هل الشعب الليبي نادم على فعلته؟

الذكرى السابعة على سقوط نظام القذافي
بقلم: عبدالرحمن جعفر صاحب

تدفعني الكتابة في الشأن الليبي أسباب عديدة. صحيح أني عراقي في الأصل من أبوين عراقيين ولكني من مواليد ليبيا ومدينة الزاوية تحديداً. نشأت في تلك المدينة الجميلة وقضيت فيها أحلى أيام طفولتي، ولي فيها صحب أعزاء ترعرعنا سوية ولعبنا سوية. ورغم مغادرتي ليبيا في يناير 2011 مع والديَّ وأخواتي الثلاث وأستقر بنا الحال في مملكة النرويج إلا أن قلبي ظل معلقاً في ليبيا ومسقط رأسي مدينة الزاوية.
ومن الأسباب الأخرى التي جعلتني أن أكتب مقالاً عن ليبيا هي الظروف المأساوية التي يعيشها أهلنا في العراق وليبيا حيث قادتنا ديمقراطية الأمريكان من الدكتاتورية الى الفوضى والهمجية حيث سيطر الجهلة وتجار الطقوس الدينية على مقلدات البلاد.
قبل البدء في صلب الموضوع، سوف أحاول أن أكون حيادياً قدر المستطاع. لكن هل الحياد ممكن مع هكذا نوع من المواضيع؟ لنرى إن كان ذلك ممكناً؟.
في يوم 15 فبراير عام 2011 اندلعت احتجاجات عارمة بعد اعتقال محامي ضحايا سجن بوسليم المدعو فتحي تربل من دون إعلان سبب الاعتقال في مدينة بنغازي،عقبتها اشتباكات بين المحتجين وبين القوات الليبية المسلحة. في اليوم التالي ارتفعت وتيرة الاحتجاجات وارتفعت المطالب الى اسقاط النظام الليبي القائم. وتم استخدام الزجاجات الحارقة والاسلحة الخفيفة مما دفع القوات المسلحة لاستخدام السلاح لتفريق المحتجين.
في اليوم نفسه بدأت الاحتجاجات في الانتشار والتوسع ببقية المدن الليبية لتشمل جنوب وغرب البلاد أيضاً، وسقط أول قتيل في مدينة البيضاء، بعد ما فرقت القوات الليبية المحتجين وارتفاع سقف المطالب ورغبتها في إسقاط نظام العقيد معمر القذافي.
في نفس اليوم أيضاً في مدينة العجيلات تم إحراق مقر اللجان الثورية ومركز الشرطة المحلية والمصرف العقاري مما دفع القوات الليبية للاستمرار بتفريق المتظاهرين بالقوة. كانت حصيلة الخسائر بين المحتجين قد تجاوزت 400 بين قتيل وجريح.
وفي اليوم التالي، 18 فبراير تصاعدت وتيرة الاحتجاجات واشتدت على شكل انتفاضة شعبية مسلحة اندلعت للاطاحة بنظام القذافي. في المقابل كان معمر القذافي يخرج في خطابات كانت تحذر الليبيين من سيطرة ما سماهم “الجرذان” و “الخونة والعملاء” أعداء ليبيا. وفي المقابل كان مناصرو القذافي قد استمروا في مسيراتهم المؤيدة لزعيمهم.
كان القذافي متماسكا في خطاباته وطالب أنصاره بالزحف والقضاء على “الشباب الضائع” و “الجرذان” حيث اعتبرهم شباباً متعاطين للمخدرات ومجرمين. وبالفعل تمكن القذافي من اعادة السيطرة على بعض المدن الليبية بمناصرة مؤيدييه في الداخل وخصوصاً في مدن الغرب الليبي، بينما مازالت مدن الشرق تحت سيطرة الثوار المسلحين.
