ضحايا البحر الميت، أحمد سليمان العمري

بسم الله الرحمن الرحيم

منفس الشمال ومدن الوسط حتى أقاصي الجنوب حيناً هو البحر الميت، فيه آيات الجمال بإطلالته البهيّة الآخاذة واللامعقول بالإستلقاء على سطحه وكأنه مرآة لا مياه وغور ولُجٌ عُباب.

غار حسنه ولهوه والسّمر والعبث وحضر الموت الأسود وجلجل ضجيجه ودويّ الصياح والصُداح وأُسدلت الحقيقة.

يعيش الشارع الأردني ومعه العربي فجيعة الخميس يوم 25.10.18 حين رحل عنا واحد وعشرون ضحية وآخرون حتى اللحظة مفقودون، جلّهم من الأطفال، غرّهم بهاء الطبيعة وألوان الخريف وغضاضة أشكاله من شجر وحجر و”بحر” وتحديداً البحر الميت، زاروا الميت فاستقبلهم بالموت.

من هو المسؤول الحقيقي عن فجيعة الأردن؟ هل هي الكارثة الطبيعية وليس للأردن حكومة ومؤسسة شأن بها؟ – وهذا الذي يتمناه رجالات الدولة – أم أن المدرسة وإدارتها هي من أقدم على قرار الرحلة الأرعن دون أي نوع من الإحساس بالمسؤلية؟ وهذا فيه وفيه. وهل الشركة المنظمة للرحلة قدّمت مصلحتها المادية على أرواح أطفال وأرباب الأسر؟ وهي جريمة لا أظن أن هناك من يُقبل عليها بثمن حياة أبرياء.

ماذا عن سد زرقاء ماعين الذي أنهي العمل فيه العام الماضي؟ لقد وردت أخبار كثيره حوله ومتضاربة في آن، بين تقرير أمين عام سلطة وادي الأردن بالوكالة المهندس علي الكوز حسب ما نشرته سلطة وادي الأردن في موقعها الرسمي بتاريخ في 02/08/2018 أن هناك هبوطا ببلاطة خرسانية في جسم سد زرقاء ماعين في محافظة مادبا أدّت الى غور كمية مليون و300 الف متر مكعب من مياه السد. ولقد تعهد الكوز بمحاسبة متعهد المشروع من قبل سلطة وادي الاردن وتشكيل لجان تحقيق بهذا الخصوص من قبل السلطة.

الملفت للنظر أن ذات المهندس قدّم تصريحاً في الساعات القليلة الماضية يفيد بعدم مسؤولية السد بفاجعة البحر الميت وهذا ينقاض ما نشرته سلطة وادي الأردن على لسانه.

بيد أن الحقيقة هي انخفاض منسوب المياه في السد بقيمة تترواح بين 75 أو علّها 85 بالمائة فأين ذهبت تلك المياه؟

ما يثير الاستهجان هو مطالبة الحكومة الأردنية جعل ملف التحقيق داخل غرف مغلقة دون نشرها للرأي العام، لا بل ملاحقة دائرة الأمن العام لكل من يتعرض بتفاصيل هذه القضية رغم أننا هنا نتحدث عن كارثة طبيعية قد تكون الحكومة هي المسؤول الأول عنها لعدم أهلية بعض المنشآت التي من شانها منع نكبة كهذه.

الجزئية الأولى في هذه الفاجعة والأهم هي المناقضات بين أقوال الناجيين والوقائع والأحداث التي تقدمها الحكومة على أنها الحقيقة. فمثلاً إحدى معلمات مدرسة فيكتوريا التي حالفها الحظ بالنجاة، أدلت بأقوالها في مقابلة مع تلفزيون “المملكة” حيث قالت: أنها أثناء مسيرها على أطراف السيل مع الدليل السياحي وهو ذاته المدرب، في طريق العودة ومعهم اثنى عشر طفلاً وابنتها صاحبة الثمانية أعوام، تقول: “بدأ الطقس بشوية مطر، بس كان الوضع طبيعي” – على حد تعبيرها – وخلال دقيقتين تحول منسوب السيل إلى نهرٍ يتزايد كل “ثلاثين ثانية” حسب المعلمة، إلى نصف متر، فكيف “بشوية مطر” يحول السيل إلى موج عارم في دقيقة؟ هذا مع العلم أن الوادي يترواح عرضه حسب المكان من عشرة أمتار إلى أربعين، قد يقل أو يزيد!

أراء آخرين من الناجين التي قالت بأنهم سمعوا صوت إنفجار، مما يدلّ على أن السد هو المتسبب الوحيد في حدوث الكارثة.

التحقيق في هذا الموضوع هو أسهل بكثير مما تزعم الحكومة وتقاعصها في مجريات العمل عليه. السد صرحُ ماثل في معان، إذن على الحكومة تشكيل لجنة مختصة محايدة من شأنها فحص منشآت السد التي قد تنتقص من مصداقية تهالكه أو تؤكده، وبالتالي إدانة الحكومة المتمثلة أيضاً بالوزارة أو المؤسسة المعنية بالسد أو تبرئتها.

وإننا نطالب الحكومة مطالبة صريحة وبصوت عالٍ بالعمل الجدّي ومعاقبة كل من له يد في هذه البلاء من غير هوادة.

رحم الله كل القائمين على الحق والشهداء أبنائنا.

شكري وتقديري

أحمد سليمان العمري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here