غسان كنفاني … بندقية والبارود حبر أحمر

الايام تمضي والسنون تهاجر لا يبقى منها سوى زوايا مكتظة بالمشاهد تنقل البهاء والنقاء تارة في قصة عشق واخرى في حكاية ثورة ..

في خضم هذا التكوين الفكري ترعرع حرفي منذ ان كان طفلا يقلب اغلفة المجلات ويبعثر صفحات الجرائد في مكتبة ابي العظيم كنت رفيقا للوعي للمنطق منذ صغري اي نعم لم اكن ادرك المعنى الحقيقي لهذه العلاقة لكن اكوام الحروف على الاوراق لعبت دورا حاسما في تقوية خيوطها بالعقل والقلب ..

ذات يوم في الثمانينات وبينما كنت غارقا في الالوان الداكنة على غلاف مجلة عربية رأيت ظلا جميلا بجانبه ملامح صلبة كلمات مكتوبة بالأحمر وبضع حركات ترافق الصور سألت ابي العظيم من يكون ..

قال لي … غسان كنفاني ثائر وروائي فلسطيني

لم ادرك تماما المعنى كاملا لكنني احببت الاسم والصفة وبقيت اقلب الصفحات واعود الى بدايتها لم تتغير الملامح الأحمر كان رشيقا والحركات ظلت كالسنديانة صامدة لا تفارق افق الصور ..

كبرت وكبر معي ذاك الحب الذي تحول فيما بعد الى شغف وهوس اطاح بكل الاغلفة والصفحات ففي الرف العلوي لمكتبة ابي العظيم ثمة روايات لصاحب الملامح الصلبة حاولت ان اقرأ كلمة هنا كلمتين هناك اسأل ابي العظيم عن معانيها بقيت هكذا وما ان ظهر الربيع الاخر شعرت ان لي القدرة ان اقرأ ما لم اقرأه في طفولتي ..

ما تبقى لكم ..عائد الى حيفا.. العاشق.. رجال في الشمس

كانت اولى رواياته التي رحت اتعاطاها بلهفة فكرية لا مثيل لها ..

غسان كنفاني جمع بين العشق والثورة اطل من شرفة النسيان والغياب ليسرد القصص والحكايات من البعد الحزين فالمعاناة والقهر مادتان اساسيتان في كتاباته وان حاصر بذور الفرح في سطور فثمة سطور تنادي الحنين والشوق للوطن البعيد ..

غسان كنفاني لم يكن مجرد كاتب بل كان حرفا كبيرا يصارع الكتابة مع شعاع الإلهام فخروجه عن النص لم يكن صدفة فالثورة كانت حلمه المفضل والعشق كان الصرح الذي يغادره مع هدير الرصاص وصهيل القنابل اعماله تترجم فصول قضية الانسان قلمه حمل راية الحرية والكرامة من جهة اليسار اسلوبه فريد في تقصي النبضات الهاجرة ولادته نشأته المراحل القصيرة التي قضاها في فوضى الحياة اظهرت عنفوان عقله وكبرياء ضميره لم يعش طويلا لكنه كتب عن الاشياء من جميع الزوايا التحق مبكرا بصفوف ثورة الادب والفكر ناضل قاوم وانتصر ببندقية بارودها حبر أحمر وحين رحل ترك ورائه ألف حرف أحمر ..

ايفان علي عثمان

شاعر وكاتب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here