السمو الأخلاقي للرسول الكريم معجزة في الأخلاق الإنسانية

عبد الرحمن الفراتي
مؤكد، لا يوجد مقارنة أو قياس ألبتة بين شخص النبي –صلى الله عليه وآله-
وبين باقي الرموز في العالَم سواء في العصر أو عبر التأريخ، فالنبي –صلى
الله عليه وآله- فضلًا عن نبوّته، وقبل أن يكون رسولًا قد بلغ أعلى
المراتب في الأمانة والإخلاص والإيثار، وقد كان معروفًا لدى الناس في
حينه بالصدق والعدل والأخلاق الفاضلة.
أما غيره من “قادة وملوك وأباطرة وعلماء وفلاسفة” ورموز عاديين، ورغم أن
لهم مكانتهم ومنزلتهم الخاصة لدى أتباعهم ومريديهم، وأيضًا لهم أطروحاتهم
وأفكارهم ونظريّاتهم، إلّا أنهم مهمى بلغوا من منازل عالية ورفيعة، ومهمى
يكن ما حقّقوه من نظريات وأفكار ولو بمستويات عالية لخير الناس وفائدتهم
يبقون مجرّد أناس عاديون، قاصرون عن بلوغ مرتبة السمو الأخلاقي
ومستحقّاتها التي بلغها النبي –صلى الله عليه وآله- حتى شهدت له السماء
بذلك “وإنَّك لعلى خُلِق عظيم” (القلم: آية4)، التي استحقَّ عليها أن
يكون نبيًّا.
وإذا ما قلنا بأن السمو الأخلاقي لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
كان معجزة في الأخلاق الإنسانية فإننا لا نبالغ في ذلك، كما سنوضح في
أنموذج من هذا الإعجاز الأخلاقي، فعند فتح مكة، وعندما استسلم المشركون
أمام إرادة الإسلام، ورغم كل حربهم وعدائهم للإسلام وللمسلمين ولشخص
الرسول الكريم تحديدًا، وبعد تماديهم الكبير اللئيم وكل ممارساتهم
الإجرامية ضد الدعوة الإسلامية الإلهية، بعد كل هذا الذي فعلوه فإن
الرسول –صلى الله عليه وآله- قد أصدر أمرًا بالعفو العام عنهم جميعًا،
وغضّ البصر عن جميع الجرائم التي صدرت منهم بحق المسلمين، وكان هذا
مفاجأة للقريبين والبعيدين على السواء، وكان ذلك سببًا لدخولهم في دين
الله أفواجًا بحسب مصداق قول الباري –تعالى-: (وَرَأَيْتَ النَّاسَ
يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا) (النصر). لقد وردت في كتب
التأريخ قصص كثيرة حول جمال خلق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في
تجاوزه وعطفه ورأفته وعفوه على الناس، وتضحيته وتقواه وإيثاره منها:
ورد عن الحسين بن علي -عليهما السلام- أنه قال: سألت أبي أمير المؤمنين
عن رسول الله كيف كان سيرته في جلسائه؟ فقال: كان دائم البشر، سهل الخلق،
لين الجانب، ليس بفظ، ولا غليظ ولا صخاب، ولا فحاش، ولا عياب، ولا مداح،
يتغافل عما لا يشتهي، فلا يؤيس منه ولا يخيب فيه مؤمليه، قد ترك نفسه من
ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث كان لا يذم
أحدًا ولا يعيره، ولا يطلب عثراته ولا عورته ولا يتكلم إلا في ما رجا
ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كإنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا،
ولا يتنازعون عنده الحديث. (معاني الأخبار:ص83).
ولو لم تكن هذه الأخلاق الكريمة وهذه الملكات الفاضلة لما أمكن تطويع تلك
الطباع والنفوس والقلوب القاسية الخشنة، ولما أمكن تليين طباع الناس
الذين كان يلفّهم الجهل والتخلف والتعصّب والعناد، ويحدث فيهم انعطافًا
عظيمًا ولينًا فتقبّلوا الإسلام، ولانفض الجميع من حوله بحسب قوله
-تعالى-: (لانفضوا من حولك).
وكم كان رائعًا لو أحيينا والتزمنا بهذه الأخلاق الإسلامية الكريمة، وكان
كل منا يحمل قبسًا من إشعاع خلق وأخلاق الرسول الكريم –صلى الله عليه
وآله- وخاصة في عصرنا الراهن حيث ضاعت فيه القيم، وتنكَّب الناس عن
الأخلاق الطيبة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here