التفكير التباعدي: بين التعريف والتطوير

ترجمة: هاشم كاطع لازم – أستاذ مساعد- (لغة أنكليزية وترجمة)- كلية شط العرب الجامعة – البصرة
[email protected]
يهتم التفكير التباعدي divergent thinking (ويعرف أيضا بالتفكير المتباعد) أو التفكير الجانبي lateral thinking بايجاد حلول متعددة أو أبداعية للمشكلة ذاتها. وهو منهج عقلي عفوي سلس غير خطي non-linear يعتمد حب الأستطلاع والأستقلالية. وهذا النمط من التفكير مألوف لدى الأطفال حيث أن المتعة والخيال والنظرة الجديدة تضفي على تفكيرهم المزيد من الحرية. ويحظى التفكير التباعدي بالأهمية في عالم اليوم ، ففي ظل مجتمع تعوّد على محاكاة المهارات المتشابهة ترى الشركات الكبرى في بعض الحيان لزاما عليها تقييم المهارات الأخرى. ولأنها تولي أهتماما للجوانب الأخرى التي توفر الأبداع والحيوية لمشاريعها فأن الشخص المبدع والمبتكر يعتبر مرشحا ذا جاذبية يحظى بالأهتمام.
تجدر الأشارة الى أن مدارسنا وجامعاتنا ماتزال تولي أولوية للتفكير التقاربي (أو المتقارب) convergent thinking في مناهجها. وفي الستينيات من القرن الماضي ميّز جي بي كلفورد J. P. Guilford بين التفكيرين التقاربي والتباعدي وعرفهما. ورغم أن كلفورد أكد على أهمية تدريب الأطفال لأكتساب التفكير التباعدي فأن المؤسسات التربوبة لم تول الأمر سوى أهمية محدودة وأعطت أولوية لنمط من التفكير كان لزاما على الطالب أن يعمد بموجبه الى أستخدام التفكير الخطي والقواعد والعمليات المنسقة للتوصل الى الحل المنفرد (الصائب). ورغم أن مثل هذه الأستراتيجية قد أثبتت أهميتها وفائدتها في الكثير من الحالات فأن علينا أن نعترف بأن الحياة الواقعية معقدة ومفعمة بالحيوية والتغيير المستمر وعدم الدقة بحيث يصبح من غير الواقعي أن نظن أن للمشاكل حلا واحدا لاغير! من هنا يتعين علينا أن نتعلم كيفية ممارسة التفكير التباعدي الحقيقي.
وتعمد الكثير من المراكز التربوية الى تشجيع طلبتها على عدم الأقتصار على التوصل الى الأجابة الصحيحة حيث يتمثل الهدف في جعل المرء قادرا على طرح أسئلة جديدة.
التفكير التباعدي والعمليات النفسية
لابد من الأشارة الى أنه لايوجد ثمة تفكير أفضل من غيره ، فالتفكير التقاربي مفيد وضروري في الكثير من الحالات غير أن المشكلة الحقيقة أننا قدتدربنا على التفكير بهذه الطريقة فحسب وعمدنا الى تجاهل التلقائية والفطنة والحرية الآسرة. وفي الكثير من الدورات المخصصة لتدريب الناس على التفكير التباعدي تطرح على الطلبة أسئلة مثل:
ماالأشياء أو الفعاليات التي يمكن تحقيقها بقلم أو أجرّة؟
ماذا يمكن أن تعمل بفرشاة أسنان أو عود لتنظيف الأسنان؟

