنباط, و هو ما يفتقر إلى آلصحة ألمبدئيّة أساساً, لأنّهُ نشاطٌ عقليّ محض خاضع لقواعد ألمنطق لا العلم ألتجريبي و مستقلّ و رافض تماماً للميتافيزيقيا, إلّا أنّهُ – أيّ راسل – الذي يُعتبر أشهر فلاسفة الألحاد في القرن العشرين أكّدّ على إمكانيّة إدراك حقائق الكون العليا عن طريق ألمنطق و الأستنباط للأستقراء.

ألقاسم ألمشترك بين جميع آلفلاسفة هو إيمانهم بآلغيب و إن بدى آلأنكار الظاهريّ على بعضهم, كلّ ما في الأمر هو إعتقادهم بإفتقار ألأستنباط إلى آلصحة المنطقية من آلأساس, إذ أنّ آلأستنباط ألتجريبي يقود إلى فرضيات أو “نظريّات” يحول بينها و بين إعتبارها”حقائق عليا”, إن الموانع العديدة إلتي تحول بإستحالة ألأثبات الحسيّ و تنتهي بعدم القدرة على التعميم الكلي لهذه الفرضيات بآلنسبة للزمن و الأدراك.

كلّ ما يمكننا قوله وسط تراكم البحوث و آلمؤلّفات خلال رحلة الحضارة إلى يومنا هذا هو؛ ألتعامل ألتجزيئي مع نظريّة ألمعرفة الشاملة حتى من قبل الألهيين, حيث إفتقدت ألشمولية في ألمدارس ألفلسفيّة ألتي تطرّقت لها الفلاسفة, بمعنى عدم وجود تعريف متّفق عليه و حاسم حول آلموضوع, لهذا جاءتْ نظريّتنا لتُقدّم تعريفاً علمياً شاملاً للوجود و ما في هذا الوجود و الغاية منها!

ملامح نظريّتنا ألمعرفيّة:
كلّ فيلسوف لهُ نظريّة في المعرفة يُحدّد خلالها آرائه و نظراته حول مختلف القضايا التي يريد بحثها و النظر فيها بغضّ النظر عن مذهبه و مدى توفيقه في بيان المقال المختصّ نظراً للزمان و المكان المحيط بهذا الموضوع الذي يتقدّم على جميع الموضوعات و القضايا العلميّة و البرامج و القوانين المختلفة لأنها بمثابة المنهج, أما نظريّتنا المعرفية فإنها أم المناهج التي تداخلت مع فلسفتنا الكونيّة كخاتمة لجميع النظريات المسبقة عبر تأريخ الفكر الأنسانيّ من آدم و لما بعد الخاتم.

نظريّة (ألمعرفة) ألّتي سَنُعرضها من خلال إثني عشر أساساً هي آلمفاصل الجامعة ألتي إشتقت منها (الفلسفة الكونية العزيزية) كختام لتأريخ الفلسفة .. و تتضمّن ألمفهوم ألفلسفي للوجود (الأكسيستانسياليست) كأساس و منطلق لسائر ألأبحاث ألعلميّة و آلفلسفيّة ألأخرى , فبدونه لا يُعرف فساد أو صلاح أي فكر أو كيان أو قضية أو قانون, و هو آلمنطلق ألصّحيح لبناء منظومة فلسفيّة علميّة متكاملة عن حقيقة ألحياة و آلكون و آلأنسان و آلقيم لضمان نجاح ألخطط ألخمسيّة و آلعشرينيّة و حتى ألقرنيّة لسلامة ألمجتمع و تطوّره و رقيّه الحضاري و المدني, و تتكامل نظريّة المعرفة عبر تفعيل ألعقل ألظاهر و آلباطن ألذي علينا معرفتهما و آلكشف عن قُدراتهما .. لكونهما من آلمؤشر ات و المنطلقات ألأهم ألتي تُميّز وجود آلأنسان ألعارف عن غيره, و مصاديقها ألعملية تبرز من خلال مدى آلعطاء ألذي يُقدّمه للمجتمع, و من هنا جاء تأكيدنا وإصرارنا على تأصيل نظرية المعرفة في المجتمع كونها تمثل قمّة الثقافة و خلاصة الفكر ألأنساني و آلنهج ألأمثل لبناء ألحياة و إسعاد البشرية, و في ذلك فليتنافس ألمتنافسون .. كما حثّتنا الكتب السماوية كآلقرآن ألكريم على ذلك! لكون ألأنسان و بآلتّالي ألمجتمع لا يتطوّر تطوّراً حقيقيّاً بتفكيرٍ سقيمٍ أو ناقصٍ أو أنصاف حلول و ثرثرات أو فرضيات و آمالٍ مبعثرة أو نظريّات قوميّة أو عنصريّة أو طائفيّة أو حزبيّة أو ثقافات إلتقاطية غير متجانسة و التطور ألحقيقي و آلنهضة ألشّاملة تتحقّق .. حين يستند ألمجتمع و آلهيئات والوزارات ألمشرفة فيه على نظريّة معرفيّة متكاملة ألأبعاد ضمن خططٍ ستراتيجيّة ترتبط بآلسّماوات العُلى من فوق و بآلأنسان من تحت و بآلطبيعة من كلّ الجوانب لِتُؤمّن إنتاج ألوعي ألمعرفي و آلتنمية ألعلميّة على جميع الأصعدة ليبدأ السير و البناء بحزمٍ و أطمئنان و حكمةٍ و على أسس ثابتة و قواعد صائبةٍ نحو أهدافٍ و غاياتٍ شريفةٍ كبرى للتخلص من آلأستغلال وهيمنة ألحكومات و ظلم ألمستكبرين لتحقيق ألسّعادة في ميادين ألمجتمع, كما تهدف نظريّة ألمعرفة ضمنياً تحقيق ألكمال ألأنساني و آلسّلامة ألعامّة في شخصيّة ألفرد و آلرّوابط ألعائلية و ألأجتماعيّة, لكون إصالة و سلامة ألفرد و آلمجتمع على حدٍّ سواء تتصدّر الأولوية في “ألنّظريّة” كغاية و تتقدّم على كلّ ألمبادئ ألأخرى لتأمين و ضبط ألمسيرة ألأنسانية نحو آلحقّ خلال عمليّة ألبناء و آلكدح بإطارٍ يكتنفه آلمحبة و آلعشق و آلأنسجام و التواضع, مع نبذ الفوارق الطبقية و محو ألتكبر و آلعلوّ و آلجدل و آلفساد و آلفرقة و آلخصام و آلحرب و التي حلّت بعالم اليوم.

