عناق روحي حميم : قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم

بينما كان يمشي على ضفاف نهر الدانوب في مساء متأخر و باذخ بنجومه المبكرة و آسر و منعش بهواء عذب و شفاف مع أضواء تشع متلألئة ومتراقصة على أمواج ناعسة تتهادى شفافة وماضية بتمهل و تأن بدوران متجدد ، تصاحبها أجنحة نوارس محلّقة بحبور زقزقتها العالية مع مرور عشاق يتحاضنون متعانقين مع بعضهم بعضا بين حين و آخر ، غير مبالين بغيرهم ، فخطرت” هي ” على باله … ” هي ” التي غالبا ما أخذ يفكر بها في الأيام الأخيرة ، مسترجعا تلك الأيام الجميلة والمدهشة التي أمضاها ذات مرة و لشهور طويلة بصحبتها الدافئة حنانا و بحضورها البهي والحنون الدافق كقطرات ندى في فجر متوهج جمالا باهرا ، و فكر : ها هي الآن باتت بعيدة ، كأنما تفصل بيننا قارات و محيطات ، و كأنها امرأة حلم ، بل كنجمة مستوحدة هي الأخرى تشع بعيدة ولكن في أقصى أطراف السماء ..

فتمتم مع نفسه متمنيا قرب حضورها البهي :

ــ كم كان سيكون رائعا و جميلا مذهلا لو كانت هي معي الآن ؟ ..بينما نحن نسير يدا بيد تحت ظل هذا المساء الفخم بأضوائه الملونة و بهوائه المنعش ، لتملأ وحدتي بحضورها الحنون وهدوءها الشفيف كصمت فجر صيفي بديع ، تغمرني بلطفها و اشراقة بسمتها الدائمة وهي تضيء أسارير وجها السمحاء و الخجولة ..ربما قد تكون هي الوحيدة التي ستجعل لحظات حياتي بهيجة و سعيدة لأجل غير مسمى !.

فتحسر شهيقا متأسيا لهذا الغياب القاسي بل لهذا الحلم والبلوغ المستحيلين ، ولكنه وجد عزائه و سلوانه في جذوة حبهما المشترك و المتعانق روحيا و بصمت رباني ، ذلك الحب الأبدي الذي لا زل لهيبه الأزرق يتوهج كنور سماوي و يرتفع ألقا و اشتعالا رغم مسافات البعاد و سنوات الغياب … وإذا به يشعر كم أصبحت هي الآن قريبة منه ، كنسمة هواء منعشة هبت فجأة و مسّته بأصابع من غيمة هشة ومسحة ملاك ساحرة كأنما انزلاق نيزك مسرع للتلاشي في حضن الأبدية …حتى شعر بأنفاسها الدافئة ــ التي مثل نكهة ريحان و نعناع ، تكاد أن تمتزج مع أنفاسه في عناق روحي عميق وحميم ..

جلس على مقعد قريب عند محاذاة النهر ، و أغمض عينيه متخيلا إياها بقرب منه واضعا يده على كتفها بحنان عارم و غامر بحب متدفق كموجات عالية … حب يانع كشجرة فتية … سيبقى فتيا و بهيا مثل جريان موجات هذا النهر الخالد و الأبدي . .

أنه حقا حب فريد بصموده المجيد أمام مسافات البعاد و أزمنة الغياب .

فوجد نفسه يهتف بصوت خافت و بهيج :

ــ مرحى لك يا حبي الجميل والخالد النبيل !..

حقا أن أروع الرغبات و أجملها تلك التي لم تتحقق بعد !.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here