ربما تجد نفسك في البداية غيرقادر على الأتيان بفكرة واحدة غير ان بمقدور بعض الناس أن يقدموا أجابات متعددة وأفكار أبداعية بسبب مقدرتهم لما يطلق عليه أدوارد دي بونو Edward de Bono (التفكير الجانبي). دعونا في هذا السياق نطلع على العمليات النفسية التي تحصل ليتسنى لنا فهم الكيفية التي يجري بموجبها مثل هذا الأمر بشكل أفضل.
الشبكات الدلالية أو نظرية الترابطية
يهدف التفكير التباعدي الى أيجاد العلاقات بين الأفكار والمفاهيم والعمليات التي لايوجد بينها تشابه لدى النظرة الأولى. في هذا الشأن يقول علماء النفس الخبراء في مجال الأبداع بأن الناس يمتلكون شبكات أرتباط عقلية مختلفة فالناس ذوي الشبكات الدلالية (الحادة) يحكمهم المنطق والتفكير الخيطي. أما الناس من ذوي الشبكات الدلالية (المنبسطة) فيمتلكون شبكات عقلية أكثر أرتباطا ، بمعنى أنهم في بعض الأحيان يقومون بربط شيئين مع بعضهما رغم أن مثل هذا الترابط لاينتج معنى ما لكن الشبكات الأخرى تقدم مساهماتها ويؤدي ذلك الى فكرة مبدعة.
الدماغ بنصفيه الأيمن والأيسر
من المعلوم ان نصف المخ الجانبي الأيمن يمثل الجانب الأبداعي ، أما النصف الأيسر فيمثل الجانب المنطقي. لذا وبموجب هذه النظرية فأن الناس الذين يكثرون من استخدام التفكير التباعدي أو الجانبي يتجهون في الغالب الى أستخدام نصف المخ الأيمن رغم أنه يتعين علينا أن نكون حذرين أزاء هذا النمط من التعميم أو الهيمنة الدماغية لكون مثل هذه العملية دقيقة الى حد كبير.
من جانب أخر لايمكن النظر الى الدماغ بصفته كيانا يضم أجزاء منفصلة تماما فلدى الأتيان بفكرة ما سواء كانت ابداعية أو محافظة أو منطقية فاننا نعمد الى أستخدام دماغنا كليا. أن جوهر المسألة يتعلق بكيفية ربط فكرة بأخرى علما أن العباقرة يستخدمون عمليات فكرية تشبه الشجرة ، أي أنهم يقومون بتحقيق الروابط في جانبي الدماغ وليس في جانب واحد منه.
التدرب على التفكير التباعدي
بمقدورنا جميعا بصرف النظر عن أعمارنا أن نمارس التفكير التباعدي بالتركيز على الجوانب الأربعة الآتي ذكرها:
1. الطلاقة: القدرة على خلق عدد كبير من الأفكار.
2. المرونة: القدرة على أنتاج مجموعة متنوعة واسعة من الأفكار تستند الى حقول معرفية مختلفة.
3. الأصالة: القدرة على أنتاج أفكار مبتكرة.
4. التطوير: القدرة على تحسين أفكارنا وجعلها منسجمة مع التطورات القائمة في عصرنا.
في أدناه بعض الطرق التي يمكن أعتمادها لتحسين المجالات الأربعة المذكورة في أعلاه.
أولا. التمارين الترابطية
قام عالم النفس وليم جي جي كوردن William J. J. Gordon باستنباط مفردة synectics وتعني القدرة على أيجاد الروابط والعلاقات في مابين المفاهيم والأشياء والأفكار التي تبدو متباعدة. وهذا التمرين يستغرق الكثير من العمل الذهني ويمكن ممارسته يوميا من خلال أختيار المفاهيم من جانبنا. خذ على سبيل المثال الأسئلة الآتية:
ماالذي يمكن عمله بمشبك للورق وملعقة؟
مانوع العلاقة في مابين نهر ليمبوبو Limpopo River في أفريقيا وبحيرة بايكال Lake Baikal في سيبيريا؟
ثانيا. أسلوب سكامبر
يمثل أسلوب سكامبر Scamper Technique أستراتيجية أبداعية أخرى لتطوير الأفكار قام بتطويرها بوب أبيرل Bob Eberle وهي أستراتيجية مفيدة جدا في خلق شيء مبتكر وكذلك ممارسة التفكير التباعدي. على سبيل المثال دعونا نطرح فكرة تتعلق بالعمل ، فبمجرد بلورة مثل هذه الفكرة سوف نضعها في سلسلة من (المرشحات):
1. أستبدل عنصر من تلك الفكرة بعنصر آخر: ماالذي يمكن تغييره لدى أضفاء المتعة في العمل وكذلك في كيفية أداء العمل؟
2. الآن أربط الأشياء جميعا (ماالذي يمكننا فعله لجعل عملنا أكثر متعة؟)
3. قم بتعديل الأمر (ماالذي يمكن الناس فعله ليكونوا أقل أجهادا في أماكن عمل أخرى؟)
4. قم بمزيد من التغيير(كيف يمكننا أداء العمل دون أن نصاب بالأجهاد؟)
5. فكر بأستخدامات أخرى (ماالذي يمكن فعله في العمل ذاته على نحو ممتع؟)
6. أحذف شيئا (ماالذي يمكن أن يحصل لوأنك ذهبت للعمل قبل الوقت المعتاد لتحقيق فائدة أفضل في ذلك اليوم؟)
7. أعمل على أصلاح ذلك العنصر (ماالذي يمكن أن يحدث لوأنني تجرأت على … ؟)

التفكير التباعدي ومزاجك
أشارت الباحثة النفسية نينا ليبرمان Nina Lieberman في كتابها المتميز الموسوم (المزاح: علاقته بالخيال والأبداع) Playfulness: Its Relationship to Imagination and Creativity الى أمور ذات صلة بهذه المناقشة حيث أن التفكير التباعدي ينسجم مع المرح والتفاؤل والرفاهية الداخلية. واذا كانت لدى المرء علاقات طيبة ويعيش بأرتياح بعيدا عن الضغط والقلق والضغوط النفسية فأنه في وضع مثالي عند ممارسة التفكير التباعدي.
أننا نهمل الكثير من تلك الجوانب القيمة جدا بسبب مانتعرض له من ضغوط كبيرة وأنشغالات حياتية. من هنا يمكن الأستنتاج أن مثل هذا النمط من التفكير يولد من موقف محدد أزاء الحياة: أن يكون المرء حرا ومرحا ومستقلا ومنفتحا على التجارب الجديدة.

 https://exploringyourmind.com/divergent-thinking-what-it-is/

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here