ترجمة: هاشم كاطع لازم – أستاذ مساعد – لغة أنكليزية وترجمة – كلية شط العرب الجامعة – البصرة
لماذا التفكير النقدي
التفكير صفة لصيقة ببني البشر وهو جزء من طبيعتنا العامة. غير أن الكثير من تفكيرنا يتسم بالتحيز والتحريف والجزئية والمحدودية أو الأصطفاف التام مع جهة ما. مع ذلك نلاحظ أن مايميز حياتنا وما نقوم بأنتاجه أو عمله أو وضع أسسه يعتمد كثيرا على نمط تفكيرنا. من هنا نرى أن التفكير غير السليم يكلف صاحبه الكثير سواء تعلق الأمر بالمال أو نوعية الحياة. وعليه لابد أن نهتم كثيرا وبشكل منتظم بالتفكير النقدي.
تعريف التفكير النقدي
التفكير النقدي هو ذلك النمط من التفكير الذي يتعاطى مع أي موضوع أو محتوى أو مشكلة ما حيث يقوم الشخص المفكر بتطوير نوعية تفكيره من خلال التحليل والتقويم وأعادة التنظيم ببراعة. ومن سمات التفكير النقدي الأخرى التوجيه الذاتي والأنضباط الذاتي والمراقبة الذاتية والتصحيح الذاتي. وهو يفترض مقدما القبول بمعايير الجودة الصارمة والتحكم الواعي بأستخدامها، كما أنه يقتضي قدرات التواصل الفعال وحل المشاكل فضلا عن الألتزام بالتغلب على الأنانية أو التطرف في طرح الآراء.
تحليل التفكير
يهدف مثل هذا التحليل الى تحديد هدف التفكير وطرح التساؤلات ذات الصلة بالقضية المعينة أضافة الى المعلومات والأستنتاجات والأفتراضات والمضامين والمفاهيم الرئيسية ووجهات النظر.
تقييم التفكير
لابد من تدقيق التفكير من حيث الوضوح والدقة والصلة بالموضوع والعمق والشمولية والأهمية والمنطق والسلاسة.
النتيجة
يقوم المفكر النقدي المتمكن بالآتي:
يطرح أسئلة ومشاكل مهمة وبشكل واضح ودقيق.
يجمع المعلومات ذات الصلة ويقوم بتقويمها مستخدما الأفكار المجردة سعيا وراء تفسيرها بشكل فعال.
يتوصل الى استنتاجات وحلول عقلانية تماما ومن ثم يقوم بأختبارها وفق المعايير المناسبة.
يفكر بعقلية منفتحة ضمن أطار أنظمة التفكير البديلة ومن ثم يعمل على تمييز أفتراضاتها ومضامينها ونتائجها العملية وتقييمها حيثما أقتضت الضرورة.
يتواصل بفاعلية مع الآخرين بهدف أيحاد الحلول للمسائل المعقدة.
التفكير النقدي: أصل الكلمة وتعريفها القاموسي
ترجع جذور مفهوم التفكير النقدي الى الحضارة اليونانية القديمة ، فمفردة (نقدي) critical مشتقة من جذرين يونانيين هما kriticos وتعني (يميز الحكم أو القرار) و kriterion وتعني (المعايير) ، لذا فأن أصل هذه الكلمة وتاريخها يتضمن تطوير (تمييز الأحكام المستندة الى معايير معينة). ويورد قاموس ويبستر Webster’s New World Dictionary معنى العبارة بالآتي:(التمييز بالتحليل والحكم الدقيق) ، ثم يشير الى أن مفردة critical (بمعناها الدقيق جدا تتضمن السعي للتوصل الى أحكام موضوعية بهدف تحديد حسنات الشيء وسيئاته). تأسيسا على ذلك يمكن تعريف التفكير النقدي على أنه ذلك التفكير الذي يهدف بكل وضوح للتوصل الى الأحكام الراسخة أستعانة بالمعايير التقييمية المناسبة لبلوغ أستحقاق الشيء وميزته وقيمته الحقيقية.
