كيف يلعب ارث داعش على مدن العراق؟

نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا لمراسلها بيتر بيمونت من الفلوجة في العراق، يقول فيه إن مدرسة الشهداء تقع في منطقة كانت من أكثر الجبهات عنفا تحت سيطرة تنظيم الدولة.
ويقول بيمونت إن على الأطفال السير في شوارع ترابية محاطة بطوب مدهون باللون الأحمر، وفيها لافتات تحمل صورة جمجمة وعظمتين، محذرة من تجاوز ذلك الخط، حيث توجد ألغام زرعها تنظيم الدولة، مشيرا إلى أن هناك مئات المتفجرات المصنعة يدويا مدفونة في الحقول، وفي البيوت التي دمرتها الحرب، وتحت الشوارع، حيث تشكل حزاما يصل طوله إلى 15 كيلومترا وأكثر.
ويشير التقرير، إلى أن حياة الناس في منطقة الشهداء في جنوب الفلوجة أصبحت مرهونة بحقول الألغام المحيطة، فهي تحدد أين يعيشون وأين يمشون وأين يزرعون وأين يسمحون لأطفالهم باللعب، لافتا إلى أن الفلوجة، التي كانت إحدى أولى المدن العراقية التي تم استردادها من تنظيم الدولة، تركت لتعاني من إرث الحرب القاتل والمستمر.
وتقول الصحيفة إنه مع انتهاء فترة الدراسة الصباحية فإن الحافلات الصغيرة تأتي والآباء يصلون لأخذ أطفالهم، فيما يغادر آخرون في مجموعات ويمشون في الممرات التي تم تأمينها، التي تحمل علامات “هالو تراست”، الجمعية الخيرية البريطانية المتخصصة بعمليات نزع الألغام.
ويبين الكاتب أن إعادة فتح المدرسة كانت أمرا أولويا بالنسبة للعائلات التي بدأت بالعودة ببطء إلى المدينة، وقال نائب مدير المدرسة سامي حمد عباس: “لم يكن ذلك ممكنا من قبل، ولذلك تم تدريس الأطفال في كرافانات”، ويتم تذكير الطلاب أسبوعيا بالمخاطر التي تشكلها تلك المناطق التي لم تطهر من الألغام.
وأضاف عباس: “نجمع الطلاب صباح كل يوم خميس في المدرسة ونحدثهم عن مخاطر الألغام، ونخبرهم عن الطرق الآمنة التي يمكنهم اتباعها”، مشيرا إلى أنه مع ذلك، فإن طبيعة الخطر ليست دائما هي ذاتها “فخلال الأيام الأخيرة كانت هناك أمطار مستمرة (تسببت بجعل الأرض أكثر ليونة)، ولذلك طلبنا من الأطفال البقاء في بيوتهم؛ لأن الوضع كان أكثر خطرا”.
وبحسب التقرير، فإن للفلوجة رمزية لمشكلة أوسع، فالمتفجرات التي كان ينتجها تنظيم الدولة على مستوى شبه صناعي، لنشرها في حقول ألغام تشكل حاجزا، منتشرة في شمال وغرب العراق من الموصل -آخر معقل للتنظيم- إلى القائم على الحدود السورية، حيث لا يزال التنظيم يقاتل، ما تسبب بنزوح ما يقدر بـ 1.7 مليون عراقي.
وتقول الصحيفة إن المشكلة ليست خاصة بالعراق، فقد عثر على ألغام مصنعة يدويا في كل من أفغانستان وسوريا واليمن، وهو تهديد متصاعد أثر على الجهود العالمية للتخفيف من الإصابات بالألغام وجعلها في حالة تراجع.
ويقول بيمونت: “إن كان هناك ما يجعل منطقة الشهداء محظوظة بأي شكل من الأشكال فهو كونها كانت من أوائل المناطق العراقية التي تم تحريرها من تنظيم الدولة، وأن تلك المتفجرات -على عكس ألغام الحرب الباردة- تتراجع فعاليتها مع الوقت”.
ويلفت التقرير إلى أن المنطقة شهدت جهودا مبتكرة لتنظيفها من الألغام، ومن بين المنظمات التي ساعدت في ذلك منظمة (هالو تراست) البريطانية، التي بدأت في العمل هناك خلال الصيف، مشيرا إلى أن المنظمة تقوم بتدريب العراقيين المحليين على أساليب أسرع وأقل تكلفة، باستخدام الحفارات الميكانيكية المصفحة، التي تقوم بإخراج تلك الألغام المدفونة.
وتذكر الصحيفة أنه على مسافة قصيرة من المدرسة، في منطقة النويمية، يقع بيت عائلة عبد اللطيف، البالغ من العمر 26 عاما، وهو مشرف على خندق جاف كان يستخدم سابقا لسقي حقول القمح والشعير، ويلعب الأطفال أمام البيت، يقول عبداللطيف إنهم لا يستطيعون مغادرة حيز بيتهم بسبب الخطورة، والسبب واضح مباشرة، ففي الحقل المجاور لمزرعته التي دمر نصفها، كشفت الرياح والأمطار عشرات الألغام على بعد لا يزيد على عشرين مترا من المكان الذي يلعب فيه الأطفال.
