ريخترك “العقلي الخّلاق لقياس هزات ومفاجآت السياسيين في العراق !

احمد الحاج

واحدة من أخطر مآسي العراقيين اليوم تتمثل ببعد المئات من السياسيين وأحزابهم ” عن الضمير ، عن الوطن ، عن الشعب ، وقربهم من أميركا وايران ” هذا البعد والقرب المتواصل بالتبادل هو بمثابة ألة تفقيس شبه يومية للمفاجآت وإحداث الزلازل والهزات ولعل إنتشار تسجيل صوتي يفضح مفاوضات بين مرشح للانتخابات وبين نائبة سابقة للتوسط بشراء مقعد نيابي عن طريق شركة أجنبية على علاقة باﻷخيرة بإمكانها ضمان 5 الاف صوت إنتخابي مقابل 250 الف دولار – بلا صناديق ، بلا إقتراع ، بلا دعايات ، بلا بطيخ – ما دفع مفوضية الإنتخابات الى رفع دعوى قضائية ضدهما وكأنها إكتشفت أسرار مثلث برمودا ، فيما كذب – المرشح – التسجيل وعده مفبركا ، بينما سطحت بعض اﻷوساط السياسية المسألة وكأن شيئا لم يكن بطريقة – عااااااتي، شركة أجنبية تؤمن اﻷصوات الإنتخابية العراقية بـالدولار ، شنو يعني !! ﻻ يابو، كلشي ما كو ..والسؤال هنا ، أين كان هذا التسجيل مخفيا ومن الذي سربه اﻵن بعد خروج من خرج من العملية السياسية وتشكيلة الحكومة الحالية ولماذا لم يسرب قبل تشكيلها ، هل كان المسَرِب ينتظر الفوز والظفر بالمنصب فلما خرج مذموما مدحورا أخرج ما بجعبته من أسرار على طريقة الدولة العميقة تحت شعار ( لو ألعب ..لو أخربط الملعب ) ؟ اﻷغرب أن وسائل الإعلام – مخبوصة – وكأنها عثرت على وحش بحيرة نيس ووقعت على أسرار التحنيط عند الفراعنة ، وكأنها لاتعلم شيئا عن تزوير اﻷصوات وإستبدال الصناديق وشراء البطاقات والذمم وعقد الصفقات منذ عام 2003 والى اﻵن ..وليت اﻷمر إنتهى عند هذا الحد بل تعداه الى أن خرج علينا مرشح وزارة النقل في الكابينة الجديدة ليعلن عدم علمه بالتشريح إلا من خلال وسائل الإعلام وأنه يطالب البرلمان بالإعتذار لما تعرض له من حملة تشهير كبرى بعضها من نواب ولما يتسنم حقيبة الوزارة بعد ما أضر بسمعته كثيرا !!

حقا ما أعمق العبارة التي أطلقها رئيس المكسيك اﻷسبق ، الجنرال ” بورفيريو دياز ،برغم ديكتاتوريته من باب ( الشيطان يعظ ) والتي لخص من خلالها وبنصف سطر مأساة بلاده ، حين قال ” مسكينة هي المكسيك، لبعدها عن الله ،ولقربها من الولايات المتحدة !” فأستقال من منصبه بعد 30 عاما قضاها في الحكم الدموي بعيدا عن الله ومن ثم الشعب ، ولكن قريبا من دول الجوار وما وراء البحار على إثر ثورة عارمة قادها ضده الثائر الشهير ” زاباتا ” مدعيا أنه قدم استقالته لأجل سلام الأمة ليقلده في ذلك وبعد عقود طويلة ، حسني مبارك، في مصر ، زين العابدين بن علي في تونس ، علي عبد الله صالح في اليمن مع الاحتفاظ بدولهم العميقة Deep state وقوتهم الناعمة Soft power وكيانهم الموازي Parallel state ، وعلى الجميع أن يدرك بأن ليس كل من تنحى عن منصبه – بالجلاليق – أو بالصناديق قد أصبح خارج دائرة التأثير ، كما أن ليس كل من في السلطة ولو بالتسويات والمحاصصات والقصقوصات مؤثرا !

وما أدق ماقالته رئيسة وزراء الهند انديرا غاندي مختزلة مأساة بلادها بسطر واحد : ” لا يوجد في الهند سياسي شجاع بما فيه الكفاية ليحاول شرح أن الأبقار يمكن أكلها”، وذلك قبل إغتيالها برصاص حراسها الشخصيين من السيخ ثأرا ﻷحداث المعبد الذهبي عام 1984فيما ظلت اﻷبقار الحية من بعدها تعبد هناك ويغتسل ببولها شعبويا ويتبارك بروثها نخبويا ، ليرسل النافق منها ملوثا بالكلور الى فقراء العراق متحولا على موائدهم الى – تكة وكباب ولحم بعجين – ضغطا للنفقات بوجود الموازنات الإنفجارية !!

