الحكومة الجزئية بين المهلة الدستورية وثلاثية النافذة الألكترونية وترشيحات الكتل السياسية والاختيارات الذاتية

الدكتور عبدالقادر العبادي
جامعة وين استيت الأمريكية

لم يكن السيد عادل عبدالمهدي رئيس مجلس الوزراء متفرداً بالآلية التي ارتأى أن يختار بواسطتها كابينته الوزارية لعام 2018م حينما استحدث نافذة ألكترونية لاختيار مرشحي حكومته الاتحادية.

فقد سبقه في ذلك رئيس مجلس النواب الدكتور سليم الجبوري في عام 2014م حين اعتمد نفس الآلية لاختيار رئيس جمهورية العراق حسب ما نصت عليه المادة 68 من الدستور العراقي على الرغم مما صرح به رئيس التحالف الوطني آنذاك الدكتور إبراهيم الجعفري بأن منصب رئيس الجمهورية هو استحقاق كردي بحسب التوافقات السياسية. لكن الدكتور سليم الجبوري مضى في آليته ودعا العراقيين الراغبين بالترشيح أن يتقدموا بطلباتهم عبر نافذة ألكترونية استحدثت لذلك التوجه البرلماني حسب ما نص عليه الدستور.

بعد ذلك وجهت رئاسة البرلمان السابق مخاطبات بأسماء المتقدمين إلى هيئة المساءلة والعدالة ومجلس القضاء الأعلى للتأكد من كون المتقدم ذا سمعة حسنة ومشهود له بالنزاهة والاستقامة والعدالة والإخلاص للوطن وغير محكوم بجريمة مخلة بالشرف وغير مشمول بأحكام إجراءات المساءلة والعدالة. وجاء الردّ على ما أفرزته النافذة الألكترونية بنزاهة 93 مرشحاً من أصل المتقدمين حيث كنتُ واحداً منهم إلى جانب الدكتور محمد فؤاد معصوم والدكتور صالح المطلك والدكتور برهم صالح وآخرين في الساحة السياسية لشغل هذا المنصب الرئاسي وهؤلاء المصادق عليهم من قبل الجهات ذات العلاقة والذين سيدخلون قبة البرلمان للتصويت عليهم حسب مؤهلاتهم وخبراتهم ومهنيتهم ، لكن الأمر حسم في ساعتها لصالح المرشح الكردي الدكتور محمد فؤاد معصوم على وفق مقاربة استحقاقية وبقيت أسماؤنا منشورة على صفحات الجرائد وشبكات الانترنت.

كذلك اعتمد الدكتور حيدر العبادي في أكتوبر عام 2017 م نفس آلية النافذة الألكترونية للترشيح للمناصب العليا في الهيئات المستقلة حيث كنت كذلك أحد المتقدمين بمؤهلات عالية اعتمدت الخبرة والمهنية والبعد السياسي لكن النافذة ومخرجاتها توقف العمل بها لأسباب شتى وبقيت الهيئات المستقلة على وضعها السابق دون أدنى تغيير في تركيبتها.

وجاء السيد عادل عبدالمهدي ليعلن عن نافذته الألكترونية للترشيحات الوزارية حيث وجدت نفسي أيضاً مدفوعاً بعزم وحزم للترشيح على منصب (وزير التعليم العالي والبحث العلمي ) وذلك إلى جانب مؤهلاتي تشجيع مجتمع مدينتي البصرة مسقط رأسي وأهلي وعشيرتي بأن تكون لهم حصة وزارية لمحافظتنا الغنية بثرواتها النفطية والتي تمثل شرياناً اقتصادياً مهماً بالنسبة للعراق كأغنى محافظة جنوبية وأنها ـ فضلاً عن ذلك ـ مركز إشعاع فكري وحضاري عبر مسيرتها التاريخية العملاقة. كل ذلك إلى جانب التشجيع المتواصل من زملائي من الأساتذة والباحثين داخل العراق وخارجة في الجامعات ومؤسسات البحث العلمي لما أمتلكه من مهنية وشفافية وشخصية تمتلك صفة القيادية ومهارات الأداء الناجح والقيم العلمية والأكاديمية والأخلاقية والاجتماعية والثقافية والتجارب المتعددة في ميدان التعليم العالي التي تجاوزت الأربعين عاماً في الجامعات العراقية والعربية والبريطانية والأمريكية. هذه المهنية تمنحني قوة آلية التفويض للمهام المنوطة بالعمل الوزاري وإعداد البرامج وصناعة الحدث والتمكن العالي من صنع القرار والقدرة على اختيار فريق العمل. هذا وقد تسلمت رسالتين ألكترونيتين الأولى من الموقع الألكتروني والثانية من السيد عادل عبدالمهدي.

