الانسان وفضائل الاخلاق !

* د. رضا العطار

لا شك ان الحياة البشرية حين تستحيل الى سعي مستمر وراء المنفعة الذاتية، فانها عندئذ لا تلبث ان تفقد قيمتها الحقيقية. ولعل هذا هو السبب في خواء حياة البعض لانهم كثيرا ما يصبحون عبيدا للرفاهية دون ان يفكروا في القيم، فلا غرو فانه حينما يتلاشى كل شئ في تلك الصبغة الرمادية المسماة ( المنفعة ) فلا بد من ان الحياة البشرية ان تصبح تافهة مبتذلة – – فالمنافع لا تكون ذات قيمة اللهم الا باعتبارها وسيلة ترتبط ببعض القيم.

ولهذا يقرر الفيلسوف عارتمان : انه لا بد من استبعاد المنفعة من دائرة القيم الاصلية، نظرا لانها لا يمكن ان نعده في ذاتها بمثابة (قيمة اولية) ومع ذلك فان كل اخلاق لا تريد لنفسها ان تبقى مجرد (احلام مثالية) بل تحرص على الارتباط بمشكلات الحياة العملية لكي تنطوي على عنصر ما من عناصر (النفعية) حيث انها تجد نفسها مضطرة الى ان تصبح (اخلاق وسائل) Morality of means

وعلى كل حال فسواء أكان الغرض من المنفعة هو كفالة القانون ام النظام العام ام الرفاهية الشخصية ام التربية والاصلاح الاجتماعي. ان تحسين العلاقات بين الافراد ام غير ذلك فاننا نلاحظ في كل هذه الحالات ان (المنفعة) تمثل مقولة كلية من مقولات الحياة العملية بوصفها (الصورة) التي تشير الى ( علاقة الواسطة بالغاية )

بيد ان (اخلاق المنفعة) كثيرا ما تتسبب في خداع عدد كبير من الناس خصوصا من بين اهل الطبقات الكادحة اذ قد يقع في ظنهم ان اسعد الناس بالضرورة هو ذلك الذي يملك من اسباب (الرفاهية) ما يضمن له تحقيق كل رغباته، وكأن السعادة رهن بتوافر الموارد

ولا شك ان الرجل الكادح حين يتصور ان الغني يتمتع بكل ما هو في حاجة اليه، فانه يتناسى ان هناك قيما اخرى غير الرفاهية. وان السعادة ليست بالضرورة مجرد نتيجة للحساب النفعي – – – والحق ان فلسفة المنفعة تحجب عن اعين الناس الكثير من (القيم)

كالمعرفة والتذوق والثقافة والفن وغير ذلك في حين ان الكثيرين من هذه القيم لا يحصل الا بشق الانفس – والخطر الاكبر الذي يتهدد الماخوذين بسحر مذهب المنفعة هو الوقوع تحت (وهم اللذة) او (خداع السعادة)، مما قد يدفع بهم نحو الجري – عبثا – وراء سراب (المنفعة) لكي لا يلبث الواحد منهم ان يجد نفسه في خاتمة المطاف امام تهاويل براقة لا تخلّف وراءها سوى الاحساس بالخواء او الفراغ او الضياع.

· مقتبس من كتاب فلسفة الحياة، لمؤلفه د. زكريا ابراهيم – القاهرة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here