وما أصدق العبارة التي أطلقها الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية ، ابراهام لنكولن قبل إغتياله عام 1865 ، قائلا ” يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت ، وبعض الناس كل الوقت ، لكنك لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت” ،ولو أن لنكولن عاش الى يومنا هذا وجاء الى العراق بطائرة شبح ﻷدرك جليا بأن هنالك دولا بالإمكان خداعها طوال الوقت ﻻ لغباء متوارث فيها حاشا وكلا ، وانما لتعاقب الفتن عليها لدرجة جعل حليمهم طوال الوقت حيرانا ، مواطنهم المغلوب على أمره طوال عمره جائعا سكرانا ،خطيبهم المفوه عن قول الحق صامتا وجبانا ، سفيههم برغم آثامه التي لاتعد ولاتحصى على رقاب الناس أميرا وسلطانا !!

ﻻحظ أن ماقاله القادة الثلاثة إنما يلخص مأساة العراق حاليا ، إذ أن الإحتكام الكلي وغير المتزن الى عصبية (الطائفة ، القومية ، القبيلة ، الحزب ) كمراجع باتت أصيلة لادخيلة جعلت بمجملها من أحكام الشريعة الغراء والقانون خارج المنظومة كمؤثرين وضابطين لإيقاع الجماهير وحركتهم اليومية بمختلف مناحي الحياة ، فيما تقودهم حاليا ومنذ 15 عاما العصبيات الرباعية اﻷنفة ” ديماغوجيا ، ودوغمائيا ، وغوغائيا ” الى حتفهم ، ناهيك عن إن موقع العراق الجغرافي وقربه من امبراطوريتين آفلتين تطمحان بإستعادة مجديهما الغابرين ” الصفوية والعثمانية ” وارتماؤه بأحضان ثالثة حية صائلة ( اميركا ) ورابعة عجوز شمطاء عن طريق الحق مائلة ( اوربا ) وخامسة – زرق ورق- كما وصفها عبعوب ” دول الخليج ” تريد أن تنهض وسط الصحارى استهلاكيا ، ﻻنهضة انتاجية ، صناعية ، زراعية ، عسكرية حقيقية ودائمية ، تضمن لها البقاء على قيد الحياة مابعد النفط الزائل قريبا ، كل ذلك حول العراق الى قصعة مباحة للجميع يتداعى على ثريدها اﻷكلة متى شاؤوا ومن كل حدب وصوب !

ويتصدر ذلك كله عدم قدرة – أو رغبة – أي من ساسة العراق وأحزابه على قول الحقيقة كاملة من غير نقصان وﻻ رتوش ، أن “يا شعب العراق ، إن أرضكم ومياهكم و نفطكم وغازكم وآثاركم وخيراتكم وخبراتكم إنما هي ملك وحق لكم لا لغيركم وقد باتت اليوم محرمة بجميع مكوناتكم عليكم ،حلال لسواكم من أصدقائكم وأعدائكم ، فهل تريدون الإستمرار بهذا الذل والهوان الكلي الى مالانهاية ، أم ﻻ ؟! ” فيما جميع الكتل واﻷحزاب في العراق – قومية ، طائفية ، دينية ، يسارية ، علمانية- تطبق ما حذر منه لنكولن من قبل ” خداع كل الناس أو بعضهم ، كل الوقت أو بعض الوقت ” مع إيجاد مخرج لكل مأزق في حال إفتضاح الحقيقة بالإتفاق فيما بينهم لتقاسم الكعكعة وذلك عبر خدع تشكيل اللجان التحقيقية ، الاحالة الى النزاهة ، التذرع بأن الظروف لاتسمح بالمحاسبة حاليا ،حرق المؤسسات والطوابق المخصصة للعقود ،إفتعال اﻷزمات والمشاكل الجانبية لتعمية اﻷبصار والهروب الى أمام ، الفرار الى خارج العراق بالجنسية الثانية التي لم تسقط ولن يتم إسقاطها عنهم لهذا الغرض ، العزل من المنصب على إستحياء بالتوافق والإتفاق عند اشتداد اﻷزمات ، أو تقديم الإستقالة – الكارتونية – كصكوك غفران في اللحظات اﻷخيرة مع المراهنة على تتابع الفتن التي ينسي بعضها بعضا لمحو مفاسدهم من الذاكرة الجماهيرية ، كل ماتقدم حَول الشعب الى لقمة سائغة طيلة عقد ونصف من الزمن لم نسمع خلالها بمحاسبة فاسد واحد ، اعتقال مفسد واحد ، مصادرة أموال عابث بمقدرات الشعب واحد ،حجز أمواله المنقولة وغير المنقولة ، و كلهم حاليا إما خارج العراق يتنعمون هم وأحفادهم بأمواله المنهوبة ، واما بداخله يواصلون إستغفال الشعب وتحويله ﻷجل مصالحهم والدول التي تدعمهم وترعاهم الى ألعوبة ، ماخلا النزر اليسير منهم كي لانظلم الشرفاء منهم بالتعميم ، وحتى عندما يتظاهر هذا الشعب مطالبا بحقوقه المشروعة فإنهم سرعان ماسيركبون موجة تظاهراته ويجيرونها لصالحهم سياسيا كما في كل مرة أو يعملون على تشويهها ، ورب سائل يسأل ولكن كيف لنا التمييز بين الغث والسمين ، وماهو معيارنا الريختري لقياس قوة الزلازل والهزات السياسية والمجتمعية المتتالية ، الحالية والمستقبلية ، اذا ؟وأقول :