هذا وقد بلغني أن نواباً أربعة عن محافظة البصرة قد رفعوا مذكرة إلى الرئاسات الثلاث عن تعليق عضويتهم في مجلس النواب بخصوص إسناد حقيبتين وزارتين إلى محافظة البصرة.

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي هي إحدى الوزارات الثمانية التي أجّل التصويت عليها إلى جانب وزارات الدفاع والداخلية والثقافة والتربية والعدل والتخطيط والهجرة والمهجرين التي آمل أن يعتمد رئيس الحكومة الاتحادية في إسناد الحقائب الوزارية على أسس متينة تدفع بالعراق العظيم موطن الرسل والأنبياء إلى مضاهات الدول المتقدمة لما يمتلكه من ثروات وعقول علمية وأكاديمية تستند على إرث حضاري عملاق.

كابينة السيد عادل عبدالمهدي ساعة تقديم برنامجه الحكومي ووزرائه اتضح أن البوصلة تؤشر أنهم ليسوا من رواد النافذه الألكترونية إنما نتائج توافقات سياسية وسيناريوهات منهجية المعالجة. هذه الحقائب لم تكتمل بعد فقد صوت البرلمان على 14 وزيراً من مجموع 22 مرشحاً طرحت أسماؤهم لشغل الكابينة الوزارية.

بعد أن تم التصويت على الوزراء الـ 14 طفت على السطح أمور في غاية الأهمية والخطورة تخص البعض من هؤلاء الوزراء المصوت عليهم منها عدم اطلاع أعضاء البرلمان على سيرهم الذاتية وكذلك فيما لو كانوا مشمولين بإجراءات المساءلة والعدالة والنزاهة والاستقامة والإخلاص للوطن والفساد والإرهاب والشهادات العلمية والقيود الجنائية.

وقد أفاد البعض من أن قاعة البرلمان أثناء جلسة التصويت ضمت شخصيات عامة كانت مدعوة للحضوروحمايات مسؤولين حكوميين ونواب سابقين وهذه الحالة شكلت نوعاً من الإرباك في التصويت وتوثيق منح الثقة.

ربما يعزو البعض هذا الاستعجال المربك لرئيس الوزراء في عرض حكومة جزئية غير مكتملة البناء يوم الأربعاء إلى المهلة الدستورية التي تنتهي يوم الجمعة ويبدو أن يومين أو أكثر غير كافية لعرض مفردات حكومة متكاملة.
أعتقد أن الكابينة الحكومية الجديدة قد أريد لها أن تقوم في الأساس على مقاربة مهنية وشفافية توافقية لكنها أخفقت في حسابات الزمن والنوع لتحقيق أركانها وعناصرها البنيوية فاختزلت وذابت بعض مكوناتها الأساسية نتيجة الضغوط التي مارستها القوى السياسية للحصول على استحقاقاتها الانتخابية مما تسبب في تشويه منظورها التركيبي.

إن السبيكة الحكومية لا بد أن يتوخى في صياغة مفاصلها عدم التنافر بينها وبين توجهات الدولة المؤسساتية المدنية وأن التكنوقراط ليس مواطناً من الدرجة المتقدمة مفروضة له الطاعة والولاء إلا بقدر ما يكون مخلصاً لأن الفضيلة بعمقها الشمولي مشروع لكل صنوف المجتمع الإنساني لا تؤمن بمشاهد الإصلاح الترقيعية والتوجهات المتقاطعة والاصطفافات السالبة القيمة.

