مفارقات عراقية مؤلمة للغاية:

كثيرة هي المفارقات التي لا تشبه بعضها بعضا .. حتى سميّته ذات يوم ببلد الجهل و المآسي و النكوص و آلسحر و الشعوذة و آلخيانة و نكران الجميل و الأرهاب بكلّ تفاصيله و عناوينه و على كلّ صعيد .. و فوق ذلك كلّه؛ الفساد الرسميّ الذي شارك في تقنين الكثير من قوانينه الشعب نفسه للأسف عبر البرلمان و الحكومة و القضاة بقيادة الأحزاب الجاهلية التي تعبد كل شيئ إلا الله فهو آلغائب الوحيد بينهم!

في العراق يوجد من أمثال صدام الكثير ويؤيده معظم الشعب العراقي إن لم أقل كله!

و في مقابل الصداميين يوجد الصدريون أمثال محمد باقر الصدر و لكن لا يؤيده من القلب ربّما عراقيّ واحد ..

في العراق فساد عظيم وصل صداه و مداهُ السموات السبع و لا من معارضة جدية من أحد .. و في المقابل تَدَيّن عظيم لكن في الخفاء قد لا يسمع به حتى الجيران ..

في العراق الأخ يخون أخيه و الأخت تخون أمها و الأب يخون إبنه و الجيران يخون جاره وووووو …..إلخ!

في العراق جيوش من المنافقين على كل صعيد؛ في الجيش؛ الشرطة؛ الأمن؛ الجيش الشعبي؛ الطلائع؛ ألفتوة؛ الدوائل الحكومية؛ الوزارات, و في كل مكان حيث كان الشعب يحتال من أجل وظيفة يحصل على راتب حرام من أولاد الحرام!

مقابل هذا الفساد العظيم .. وجدت ثلة مؤمنة .. فقط (ثلة) قليلة من المؤمنين الذين أقسموا على الشهادة, لأننا حين كنّا نُفاتح أحداً لدخول تنظيمنا كنا نقول له: [إقرأ الفاتحة على نفسك من الآن] لأننا وسط كل هذه المآسي نُقاتل و نحارب في مواجهة غير متكافئة أمام تلك الجيوش التي لا تعرف بدايتها و لا نهايتها و الكل يتنافس لكتابة تقرير أو القيام بهجوم ضدّنا للترقية الحزبية أو الوظيفية و كما كان جيش يزيد يفعل مع أصحاب الحسين(ع) أو من كان يحب الحسين(ع)!

وصل الحال معنا إلى أننا لم نكن نطمئن و نثقّ حتى بأولياء أمورنا أو إخواننا بسبب حبّهم للدنيا و تكالبهم على الأموال و الشهوات و كما هو الحال الآن .. حيث يتثاقل فيه الصديق حتى من مشاركة موضوع فكري مع أصدقائه للتوعية و التثقيف ..

في العراق و إلى الآن يتوفّر فيه كل شئ .. إلا الرحمة و المحبة لله و في الله ..

في العراق متناقضات كبيرة و مشينة في نفس الوقت و منها و أنا الشاهد:

قصة ذلك المسيحي – المؤمن الذي آمن بعليّ إبن أبي طالب وفي وسط عاصمة الفساد و الجهل بغداد ..

و بآلمقابل أيضا شهدت براءة حتى الشيعة من ذلك الأمام المظلوم و في قلب العتبات المقدسة ..

و أكثر من ذلك شهدت حادثة كسرت قلبي و ما زالت تحزّ في نفسي للآن .. و أتذكرها بألم و حزن؛ حيث كنت أُدرّس أحد أقربائي كان تلميذاً في السادس الأعدادي و هو إبن خال والدتي المرحوم (…) بعد ما رجاني لتعليم إبنه حيث كان ضعيفا في الفيزياء و آلرّياضيات و لكونه مقبل على إمتحان البكلوريا .. و كنت كآلعادة بعد نهاية كل درس مجانيّ أقدم له حديثا أو مفهوماً إنسانياً مع بيانات فكرية كما أعطيته مرة كراس صغير ما زلتُ أتذكره للسيد فضل الله رحمه من سلسلة (مفاهيم إسلامية) .. و بعد إتمامي لتلك الدورة التعليمية تقريباً جائني والده (خال والدتي) في أمسيّة حزينة كحزن بغداد و الغربان من حولها تحوم في كل مكان و زاوية .. دخل غرفتي متعصباً و رمى الكراسة في وجهي قائلاً: ما هذا الذي أعطيته لإبني!؟

قلتُ له؛ يا خالي ما أعطيته إلا الخير والعلم و هذا كراس يُعلمنا دروس الحياة و الدِّين و الأنسانية, فما الحرام و الضرر و الفساد في ذلك.. فأنا علمته على طريق الخير و ليس طريق الخمر و المعاصي!؟

لكنهُ تعصّب قائلاً: علّمهُ طريق الخمر فهو أفضل لنا في هذا الوضع!؟

قلتُ لهُ لقد أخطأتَ العنوان .. و هذا هو طريقي و الحمد لله ..

و رغم إعتذاره الغير المباشر لما بدر منه بحقي .. لكني ما زلت أتذكر تلك المتناقضات المؤلمة..

و إليكم قصة حقيقية أخرى من بين القصص و المشاهد التي شهدتها بنفسي أيضا خلال سني السبعينات في القرن الماضي:

و عذراً لصراحتي التي ليست لها حدود .. للأسف:

لقد شهدت بنفسي في بغداد خلال السبعينات بآلاضافة لما ذكرت صاحب حانوت مسيحي بآلقرب من بيتنا يبيع المشروبات الروحية, و قد علّق قطعة مكتوب عليها مقولة حكيمة لعليّ الأعلى فيها حكم كثيرة عن الحياة و كنت بآلمناسبة قد حفظتها مسبقا و هي :

[إني ذقت الطيبات كلها فلم أجد أطيب من العافية ..

و ذقت المرارات كلها فلم أجد أمرّ من الحاجة للناس..

و نقلت الحديد و الصخر فلم أجد أثقل من الدَّين ..

و إعلم بأن الدهر يومان يوما لك و يوم عليك ..

فأن كان لك فلا تبطر و إن كان عليك فإصبر ..

فكلاهما سيُخسر ..]

و حين سألتُ ذلك المسيحي الطيب رغم عمله المنكر : [أنت كما أعرفك من سنين مسيحيّ و تبيع الخمر و لكنك وضعت مقولة لوصي رسولنا الكريم محمد(ص) وسط محلك هذا, فما معنى ذلك وكيف!؟

قال لي و قد حنى رأسه بتواضع و حياء: أنا صحيح مسيحيّ .. لكني أحبّ هذا الرجل العظيم الذي لم أسمع كلاماً فوق كلامه سوى في التوراة و الأنجيل و ربما القرآن …

فرحت و إبتسمت ولكني تأسفت في نفس الوقت على حال المسلمين أنذاك حين كانوا يلهثون وراء صدام و حزب البعث و غيره من أحزاب الجهل لا لشيئ سوى الموت .. و الأنحطاط و الفساد و الرذيلة و هدر الكرامة من قبل البدو الوحوش!

و هكذا كان حال العراق و لا يزال يحكمه الجهل و الامية الفكرية من قبل 400 حزب يريدون الحكم لأجل المال و الرواتب و النهب و الفساد.

الفيلسوف الكوني/عزيز الخزرجي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here