اذا ذهبت أموال نفطكم وغازكم وفوسفاتكم وكبريتكم الى السياسيين ..

وأموال مصانعكم الى المقاولين …

واموال مزارعكم الى الاقطاعيين ..

وأموال تجارتكم الى المحتكرين …

وأموال مصارفكم الى المرابين ….

وأموال تعليمكم الى المدارس الكرفانية والطينية وللمدرسين الخصوصيين ..

وأموال جمارككم وموانئكم الى الإنتهازيين والمهربين …

وأموال ديمقراطيتكم مع اصواتكم الانتخابية الى المزورين ..

وأموال انتسابكم العشائري والقبلي الى الفاصلين و المفصولين ..

وأموال خمسكم الى غير المستحقين بوجود من هم تحت خط الفقر بمعدل 10ملايين ..

وأموال تقاعدكم الى الادوية والنت والمولدات السحب وكارتات الشحن وجيوب المؤجرين ..

وأموال استيرادكم وتصديركم الى الفاسدين المتنفذين …

وأموال وفاتكم الى الخطاطين و المغسلين والمكفنين والدفانين والمجصصين والى قاعات المآتم المخصصة للمعزين والى الولائم للمحزونين – وثلاثة أرباعهم من الكاذبين – والى الناعين واللطامين والى الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا من المقرئين ..

واموال أفراحكم الى قاعات الاعراس والصعادات والاطلاقات والعزائم والهدايا للمحتفلين والراقصين ” العرسان2، والرواكيص 2000″ ..وتصفيف الشعر وتجميل الوجه وتغيير الخلق والبدكير والمنكير..والتاتو والبيرسينغ والعدسات الملونة والباروكات والشفط والتنحيف والمساج عند الحلاقات والحلاقين ، المدلكات والمدلكين ، المحليين و الصينيين …

وأموال زكاتكم وصدقاتكم – كل سنة مرة حرام تنسوي بالمرة – الى المتسولين من دون المتعففين والمحتاجين والنازحين ..

واموال موازناتكم المليارية الى الدعايات الانتخابية و اﻷجهزة البايومترية والبطاقات والباجات والمراكز والمراقبين والمتابعين والموظفين للحملات المحلية منها والبرلمانية ، فضلا عن الانتخابات الكردستانية وربما غدا العربية والتركمانية ..الى مواكب ورواتب وحمايات ومقار اﻷحزاب والمسؤولين في الدولة هباء منثورا هكذا – بدون وجع قلب – فلابد من أن يبقى الوضع على ماهو عليه حتى إشعار آخر ..وظل صيح بقهر ياريل !

وﻻبد من انقلاب على الواقع البائس والعادات والتقاليد البالية علاوة على المستوردة التي لا اصل لها في القانون ولافي العرف الحسن وﻻ في الشريعة الغراء وهذه مسؤولية نخبة المثقفين والإعلاميين واﻷكاديميين فضلا عن الشرفاء من السياسيين ..وبغيرها ﻻ ورقة استقالة زهدا بالمنصب في الجيب تنفع ، وﻻ مؤتمرات لمكافحة الفساد ترقع ، وﻻ خطب لمحاربة الفاسدين تدفع ، وﻻ كتل سياسية بأسم “الاصلاح” تكبس ، وﻻ أخرى بإسم “البناء” ترفع ، وقل الحق ولو على نفسك ودع شمس الحقيقة والحرية وﻵول مرة في سماء العراق تسطع ” وخل كاس النصر يلمع وعيونهم تدمع ” . اودعناكم اغاتي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here