أن البحوث التي أجريت حول التفكير النقدي تشير ألى أن التفكير الأنساني أذا ماترك لحاله فأنه ينجذب نحو التحيز والمبالغة في التعميم والمغالطات المألوفة وخداع الذات والتصلب وضيق النظر. ويسلك التفكير النقدي سبلا تهدف الى فهم العقل ومن ثم تدريب الفكر بحيث يتم تقليص (الأخطاء) و (الخطاء الفاضحة)و (التحريفات) ذات الصلة بالفكر الى الحد الأدنى. ويفترض أن قدرة البشر على التفكير السليم يمكن رعايتها وتطويرها من خلال عملية تعليمية مخطط لها بعناية لتحقيق مثل هذا الهدف.
وتاريخ التفكير النقدي يوثق تطو ر هذا الفهم العميق في ميادين معرفية مختلفة وكذلك مواقف أجتماعية متباينة. وقد تم تخليد مختلف جوانب التفكير النقدي في الحوارات والجدل الفكري طيلة 2400 سنة من التاريخ الفكري. وهذا التاريخ يميز بين توجهين فكريين متعارضين أولهما توجه يميز الغالبية العظمى من حيث قبول أية فكرة ينظر أليها بأعتبارها حقيقة أبدية دون أي نقد أو تمحيص ، وثانيهما توجه القلة القليلة (التي يفكر أفراده نقديا)أزاء طرح التساؤلات بشكل منتظم حول مايمكن قبوله على نحو عادي ووضع معايير فكرية تأملية أكثر عمقا ووضوحا لبلورة أحكام تخص الأمور ذات المعنى وخلافها والتي يتم قبولها بأعتبارها حقائق.
أن مفهوم التفكير النقدي بسيط في جوهره لأنه يولي في الأساس أهتماما خاصا بالعقل. وقيمة مثل هذا التفكير أمر بسيط أيضا فأذا كان بمقدورنا الأهتمام بعقولنا فأن ذلك يعني بالضرورة اهتمامنا بحياتنا من خلال تحسينها والتحكم فيها وتوجيهها الوجهة التي نريدها. ويتطلب مثل هذا الأمر تعلّم الأنضباط الذاتي ودراسة السلوك الذاتي للأنسان الأمر الذي يقتضي الأهتمام بالكيفية التي تعمل عقولنا بموجبها وكيفية التحكم بعملياتها سعيا وراء الأفضل فضلا عن تكييفها وفق أحتياجاتنا الحياتية. ويتضمن ذلك أيضا التعود على دراسة أنماط تفكيرنا الأعتيادية وغير الأعتيادية والعمل وفق كل جانب من جوانب حياتنا.
أن كل مانفعله يستند الى بعض الحوافز أو الأسباب لكن من النادر أن نعمد الى مراجعة حوافزنا لنتبين مدى صحتها ، كما يندر أيضا أن نتفحص الأسباب من منظور نقدي لنتأكد من أنها مبررة من الناحية العقلانية. ونحن بصفتنا مستهلكين نقوم في بعض الأحيان بشراء بعض الأشياء بأندفاع ودون تمييز دقيق دون أن نقف ونحدد ماأذا كنا بالفعل نحتاج لمثل تلك المشتريات أو ماأذا كنا بالفعل نمتلك المال الكافي لشرائها وماأذا كانت مفيدة لصحتنا وماأذا كان السعر مناسبا. ,نحن كأولياء أمور كثيرا مانتعامل مع أولادنا على أساس رد الفعل السريع دون روية لكن دون أن نفكر أذا كانت مثل تلك الأقعال تنسجم مع الكيفية التي ينبغي التعاطي بموجبها مع الأبناء وماأذا كنا نسهم في مجال أحترامهم لذواتهم وكذلك ماأذا كنا نثبط هممهم من خلال أبعادهم عن التفكير أو تولي مسؤولية سلوكهم الشخصي. وبصفتنا مواطنين نعمد في الغالب الى التصويت في الأنتخابات بشكل متعجل دون تمحيص ودون أن نأخذ الوقت الكافي للأطلاع عن كثب على القضايا والأمور ذات الصلة دون التفكير بالمضامين بعيدة المدى لما يتم طرحه دون الأنتباه لما يبدر من السياسيين من مداهنة وتملق أو وعود فارغة وغامضة. ومن خلال صداقاتنا غالبا مانصبح ضحايا لأحتياجاتنا االصبيانية و(الارتباط) مع أشخاص نكتسب منهم أسوأ الأشياء والذين يحفزوننا للعمل وفق أساليب وطرق كنا نسعى لتغييرها. وغالبا مانفكر نحن الأزواج أو الزوجات برغباتنا أو وجهات نظرنا فحسب ونتجاهل دون تمحيص حاجات رفقاء حياتنا وأرائهم ونفترض أن مانرغب به أو نفكر به أمر مبرر وصحيح بكل وضوح وأنهم حين يختلفون معنا فأنهم يصبحون غير عقلانيين وغير منصفين.