إن المرجعية الرشيدة لحزب الفضيلة الإسلامي أعزّها الله قد شخصت بشجاعة عالية المقام الخلل الفادح في كابينة السيد عادل عبدالمهدي الوزارية الجديدة ووجهت بالتحري الفاعل والمجاهدة النيّرة الطالع لبيانات عدد من أعضاء حكومته ممن يتهمون بالإرهاب والفساد وهما الآفتان الأشد فتكاً والأخطر على المجتمعات الإنسانية.

إن ما وجّه به سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ محمد اليعقوبي بخصوص الحكومة الجزئية يثلج الصدور ويطمئن النفوس وهو يتحرى عمق وطنية الحكومة ويؤشّر مكامن الزيغ والزلل في مفرات مفاصلها حتى يستقيم الأمر وتتبدد موحشات الظلمة ؛ لأن أفضع الخيانة في منظور سماحته ـ حفظه الله ـ هي (خيانة الأمّة).

إن البيان الذي أصدره سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي حول تشكيل الحكومة الجزئية يدعو السيد عادل عبدالمهدي رئيس مجلس الوزراء ورئاسة البرلمان وأعضائه ولجنة التفاوض ممن أسهمت في تقسيم الحصص الوزارية والذين يقفون في واجهة التوجيه والإقرار والمصاحبة مجتمعين إلى إعادة النظر في تقييم عدد من هؤلاء الوزراء كي لا يذهب العراق وأهله نهب صفقات محمومة.

من الكتل النيابية التي أشرت هذا الإخفاق ( كتلة النهج الوطني) هذه الكتلة التي تستند على موجبات القدرة القيادية العالية في الرصد الواعي والتشخيص الممنهج في المستويين الكمي والنوعي وقد ضمّت نواباً أكفاء مهنيين متوازنين في قراءتهم للمصفوفة العراقية.
هذه الكتلة الشجاعة في توجهها الفكري ومنظورها القيادي قد اعتمدت برنامجاً سياسياً واضحاً متقدماً من أجل بناء دولة الإنسان المؤسساتية وقد طالبت هذه الكتلة رئيس الحكومة الاتحادية السيد عادل عبدالمهدي بكشف ملفات عدد من وزرائه الـ14 فيما يخص الشهادات والفساد والإرهاب وتصحيح الأخطاء التي انتجتها عملية التسارع والعشوائية في الاختيار والتصويت حيث أن تجاوز تلك المحطات الرئيسية يؤدي إلى تخلخل في بنية الحكومة والعملية السياسية.
لقد أشار النائب الدكتور عمار طعمة رئيس الكتلة إلى ظاهرة التصويت المتسارع وما رافقه من إشكالات سببه غياب العرف السياسي. أما الحقوقي النائب حسين العقابي العضو الآخر في هذه الكتلة الميمونة الطالع فقد طالب رئيس الحكومة الاتحادية السيد عادل عبدالمهدي بتقديم (براءة ) عن عدد من وزراء حكومته في ملفاتهم محطات قابلة للتوقف التصحيحي مع تصاعد المطالب الشعبية . إن كل هذه الممارسات صحية تنقي الأجواء وهي ثوابت في الخطاب السياسي الذي يقوم على ثلاثية الصدق والشفافية والتفاعل.

العراق العظيم بحاجة إلى قاعدة هرمية صلبة تؤمن بالعراق تاريخاً وحضارة وموروثاً ثقافياً وقيمياً يكون الولاء فيها خالصاً للعراق العظيم صانع الحضارات التي أذهلت البشرية وهي تقدم أول أبجديتها وقوانينا للإنسانية.
العراق في مناصبه العليا بحاجة إلى شخصية شجاعة كفوءة مهنية قوية مُهابة لا تتخفى بغلافها من صرير بابٍ أو خفقة ريح أو تحرك قشة.

أخيراً فإن السلطة في منطق الحضارات وسيلة لخدمة الإنسان وليست غاية لتحقيق المآرب والمزايدات المحمومة في سوق الصفقات والأجندات المستوردة والولاء فيها للوطن وليس للحكومات لأن الوطن راسخ والحكومات متغيرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here