كانت المعطيات الأولية تشير الى سيطرة قوات النظام على الساحة الليبية والذي أخذ المتمردون يطلقون عليها تسمية (كتائب القذافي). كانت تلك الكتائب تزحف ببطئ وتسيطر على “زنگة زنگة” في العاصمة طرابلس والمدن الليبية الأخرى، لكن هذا الزحف لم يدم طويلاً، إذ تدخل حلف الناتو بعد أن أعلن السيد عبدالرحمن شلقم، مندوب ليبيا في الأمم المتحدة انشقاقه عن النظام وطلب من حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومجلس الأمن الدولي التدخل العسكري في ليبيا حقناً للدماء.
كان ذلك تحولاً كبيراً في المشهد الليبي من الناحية العسكرية، حيث كانت كتائب القذافي على مشارف بنغازي. وكانت بنغازي وضواحيها من أواخر معاقل الثوار المسلحين الليبيين، وكاد التمرد أن ينتهي، لكن مع القصف العنيف لليبيا من قبل حلف شمال الاطلسي (الناتو) تمكن الثوار المسلحون من التقدم تحت غطاء جوي وقصف عنيف أدى الى مقتل وجرح آلاف المدنيين حيث كان القصف يشمل مناطق سكنية كانت تشتبه بكونها مخازن تسليح تابعة للقذافي ومواليه.
كان أول رد من الزعيم الليبي فتح مخازن الأسلحة للشعب الليبي للدفاع عن نفسه ضد ما أسماه “العدوان الصليبي”. ولكن القذافي ومواليه لم ينجحوا في السيطرة على الوضع في ظل القصف الجوي العنيف من قبل الناتو وزحف الثوار نحو العاصمة طرابلس.
سقطت العاصمة طرابلس بأيدي الثوار المسلحين في يوم 28 اغسطس. واستمرت المعارك والاشتباكات في بقية المدن الليبية. وأخذ يبدو للعيان بأن زحف الثوار المسلحين كان سريعاً بينما كان مصير القذافي وعائلته مجهولاً. تقدم الثوار المسلحون ولم يبق عاصياً على الثوار سوى مدينة سرت معقل القذافي الأخير في المقاومة.
في يوم 20 أكتوبر من نفس العام، قصفت قوات حلف شمال الأطلسي موكب الزعيم الليبي معمر القذافي. أدى ذلك القصف الى جرح القذافي ومقتل وزير الدفاع الذي كان يرافقه اللواء أبو بكر جابر يونس وبعض من حراسه الشخصيين. وبعد وقت قصير تحركت سيارات تحمل الثوار المسلحين باتجاه موكب القذافي الذي تعرض للقصف وهي تعقب أثره.
عند وصول الثوار الى مكان القصف وجدوا القذافي مجروحاً والدم يسيل من رأسه. ومما زاد الطين بلة هو قيام الثوار بجرح القذافي وطعنه في بطنه ومؤخرته وفي مختلف انحاء جسده، وبضربات أدت الى وفاته.
في الجانب الآخر تم العثورعلى أبناء القذافي، سيف الإسلام القذافي والمعتصم بالله )الذي توفي وهو رهن الاعتقال بسبب جراحه البليغة(، بينما تمكنت بقية العائلة والمقربون من اللجوء الى الجزائر ومصر. بعدها تم اعلان قيام المجلس الوطني الانتقالي. هكذا كانت نهاية القذافي.
السؤال المطروح بعد سبع سنوات من سقوط نظام حكم القذافي: ماذا استفاد الليبيون من هذه الثورة؟
هل أن هدف الثوار اسقاط نظام العقيد القذافي لتحل بدله قوى الإسلام السياسي المتمرسة في القتل والسرقة؟
هل الديمقراطية الأمريكية أدت الى استقرار ليبيا وازدهارها أم العكس؟
وهل أن قوى وجماعات الإسلام السياسي قد ساهمت في تطوير وبناء ليبيا؟ أم إنها أسوة بالأحزاب الدينية في العراق حيث نهبت ثروات البلاد وأفقرت العباد؟
هذه الأسئلة جديرة بالإجابة في ظل المعطيات الميدانية السائدة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here