عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الخامِسَةُ (١٣)

نـــــــــــزار حيدر
سنمنحكُم الحريَّة!.
يقولُها الطُّغاةُ والجبابِرةُ للشُّعوبِ!.
ومَن أَنْتَم لتمنحُوا أَو لا تمنحُوا الحريَّة؟!.
لقد خلقَ اللهُ تعالى الإِنسان حُرّاً فالحريَّة كالهواءِ هو الذي خلقَها وهوَ الذي جعلَها، أَولم يقُل أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {وَلاَ تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرّاً}.
ويشرح الأَديب اللَّبناني الأَشهر جورج جُرداق في موسوعتهِ الأَشهر [الإِمامُ عليٍّ صوتُ العدالةِ الإِنسانيَّة] في الجُزء الأَوَّل وعنوانهُ [عليٌّ وحقُوق الإِنسان]؛
أُنظر كيفَ توجَّه عليٌّ بقولهِ إِلى مَن يريدهُ أَن يثقَ بنفسهِ ويستشعر روح الحريَّة ومعناها فأَلقى في نفسهِ ما يوقظهُ على أَصلٍ مِن أُصولِ وجودهِ وهوَ أَنَّ طبيعة الكون جعلتهُ حُرّاً لا يتمرَّد ولا يُطيع ولا يعملُ ولا يَقُولُ إِلَّا على أَساسٍ من هذا الحقِّ الطبيعي وهو بذلكَ إِنَّما يُلقي في نفسهِ بذورَ الثَّورة على كلِّ ما من شأنهِ أَن يُضيِّق عليهِ ويسلبهُ حقَّهُ في أَن يكونَ حُرّاً.
إِذا حدَّثكَ أَحدٌ عن حُرِّيَّتكَ فحاولَ تحديدها كيف يشاءُ وعلى مقاساتِ نفوذهِ! أَو ساومكَ أَو فاوضكَ عليها فاعلم أَنَّهُ مُتجاوِزاً! فالحُرِّيةُ حقُّكَ بل هِيَ أَنْتَ! لا تسمح لأَحدٍ أَن يُفاوضَكَ عليها أَبداً!.
ثمَّ جاءت عاشوراء بعدَ ذَلِكَ لتكرِّسَ هذا المفهُوم على أَرضِ الواقع وبالدَّم والشَّهادة والتَّضحية وليس بالكلامِ والتَّنظيرِ والنُّصحِ والشِّعاراتِ فقط.
ولذلك خاطبهُم الحُسين السِّبط (ع) بقولهِ {إِن لَمْ يَكُن لَكُم دينٌ وكُنتُم لا تَخافُونَ المَعادِ فكُونُوا أَحراراً فِي دُنياكُم} ما يعني أَنَّ الحُريَّة يُمكنُ أَن تفعلَ بالمرءِ ما لَم يفعَلهُ حتَّى الخَوف من اللهِ تعالى واليَومِ الآخر أَو الإِلتزام بالدِّين! أَلا نرى الْيَوْم كيفَ أَنَّ مَن يتلفَّع بالدِّين وحبِّ الحُسَينِ السِّبطِ (ع) فسدُوا وأَفسدُوا في بلادِ عليٍّ والحُسَينِ (ع) العراق؟! أَمَّا إِذا فقدَ المرءُ حريَّتهُ فلم يبقَ لَهُ شيءٌ في حقيقةِ الأَمرِ لأَنَّ العبدَ مأمورٌ والمأمورُ لا يُحاسَب فلا يُثاب ولا يُعاقب بسببِ أَنَّ العبوديَّة تُسقط المسؤُوليَّة!.
حتَّى الله تعالى يُعبدُ بالحُريَّة! فالعبدُ لسيِّدهِ أَو للنالِ والسُّلطةِ والجنسِ لا يعبُدَ الله إِلَّا على حرفٍ وهو الموصُوف بقولِ سيِّد الشُّهداءِ (ع) {النَّاسُ عبيدُ الدُّنيا والدِّينُ لَعِقٌ على أَلسِنَتِهم! فإِذا مُحِّصُوا بالبلاءِ قلَّ الدَّيَّانُونَ}.
إِنَّ الشُّعوب التي تفكِّر بالتَّنميةِ وعلى أَيِّ مُستوىً كانَ ينبغي عليها أَوَّلاً وقبلَ كلِّ شَيْءٍ أَن تتحرَّر، تتحرَّر مِن العبوديَّة والخَوف والتردُّد والصنميَّة ومِن كلِّ الصِّفات النفسيَّة السلبيَّة التي تستعبِد الإِنسان وتُكبِّل إِنطلاقتهِ وتُشرنِق روحهُ كالإِستئثارِ والجشع وحبِّ الدُّنيا والتهالُك والحقد والكراهية وروح الإِنتقامِ وغيرِ ذَلِكَ.
فكانت أَوَّلُ مهامِّ الرَّسول كما في قولهِ تعالى {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
لقد حرَّر الإِمامُ الشَّهيد نفسهُ مِن كلِّ ذَلِكَ فكانَ على استعدادٍ مِن أَجلِ أَن يحمي حريَّتهُ بالدَّم والشَّهادة! ويحمي بها الأُمَّة.
حتى العبدُ حرَّر نفسهُ مِن كلِّ أَدران الحياة الدُّنيا في كربلاء قبلَ أَن يضحِّي في عاشوراء كما هُوَ الحالُ مع الحرِّ بن يزيد الرِّياحي الذي دفعتهُ حريَّتهُ ليتَّخذَ أَخطرَ قرارٍ في حياتهِ فينقلب مِن مُعسكر الباطِل إِلى مُعسكر الحقِّ وهو القائِد على كتيبةِ فُرسانٍ كاملةٍ!.
أَو كما هُوَ الحال بالنِّسبةِ إِلى جون مولى أَبي ذَر الغِفاري الذي ضربَ مثلاً في التَّاريخ لم يسبقهُ إِليهِ أَحدٌ وهو يردِّدُ قائِلاً؛
أَقسمتُ أَن لا أُقتلُ إِلّا حُرّاً
وإِن رأَيتُ الموتَ شيئاً نُكراً
في عاشوراء تجلَّت عبادةُ الأَحرارِ! فسجَّلت لهُم كربلاء تضحيةُ الأَحرارِ!.
٢٤ تشرِينُ الأَوَّل ٢٠١٨
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here