اقدم الحضارات العربية الاسلامية في التاريخ ! ح 8

(*) د. رضا العطار

لقد قام السريان في العصر الاموي بترجمة التراث اليوناني الى اللغة العربية ولم يترجموا شيئا من آداب اليونان لان العرب فيما يظهر لم يتذوقوا ادابهم كما تذوقوا منطقهم وطبهم وفلسفتهم ولأن الادب اليوناني كان يعتز بالوثنية ويفخر بالالهة المتعددة ما يخالف تعاليم الاسلام، كما اعتبر العرب المسلمون من جهة اخرى انهم يملكون ثروة عظيمة في آدابهم ودينهم فلم يحفلوا بآداب اليونان.

وقد جاء الامويون في المدارس السورية ومدرسيها ما يحقق غايتهم . فقد قام العلماء السريان في سوريا بحركة نشيطة في نقل العلوم اليونانية الى العربية وخاصة العلوم الطبية ومن هؤلاء السريان برز اطباء كانوا في خدمة الخلفاء واطباء المدن العربية والاسلامية وربما كان الدافع وراء هذا هو عامل الحاجة الذي تحكم فيما يترجم في بداية هذه الحركة اذ ان حاجة الناس الى علم الطب على سبيل المثال لمداواة انفسهم من مختلف الامراض هي اكثر من حاجتهم الى الفلسفة او المنطق وهنا يقول صاعد الاندلسي ( كانت العرب في صدر الاسلام لا تعني بشيء من العلوم الا بلغتها ومعرفة احكام شريعتها باستثناء صناعة الطب فانها كانت موجودة عند امراء العرب غير منكرة عند جماهيرهم لحاجة الناس اليها.

لكن بعد احتكاك العرب الامويين بالكتب المسيحية والزرادشتية الفارسية توجب عليهم تحدي موقفهم كمسلمين والدفاع عن عقيدتهم بالحجة والحوار وتطوير علم الدين للاجابة عن اسئلة الاخرين وخاصة اوساط الثقافة السورية التي تحمل تقاليد الفلسفة اليونانية ومن هنا بدأت حركة واسعة لترجمة الاعمال الكبرى للامم المتحضرة.

لقد كانت حركة الترجمة من اهم وانشط الحركات الفكرية التي وجدت في العالم العربي والاسلامي. فقد شكلت روح التقدم العلمي حقيقة. وكانت الدعامة الاولى لمواجهة الفكر الحضاري بفكر حضاري آخر يفهم مقومات الحضارة المنقولة. وقد كانت الثقافة الاجنبية وخاصة اليونانية والسريانية والفارسية والهندية هي المنهل الذي استقى منه الفكر العربي – الاسلامي اهم مقوماته الحضارية.

وعندما فتح العرب بلدان الهلال الخصيب كان اثمن ما وجدوه فيه التراث الاغريقي الفكري. فكان من نتيجة ذلك ان اصبحت الثقافة اليونانية اشد العوامل الاجنبية تأثيرا في الحياة العربية. فالرها، وهي اهم مقر للسريان المسيحيين، وحرّان مدينة السريان، وانطاكية السورية وهي احدى المستعمرات اليونانية، والاسكندرية ملتقى الفلسفة الغربية والشرقية.

ونظرا لجهل العرب باللغات الاجنبية في ذلك الزمن فقد كان النصارى هم همزة الوصل بين العرب وهذه الثقافات نظرا لأجادتهم اللغات الاجنبية كاليونانية والفارسية والعبرية. وبذلك نشطت حركة الترجمة مرفقة بنظريات وفلسفات اثرت وانعشت هذا التراث، معززة روح التقدم العلمي المنشود.

لقد اظهر المسيحيون مقدرة فائقة في الترجمة. فكانت متحكمة الى درجة ان من يجيد اللغتين يجد انه من الصعب ان يفرق بين الاصل والترجمة. مما جعل السريان اعظم حلقة للاتصال بين الثقافة اليونانية وبين الثقافة العربية الاسلامية. فكانوا اقدم شعب شرقي عارف بالثقافة اليونانية التي عن طريقهم وصلت هذه الثقافة الى العقل العربي.

وكان السريان في تدريسهم في مدارسهم يستخدمون نصوصا يونانية يشرحونها وقد اصبحت هذه المدارس تحت حكم العرب المسلمين، فأمتزج هؤلاء المحكومون بالحاكمين كانت النتيجة ان تشعبت التعاليم في الامبراطورية الاسلامية وتزاوجت العقول المختلفة كما تزاوجت الاجناس المختلفة، فنتج عن هذا التزاوج الثقافة العربية الاسلامية.

وقد كان العرب في البتراء قبل الاسلام يستعملون اللغة الارامية في الكتابة مع انهم كانوا يتكلمون العربية، وان الكتابات التي نقشت على قبور البتراء تدل على ان الانباط قد اصطنعوا في هذه النقوش اللغة الارامية التي كانت لغتهم الرسمية حتى في ظل السيطرة الفارسية.

* مقتبس من كتاب الحضارة السريانية حضارة عالمية لموسى مخول.

الى الحلقة التالية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here