إن الوصول إلى الكمال و تحقيق “الآدمية” في وجود البشر هو نفس مفهوم “خليفة الله” في الأرض, لأنّ الخلافة الألهيّة لا تتسنّى إلّا في الأنسان – الآدمي ألكامل, و المعرفة الكاملة لا تتحقق إلّا في وجود الأنسان ألحكيم, و هي الحالة التي يكون فيه آلآدمي قد عرف نفسه وإرتبط بمنبع الفيض الألهي, ليكون رأيه هو الأمثل, لأنه لا يكون إلّا عن دراية و حكمة و علم لدّني, فمن أخلص لله أربعين صباحاً جرت الحكمة من قلبه على لسانه, بل تتمثل صفات الله تعالى – سوى الذاتية – في وجوده بكلّ تفصيل.

لقد عَرَضْناها بإسلوبٍ علميّ سلس و تتضمّن ألمفهوم ألفلسفيّ ألجّوهري ألجّامع للعالم كمنطلقٍ لسائر ألأبحاث آلفلسفيّة ألأخرى, فبدونها لا يُمكن معرفة فساد أو صلاح أيّ فكرٍ أو قضيّة أو قانون أو مذهب, و هو آلأساس ألصّحيح لبناء منظومة مُتكاملة عن (فلسفة ألقيم) وألحياة و آلكون و ألأنسان و تطبيقهُ عبر دستورٍ و خطط ستراتيجيّة للتّنمية على كل صعيد لنيل ألكمال ألأنسانيّ و ألسّعادة في آلمجتمع.

لم يَسْتطعْ أحد للآن أن يُتَرْجِمَ موضوعاتِ ألعالم ألخارجيّ – ألطبيعيّ وآلأنسانيّ – عبر مناهج معرفيّةٍ شاملة لبرنامج تطبيقي للتأمل وآلممارسة وآلأنتاج ألفكري ألمُثمر على صعيد ألواقع ألعمليّ؛ مثلما بيّنتْ (نظريّة ألمعرفة الكونية) ذلك من خلال 12 أساساً رصيناً إعتمدنا الأستدلال الأستنباطي الذي يُميّيز ألحُجج ألصّحيحة من الحُجج الخاطئة!

حيث لا فائدة في عالمٍ و فقيهٍ أو مفكّرٍ أو هيئة أو جامعة إن لم يُقترن كلامهم و برنامجهم بواقعٍ عمليّ مُنتج ضمن برامج متكاملة! و هذا هو آلفرق بين الحكومات و الجامعات و آلمرجعيّات الأنسانيّة ألصّالحة الهادفة و بين الحكومات و الجامعات و آلمرجعيّات ألشكلية ألعرفيّة ألتقليديّة ذات الأهداف الحزبية و الشّخصيّة المحدودة!

