اقدم الحضارات العربية و الاسلامية في التاريخ ! ح 10

(*) د. رضا العطار

ان الفتوحات العربية الاسلامية هي عند التحقيق، انقلاب اجتماعي وسياسي استرد المشرق مجده السامي الغابر. هذا ما يذكره فيليب حتي في تاريخ العرب المطول.

فالثقافة اليونانية التي طرأت على البلاد العربية منذ فتوح الاسكندر سنة 322 ق م لم تكن قد غيرت طبيعة السكان. انها قد اثرت على حياة المدن، فقد حافظ سكان الارياف على ثقافتهم الوطنية واختلافاتهم الطائفية التي فصلتهم عن اسيادهم الاجانب.

ويروي الباحثون ان الاسلام في اول امره لم يبد غريبا كل الغرابة لدى المسيحيين ولا دخيلا عليهم، لعله بالنسبة اليهم كان اقرب الى طائفة مسيحية جديدة منه الى دين جديد لذلك كانت خصومة الاسلام للمسيحية بوجه العموم من قبيل المنافسة اكثر منها من قبيل التعارض في المبادئ. ولقد كانت عقيدة التوحيد من اروج المواضيع في الادب القرآني وما جاء في الاناجيل والرسائل الصوفية.

فهذا المسيحي – افرام – الذي عاش قبل الاسلام باربعة قرون، يصف الجنة وصفا حسيا قوله: ( لقد شاهدت مقامات الابرار ورايت الابرار انفسهم واذا الطيوب تقطر منهم والروائح العطرية تفوح من اعطافهم وطاقات الزهور تكلل رؤوسهم وانواع الفواكه تزين قاماتهم .. وعندما يتكي الابرار الى المائدة تجود عليهم الاشجار باظلالها في الهواء الطلق وتتفتح الزهور من تحتهم وتنضج الفواكه من فوقهم .. الرياح تقف بين ايديهم مستعدة لأداء ما يطلبون، تتسم احداها بالطمأنينة وترفع الاخرى بالشراب فيجري رقراقا يحمل بعضها بالزيت وبعضها الاخر يحمل بالطيوب .. كل من امتنع عن الخمور في الدنيا تذوق الخمور في الفردوس وتمتد اليه كل نبتة من الكرمة بعنقود من العنب وكل من عاش عفيفا تستقبله الحوريات بصدورهن النقية )

ثم ان التفرقة بين الفروض والنوافل واضحة في الديانتين وتقوم بينهما مشابهات كثيرة في ممارسة الشعائر ومزاولة طقوس العبادة فقد قررت الكنيسة ثلاث صلوات في النهار واثنتين في الليل، قبل ان تنظم الصلاة في الاسلام بوقت طويل. والصلواة الليلية التي ورد وصفها في القرآن في سورة المزّمل في الاية من (1-8 ) وفي الاية 20 تعيد الى الذاكرة رياضة الرهبان الروحية، فقد كان النساك يتخذون في اثناء الصلاة اوضاعا جسدية تشمل على السجود ولمس الارض بالجبين.

وفي الشعر الجاهلي وصف لناسك تحجر جبينه من اثر السجود فغدا ما يشبه ركبة العنزة

ولقد كان من الطبيعي ان ينقل بعض المسيحيين لدى اعتناقهم الاسلام شيئا من افكارهم وشعائرهم. وان تقتبس بعض الفروق والبدع شيئا من ذلك وتحتفظ به.

هناك الكثير من الاسماء الارامية في المفردات القرآنية. فمن الملاحظ ان تاثير المسيحي الديني في العرب ما قبل الاسلام وثم في الاسلام الناشئ تجلّى في الالفاظ القرآنية التي اعتبرها اللغويون دخيلة، منها:

كلمة: ابليس – جهنم – حواريون – رجس – صوم – فردوس – طور – فرقان – قسط – سراط – سجود – صلاح – زكاة.

كما ان العرب نقلوا عن المسيحيين افعالا، منها:

آمن – باركَ – بشّر – تابَ – سبّح – سجدَ – صلّى – قدّس – كفرَ – نذرَ – وتنبّأ

ومن الاسماء: باري – ثواب – ديّان – قدّوس – قدّيس – جبروت – ملكوت – طاغوت

لقد كان للمسيحيين الفضل الاكبر في بعث النهضة العربية الفكرية الاولى منذ العصر الاموي ومرورا بالعصر العباسي، فقد شكلت هذه النهضة العصر الذهبي للعالم الاسلامي في ذلك الوقت وجعلت العرب المسلمين يتنقلون من الوجود في التاريخ الى التاريخ، وخاصة حركة النقل والترجمة، تلك النهضة التي غدت معجزة العصر الاسلامي العربي القديم.

*مقتبس من كتاب الحضارة السريانية حضارة عالمية لموسى مخول.

الى الحلقة التالية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here