فلامنكو العراق .. قصة قصيرة

على حين غرة حط العشرات من طائر الفلامنكو على تلك البقعة الصغيرة التي يحيط بها الماء من كل جانب بعد أن أنهكتها الهجرة، على غير عادة الطيور لم يسبق لها ان وطئت مثل هذا المكان، لعل بوصلة الزمن قد أدارت خط سيرها كما فعلت به وقد شاركته البراغيث والبق مسيرة حياته، كونه كان بحكم البيئة والفقر معارضا للنظام…. عفرت بالطين ايامه وجهها عليه، أضاعت ملامح باتت كتل أورام متغيرة الشكل في كل موسم، رائحة المياه، دخان إيقاد تنانير الخبز تصفع براعم أنفه، فلتلفاه كمدمن على الافيون، يسارع الى حيث يجذبه رائحة الدخان طالبا قرص خبر او أكثر لإشباع جوعه، من جاوره يعلم بحاله، العديد حين سئلوا عنه قالوا من كثرة التعذيب فقد عقله، يخافه من لا يعرفه من ردة فعله الغير مسبوقة، هزيل، رث الملابس، لا يستر عورته بأي من الملابس الداخلية، كان هذا ما يسبب الحرج للكثير ممن يروه يسبح في مياه الهور، تَحَدَث معه بعض الجيران ممن عرفوه في السابق، لم ينصت إلا لصوت بداخله يسامره كثيرا في خلوته الطويلة الى جانب مياه الهور..
أستغرب! من منظر تلك الطيور التي حملت أخبار أجواء مدن و وجوه تحت جناحيها الجميلين، أحاط بمنقارها السواد قال في نفسه: لعلها حزنت كونها لا تستطيع البوح بالحقيقة أو إنها لا تستطيع إخباره في زمن ما شاهدته وهي محلقة بعيدا، بأن من احبها ماتت.. لا بل تركته وتزوجت غيره حين كان بين فكي الموت يدافع عنها وعن وجوده في الحياة كما قيل له.. دفع وغيره الكثير من أعمارهم، أمانيهم بسبب فكرة و وعد كاذب، هاهم من كانوا في مراكز القيادة قد تسلقوا الجدران الخضراء، تركوه كبقايا روث جاموس مشمئزين منه، ذلك ما لمسه حين شاهد مرة مسئول حكومي يزور الاهوار وقد تعرف عليه، جرى مسرعا نحوه ينادي عليه بأسمه الحركي الذي يتداوله آنذاك، لكن سرعان ما أشار الى حمايته كي يدفع به بعيدا كأنه ميكروب معدي بعد أن تعرف عليه.. قال للناس: إنه كان جبانا لقد انقذت حياته، بل كان لا يعمل إلا برفقة جلاد الموت كظل ليخفي جبنه، ذاك الذي يقتل ويعدم الكثير ممن وقعوا بين ايديهم.. إن ما تلقاه من إهانة كان أصعب عليه وأهون لو تلقى بدلا عنها رصاصة الرحمة… إقترب من طيور الفلامنكو التي تحركت بعيدا لكنه أخذ يتمتم بصوت لها كأنه يقول: لا تخافي فحالك مثل حالي جبتِ الكون و عدتِ حيث بوصلة الحياة وحركة الزمن، فكل شيء بدأ من هنا النشئ، الرسالة، الحياة، الموت، الكبرياء، الفساد، القتل والجريمة.. من هنا طلب اللجوء الحرف الأول، من هنا قال الله للمخلوقات بعد أن كون دجلة والفرات… وجعلنا من الماء كل شيء حي، هنا البداية ولاشك ستكون هنا النهاية، فعالمنا مستدير، سيلتقي الابيض والاسود، كما الموت والحياة، لم أشاهدك عن قرب كما الآن، لكني خبرت طيور بيئتنا، إنها مثلنا غبراء لونها يميل الى السواد او الرمادي الداكن او الأخضر المسود كطيور الخضيري… عجيبة هي البيئة التي لا تعي الحياة فيها إلا سوادا وحزنا، فكما أرى بلونك الزاهي الجميل أيها ( النحام ) قد كممت فمك بالسواد، ترى هل هو حزنا على ماض تولى؟ أم على بؤس تشعر به وأنت ترى ان فصيلتك قد وقعت بين يدي من يدعون الرحمة والدين سلاما ورقي، ذبحوك!! استساغوا لحمك كما الأغنام البقر والجواميس والداجن من الحيوانات وحتى البشر، لا تستغرب فنحن نكاد نهجر الإنسانية، نستظل بالهمجية المغروسة في مستنقع الدين الآسن، لا عليك أنت في مأمن ما دمت على الرقعة التي أعيش فالسلطة هنا لي… ههههههههه يا لجنوني!!!؟ لقد بت صاحب ملك عائم لا أدري كيف سمحت لنفسي قول ذلك؟ لعل ما يقوله العجوز برهان عن أن السلطة تغير النفوس ما أن تشعر بمسك أذيالها الوسخة، ها انا أشعر بنفس ما قاله.. القصد أني سأحميك من أي نفس تريد النيل منك.. هيا اترعي هنا مالذ لك من الاسماك الصغيرة او حتى الكبيرة، فالخير كثير للقاصي والداني الغريب وليس القريب أو إبن الدار.. يا الله كم أنت محظوظ يا نحام حيث يمكنك الطيران والهجرة دون حاجة الى جواز سفر او تأشيرة بختم يثبت أنك مهاجر، أو لاجيء، حيواني كنت أم إنساني، او سجين سياسي، مجاهد بالإسم المستحدث، على فكرة هل منكم من جاهد وسجن كونه دافع عن قضية أنكم من الطيور النادرة التي مهددة بالإنقراض؟ أقول ذلك كونكم تشبهون وطني المهدد بالإنقراض على أيدي دخيلة كثيرة، منها الوطنية ومنها المتحزبة ومنها العميلة، ومنها صاحبة الدار ناهيك عن دول الجوار، ما هذا الوطن الذي كل من يمسك بزمام سدته يعمد على قتل العطاء والخير، الشرف والغيرة؟ يسارع الى الفساد حيث مناصب السيادة المهينة بعنوان تحزبي او عمالة أو ولاء… خَبِلٌ أنا أليس كذلك؟؟؟ لعلك أيها النحام قد جزعت، صدعت رأسك بترهاتي، غير أني أقسم لك أني لا أتحدث مع احد سواك والهور، حتى الأسماك نقلت نفسها، رحلت عن مكاني بسبب شكواي الكثيرة كإمرأة عجوز لا هم لها هو مناكفة زوجة إبنها الوحيد، حالة ميؤس منها حالتي أراك مثلي… أنظر كيف يتطافر على فصيلتك الناس؟ يصطادونكم من أجل المتعة والمال سيبيعونكم، بعد ان يذبحونكم، كما باعوا أبناء جلدتنا بمسميات ذبحونا بإسم الله أكبر الموت للكفرة… غريب!!! جميعنا نبعد الله كل بطريقته كما تفعلون أنتم أيتها الأمم الطائرة منكم والزاحفة، المائية والتي نبتت على الأرض، نُسبح كما تُسبحون، نُؤمن كما تُؤمنون بالخالق الواحد، غير أن ضباع حقبة جهل ما قبل الإسلام وخنازير غرب، برعا في بسط الورود فوق مياه المستنقعات تلك التي تجذب الذباب من العرب… يسارعون للذة، يفتقدون الإيمان، عذرا لا ضيافة عندي هو هم اشكيه لك، فأنا لا شيء عندي أقدمه سوى أن اعطيك الأمان المؤقت حتى ترحل بسلام إن استطعت وفرة ذلك، هذا كل ما يمكنني فعله لك، فأنت ترى حالي أردأ من حالك، كم ود لي وأتمنى أن أركب على جناحيك للخروج من بيئة فاحت رائحة الموت الذي يسكن تحت أبطها النتن المليء بالصنان البشري.. بحجة مزيل رائحة…
الفلامنكو: النحال أسم افتقدته لكن لا يغير من هويتي، أما أنت فقد ضاعت هويتك منذ زمن بعيد، فُمِلتكم موسوم عليها ان تكون ملعونة بعدة مسميات، فقدتم الجوهر وتمسكتم بالشعوذة، مقيتة حياتكم رغم أنكم على الحق، لكن النفاق يا هذا.. النفاق الرياء هو من يحرككم، يستخدمونكم كورق التواليت استعمال لمرة واحدة وهناك العديد منكم يُستَخدمون لمسح مؤخرة المسئول بل يلعقونها رغبة في منصب، إنهم فاقوا العوالق بالمسمى والطحالب تجنوا عليها، جبتُ العالم، شاهدت ملل وطوائف بها المختل وأشد كفرا، لكن مثل ملتكم لم أشاهد، قد عبرت مرة في زمن ما فوق أرضكم، رايت ما دعوت الله أن لا اطئ هذه البقعة الحمراء السوداء، فبرغم عرقا الحياة فيها إلا أن ابليس قد بنى بينكم لنفسه ألف ألف بيت، بل أنجب العديد من الشياطين همهم قتل النفوس بغير سبب أو حتى بسبب، أوعز الى من سميتموهم ساسة او رجال دين، فالجميع مشارك في قتل الإنسانية، إن ما فيكم هو من جعل الله يسلط عليكم… أدعو الله أن لا يطيل بي المقام هنا في وطن شممت وأنا في السماء رائحة الموت وما يحيط بها من نشيج ثكالى، وجوه يتامى، جنون أنتم تعيشون في عش الدبابير.. اللعنة ستلاحقكم جميعا دون استثناء، سيكون انقراض الدين هو البداية فحال ما يسحقون قيم الله بمسميات دين تلقبون بها أنفسكم ستكون الهاوية التي انتم في منتصفها… لا استطيع البقاء سأرحل قبل ان تطالني أيدٍ لا تستطيع ردها عن أذيتي وقتلي كونك من البؤساء في زمن فلامنكو العراق.

القاص والكاتب/ عبد الجبار الحمدي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here