ألفائدة آلعُظمى تَتَجسّدُ عمليّاً بآلفكر ألّذي يُنظّم حياة ألأنسان وآلمُجتمع على كلّ صعيدٍ وفي مُقدّمتها؛ ألصّعيد الثّقافيّ وألسّياسيّ وآلأجتماعيّ وآلأقتصاديّ وآلتربويّ وآلتعليميّ والأداريّ وآلفنّيّ وآلعسكريّ, و إلّا فَبِدون ذلك .. يُعْتَبرُ فكراً يقود نظاماً هدّاماً و فقهاً ناقصاً لا يُغني و لا يُسمن من جوع وفيه أنانيةٌ وأغراضٌ محدودة دنيئة لا تخدم سوى طبقة خاصّة طُفيّليّةً تعتاش عليه وكما هو الحال في بلادنا والعالم!

أنّ آلعطاء و آلأبداع و آلأنتاج ألعلمي لا يأتي إلّا من أصحاب ألفكر و آلمعرفة ألمُخلصين, و في ذلك فليتنافس ألمُتنافسون كما حثّ آلقرآن ألكريم و وبّخ بآلمقابل الخاملين و المتحجرين ألّذين يعتمدون ألتكرار و آلأجترار و آلتّراكم و آلدّوران في حلقات مُفرغة و قد جعل الله ألرّجس على آلذين لا يعقلون؛ لا يُفكّرون؛ لا يتدبّرون؛ لا ينظرون؛ لا يعملون!

إنّ ألأنسان و بآلتّالي ألمجتمع لا يتطوّر تطوراً حقيقيّاًّ بتفكيرٍ سقيمٍ أو ناقصٍ أو أنصاف حلولٍ و ثرثراتٍ أو فرضيّاتٍ و آمالٍ مُبعثرةٍ أو نظريّاتٍ قوميّة ٍأو عنصريّة أو طائفيّة أو حزبيّة أو علمانيّة تتحرك عملياً خارج مدار ألتوحيد و آلأجتهاد ألمنفتح طبقاً للزّمكاني.

ألتّطور ألحقيقيّ و آلنّهضة ألشّاملة تَتَحَقّق حين يستندُ آلنظام الحاكم على نظريّة توحيديّة معرفيّة مُتكاملة آلأبعاد ترفض الطبقية و ولاية ألطواغيت و ألمستكبرين في آلمنظمة ألأقتصاديّة ألعالميّة جملةً و تفصيلاً و ترتبط من آلجانب ألآخر بآلسّماوات ألعُلى عبر آلولاية ألّتي هي ولاية الله تعالى .. ولاية ألمحبّة و آلعشق وآلتّضحية و العدالة و إنتاج ألوعي ألمعرفيّ و تنمية ألعقل و تعزيز كرامة ألأنسان للسّير بإيمانٍ و حكمةٍ وعلى أسسٍ ثابتة وقواعد صائبةٍ نحو أهدافٍ و غاياتٍ شريفةٍ تتحقيقِ معها ألسّعادة و الرّفاه و آلأمن في ألمجتمع ألأنساني.

نظريّتنا تهدف بآلأضافة إلى حفظ الكرامة الأنسانية؛ تحقيقِ آلكمال ألآدميّ عبر منهج عرفانيّ يأنس معه قلب وروح الأنسان لتمتلأ بآلمحبّة وآلعشق وآلأيثار؛ لذلك فأنّ (إصالة ألفرد) و (إصالة آلمجتمع) توأمان في نظريّتنا ألمعرفيّة لضمان سعي ألرّاشد إلى آلحقّ خلال عمليّة ألكدح وآلمثابرة بإطارِ ألمحبة و آلتواضع الّلذان يمحوان ألغيبة وآلجّدل وآلنفاق وآلفساد وآلفرقة وآلخصام وآلعنف.

إن آلوصول إلى الكمال بقوّة المعرفة يعني تحقّق مفهوم (خليفة) الله في آلأرض, وآلتي لا تَتَمَثّل إلّا في الأنسان ألآدميّ, لا غير حتى لو كان عالماً أو فقيهاً ما لم يَصِلَ درجة آلحكمة, وهي آلحالة ألّتي يكون معها (آلحكيم) مُتّصلاً بمنبع ألفيض ألألهي, فيكون رأيهُ هو آلأمثل و آلأصحّ في المنعطفات و آلوقائع, لأنّهُ لا يكون إلّا عن درايةٍ و حكمةٍ عميقين بسبب آلأعتماد على المعرفة الكونيّة التي ترتبط بآلله, و حين نرى فشل دولنا في مسعاها نحو السعادة و كثرة الفساد؛ فذلك بسبب بعدها عن المعرفة وجهل الحاكمين لعلاقة الفلسفة بآلمعرفة التي تضم الأسماء كلّها مع دعائنا للجّميع بآلموفقيّة و آلنّجاح في معرفة المعرفة.
ألفيلسوف الكونيّ/عزيز الخزرجيّ

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here