وينقل الكاتب عن عبداللطيف، قوله إن “أربعة رجال كانوا قد قتلوا العام الماضي بينما كانوا يبحثون عن خردة معدنية في خندق، ما آثار لغما”، وأضاف أن السكان محبطون من بطء عملية التنظيف، ما جعل أحد السكان يحاول أن يبطل مفعول الألغام بنفسه، وأوضح قائلا: “حضرت فرق التخلص من المتفجرات التابعة للجيش العراقي.. لكنهم غادروا ومنذ ذلك الحين لم يعودوا”.
وينوه التقرير إلى أن مدير “هالو تراست” جيمس كوان، وهو ضابط سابق في الجيش البريطاني قاد القوات البريطانية خلال القتال حول الفلوجة عام 2004، كان يستمع لعبد اللطيف، مشيرا إلى أن كوان موجود في العراق كجزء من جهد لجمعيته لحشد الدعم الدولي لجهود إزالة الألغام، وهي قضية يخشى أنها تعاني من إرهاق أصاب المتبرعين لهذه المسألة، بالرغم من التحديات الناتجة عن الانتشار الجديد للألغام.
وتفيد الصحيفة بأن جمعية “هالو تراست” تعمل في الفلوجة، وفتحت مركزين لإزالة الألغام في تكريت، وتأمل أن تستطيع العمل في أقصى غرب العراق عندما يصبح الوضع آمنا بما فيه الكفاية.
ويورد بيمونت نقلا عن كوان قوله: “في أذهان الناس، يعتقدون أن الألغام الأرضية هي أشياء صغيرة مستديرة أنتجت في مصانع وتصنعها دول.. لكن ما يحصل الآن هو أن هذه المتفجرات مرتجلة، وليست مصنعة من دول، إنها مصنعة من منظمات إرهابية، ونتيجة للصراعات في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا وغيرها نرى ارتفاعا مذهلا في أعداد الضحايا”.
ويجد التقرير أنه على غير شاكلة الألغام القديمة المضادة للأفراد، التي تحتوي على عدة مئات من الغرامات من المتفجرات الشديدة، فإن هذه المتفجرات تحتوي عدة كيلوغرامات، ولذلك فإن الإصابات منها قاتلة أكثر، بما في ذلك التسبب بقطع أكثر من طرف لمن ينجو بحياته من تلك المتفجرات، لافتا إلى أن ما يقلق كوان ليس التهديد الجسدي فقط، ولكن التأثير الاجتماعي أيضا، خاصة إن لم تتم إزالة تلك المتفجرات بسرعة.
وقال كوان للصحيفة: “ما يقلقني هو ليست الإصابات فقط، لكن ما تتسبب به من نزوح، الناس يخشون العودة إلى بيوتهم، وكنتيجة لعدم تمكنهم من العودة إلى بيوتهم، يصبحون أيضا معرضين للخطر.. لكننا نواجه خطر نفاد الأموال، ونحتاج لمتبرعين لإنهاء عملنا في الفلوجة”.
ويضيف كوان: “إن كان المواطنون لا يستطيعون أن يزرعوا أو يعيدوا بناء بيوتهم وكسب قوتهم فإنهم يصبحون عرضة للتطرف، ولموجة جديدة من العنف في المدينة -وفي بلد لا تزال غير مستقرة سياسيا- حيث اشتعل الصراع مكررا منذ الغزو الذي قادته أمريكا عام 2003، الذي أطاح بصدام حسين”.
وتذكر الصحيفة أن مصطفى كان من أوائل من عادوا إلى منطقة الشهداء بعد الصراع، وقام بإعادة بناء بيته، ويقول مصطفى: “كان بيتي في وسط ساحة المعركة بين تنظيم الدولة والجيش العراقي.. وهناك طريق واحد يمكننا مغادرة البيت منه للوصول إلى مناطق آخرى.. ولم يقم تنظيم الدولة بزرع الألغام في الشوارع فقط، لكن في الحدائق أيضا، لقد زرعوا متفجرات حتى تحت الفراش، وتحت بلاط الأرضيات وتحت الثلاجات، وكنت مطلوبا لتنظيم الدولة لأنني معتدل”.
ويشير الكاتب إلى أن مصطفى أوضح أنه عاد في الوقت الذي لم يعد فيه جيران آخرون، وقال: “علينا أن نغامر. ليس لدينا مالا لننتقل إلى مناطق أكثر أمنا، ولذلك بقينا في بيوتنا”، لافتا إلى أن المخاطرة المستمرة في بلد لا تزال غير مستقرة هي شيء يشاركه العاملون على إزالة الألغام المحليون.
وتختم “الغارديان” تقريرها بالإشارة إلى أن الدليل على المخاطرة التي يعيشها هؤلاء كان واضحا يوم الاثنين، عندما تم هجوم بالرصاص في قرية شمال الفلوجة، تسبب بمقتل ميشان خليل، الذي يقود فريق مسح تابع لجمعية “هالو تراست”، الذي صاحب مراسلي “الغارديان”، وسائق أحد عربات نزع الألغام التابعة لجمعية “هالو تراست” في منطقة الشهداء عندما كانوا خارج أوقات العمل، وكانوا يحضرون اجتماعا في القرية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here