فلسطينيو العراق بين محنة البقاء ومحنة مفوضية اللاجئين في بغداد

تحسين اللامي

حين تدخل الى مجمع البلديات للاجئين الفلسطينيين في بغداد ستشاهد بأنك تدخل مصحة للأمراض العقلية والنفسية للاخوة الفلسطينين . هذا الموقف اثر بي وقررت ان اعمل تقرير بهذا الشأن والوقوف قريبا لاتعرف عن هذا السبب .
مجمع البلديات تم تشيدها في السبعينيات في عهد الرئيس احمد حسن البكر . والتمويل من الأمم المتحدة عكس ما كان يروج بان تلك العمارات شيدت في عهد صدام حسين وعلى نفقة الحكومة العراقية .. عاشوا الاخوة الفلسطينيين مع اخوتهم العراقيين وتربطهم علاقات صداقة وجيرة ونسب وبعد سقوط نظام صدام حسين فر الكثيرين من الفلسطينيين مجمع البلديات بعد استهدافهم على الهوية من قبل مجاميع مسلحة تحيط بمجمعهم وقتل منهم الكثير من دون ذنب سوى لانهم عرب ويعتبرون من جماعة صدام حسين ؟ حسب اعتقاد الكثيرين . وبعد فرار الكثيرين منها . حل بمحلهم فلسطينيين يقطنون مناطق الزعفرانية والحرية والطوبجي والامين . وبعد التدهور المستمر للاوضاع الامنية في العراق ايضا تم فرار نصف العوائل الى دول المهجر على حسابهم الخاص بعد ذلك اصبحت نصف الشقق السكنية يسكنوها العراقيين ..
حين وزعت الشقق للاخوة الفلسطينيين في وقتها كانت العائلة الفلسطينية لا يتعدى افراد اسرتها بين خمسة او ستة . وبعد مرور ثلاث عقود العائلة التي تسكن في الشقة اصبحت ثلاث عوائل بسبب عدم امتلاكهم المال ليستأجروا على نفقتهم .
وضل هذا الحال ليومنا هذا . فالشباب الفلسطينيين اكثرهم عاطلين عن العمل بسبب خوفهم من السيطرات الحكومية ان ترى هوياتهم الفلسطينية ويتم التحقيق معهم . لان اغلب السيطرات حين يشاهدون هوية عربية او فلسطينية يتشككون ان صاحبها ارهابي او جاء من خلف الحدود …
هذه الأمور ولدت عندهم حالات نفسية لدى الشباب . واغلبهم مصابين باكتئاب شديد . استوقفت شاب فلسطيني وفضل عدم ذكر اسمه يقول لي : والله فكرت ان انتحر مرتان خلال عام واحد ولكن خوفي على أمي جعلتني ان اتراجع عن الانتحار بسبب ما نعانيه من اضطهاد وتمييز عنصري ولا يتوفر لي العمل لكوني فلسطيني .
ويقول لي رجل فلسطيني يبدو انه في العقد الخامس من عمره : تصور يا اخي انا ما زلت بدون زواج كنت اعمل سابقا موظف في احدى الوزارات العراقية وبعد عام 2003 تم فصلي من العمل بسبب انني فلسطيني وصارت الافضلية في التعيين للاقارب والاحزاب .
والتقيت بطفل يبلغ عامه الثاني عشر حيث قال لي : يا عمو نحن لا نتعشى لان والدنا معاق ولا نملك المال وقد قدمنا على الهجرة وتم قبولنا الى بريطانيا منذ سنتان ونصف ولحد الان ننتظر رحمة الله ورحمة مفوضية اللاجئين وكلما نتصل بهم لا يجيبونا ! .
والتقيت ايضا بامرأة عجوز تجلس في باب شقتها فحدثتني عن فلسطين وطيبة اهلها وكيف اتوا الى العراق عام 1948 والاحداث التي عاصرتها في منطقة قمبر علي في بغداد . حديث هذه العجوز اثبتت لي ان ظلم الفلسطينيين لم تنتهي منذ اكثر من سبعون عاما بل الظلم زاد عليهم اكثر فاكثر . وحدثتني ان لها ولدان قد هاجروا الى السويد على حسابهم الخاص في عام 2008 . فقلت لها ولماذا لا تلتحقين بابناءك . فاخبرتني ان القوانين في السويد لا تسمح للاندماج الاسري . وقالت لي : ذهبت مع ابنتي والمصابة بمرض في احدى اطراف قدميها الى مفوضية اللاجئين كي يساعدونا على التوطين خارج العراق ولكن تم طردنا من المفوضية والسبب اننا غير مقبولين ؟ .
والتقيت ايضا مع رجل يملك محلا مصنوع من خردة الحديد ويبدو عليه القهر والعذاب . اخبرني ان في كل شقة هم لا حدود له . وامراض نفسية وجسدية بسبب الاهمال لهذا المجمع وبسبب خوفنا من اناس لا ترحم حيث تعرضنا للعديد من المضايقات واكثرها ( الفصل العشائري) بتهم باطلة من اجل حصولهم على الاموال او يستولوا على شققنا فقدمت تقارير الى مفوضية اللاجئين وتم قبولي واخبروني ان امريكا وافقت علي قبولي وهذه السنة الثالثة وانا انتظر السفر ولكن يبدو ان الرئيس الامريكي لا يرغب بنا فوقعت ضحية بين هذا المجمع وبين السفر وحاولت مرارا ان اغير بلد التوطين الى بريطانيا ولكن مفوضية اللاجئين لم يسمحوا لنا ان نغير البلد او يفهموا ما نعانيه من مشاكل جمة .
فعلا مشاكل الفلسطينيين في مجمع البلديات بحاجة الى حلول فورية من اجل انقاذهم من الجحيم الذي يعيشون به . هذه الصدفة حين قصدت المجمع لشراء المقبلات من الاخوة الفلسطينيين اتضحت لي امور لم تكن في الحسبان واستكشفت ايضا ان هناك منظمات تدعى بالانسانية قد سرقت الكثير من المساعدات التي قدمت لهم . وقد تاجروا باسمهم وعذاباتهم ولم يقدموا لهم ما يوفي بحقوقهم .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here