ولدى أصابتنا بالأمراض فأننا في الغالب نغدو سلبيين وغير مهتمين بوضعنا الصحي من حيث عدم التقيد بعادات صحية في الطعام وممارسة الرياضة وعدم التساؤل عن مايقوله الطبيب وكذلك عدم وضع خطط مناسبة لصحتنا والألتزام بها. ومن خلال عملنا في التدريس فأننا نقوم دون تمحيص وتمييز بتدريس الطلبة بالطريقة ذاتها التي درسناها من قبل ونكلف الطلبة بواجبات ربما لاترقى الى أهتمامهم وميولهم وربما نثبط هممهم ولو بشكل غير متعمد بخصوص روح المبادرة والأستقلالية ونضيع الفرص المناسبة للأهتمام بأنضباطهم الذاتي وعمق تفكيرهم.
ومن المحتمل تماما و(الطبيعي) ايضا أن نعيش حياة تفتقر الى التدقيق والتمحيص وأن نعيش الى حد ما بشكل تلقائي أو بعيدا عن المتابعة الدقيقة. ومن المحتمل أن نعيش ايضا دون تحمل مسؤولية أنفسنا ودون تطوير المهارات والفهم العميق اللازم للتعاطي معها. أننا أذا سمحنا لأنفسنا بأن نصبح أشخاصا طائشين وبعيدين عن التفكير الصحيح فأننا سوف نلحق الأذى بأنفسنا فضلا عن أيذاء الآخرين ونضيع الكثير من الفرص في بناء حياتنا وحياة الآخرين وجعلها أكثر ثراء وسعادة وأنتاجية.
تأسيسا على ذلك نرى أن التفكير النقدي يمثل الى حد كبير هدفا عمليا وقيمة، وهو يرتكز على فكرة يونانية قديمة سامية (ممارسة حياة خاضعة للتمحيص) ، وهي تعتمد كذلك على المهارات والفهم العميق والقيم التي تشكل جوهر مثل ذلك الهدف وتمثل منهجا للعيش والتعلم مع طلبتنا وتعيننا على نحو عملي. وأذا ماتم تبني مثل هذا الأمر بشكل جدي فأنه سوف يؤدي الى تغيير كل جانب من جوانب حياتنا الدراسية: في كيفية وضع القوانين وكيفية توطيد علاقتنا مع الطلبة وفي كيفية تشجيعهم على ترسيخ العلاقات في مابينهم وكيفية الأهتمام بقرائتهم وكتابتهم وتحدثهم وأصغائهم ومانضعه لهم ليسترشدوا به داخل قاعة الدرس وخارجها.
حري بنا اذن أن نجعل من التفكير النقدي قيمة أساسية في المدرسة أوالكلية بعد أن نضفي عليه مثل هذه القيمة في حياتنا الخاصة. من هنا يتعين علينا أن نمارس التفكير النقدي التأملي في حياتنا اليومية وكذلك حياة الناس الآخرين وبعدئذ يكون بمقدورنا أن نصبح حاذقين في التدريس وبخاصة التدريس المستند الى التفكير النقدي. علينا أذن أن نكون فاعلين ونشيطين وممارسين يوميا للتفكير النقدي. كما ينبغي علينا أن نكون مثالا يحتذى به لطلبتنا حول ماينبغي دراسته بتمعن وتقييمه من وجهة نظر نقدية وماالذي ينبغي فعله لتحسين نمط حياتنا على نحو فعال.
http://www.criticalthinking.org/pages/our-conception-of-critical-thinking/411
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط