شيطنة شرق الفرات

خورشيد دلي

20 نوفمبر 2018

كاتب سوري، عمل في قنوات تلفزيونية، نشر دراسات ومقالات عديدة

نشرت “العربي الجديد” مقالا عنوانه “عن خطر قادم من شرقي الفرات” (17/11/2018)، للكاتب باسل الحاج جاسم، حشد أمثلة تشير إلى خطر قادم من هذه المنطقة، سواء بالسعي إلى انفصالها عن سورية، أو بتشكيل تهديد مستقبلي للأمن القومي التركي، وذلك كله عبر التحالف الذي نشأ بين الولايات المتحدة وحزب الاتحاد الديمقراطي، ولاحقا قوات سورية الديمقراطية، بوصف التنظيمين يتبعان حزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابيا لدى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو ما حرص الكاتب على ذكره مراتٍ.
يكتب الكاتب أن الولايات المتحدة بدأت العمل مع حزب الاتحاد الديمقراطي مع بدء التحالف الدولي الحرب ضد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في خريف عام 2014، لكن الحقيقة أن الولايات المتحدة تحالفت مع الحزب المذكور في يناير/ كانون الثاني 2015، بعد أن كاد “داعش” يسيطر على كامل مدينة كوباني (عين العرب). واللافت أن الكاتب يتجاهل أو ينسى أن الولايات المتحدة بدأت قبل هذا التاريخ بتدريب قوات من الفصائل السورية المسلحة، تحضيرا للحرب ضد “داعش”، ويعرف الجميع أن فشل هذا البرنامج كان أحد الأسباب الأساسية لتوجه الولايات المتحدة إلى التحالف مع “وحدات حماية الشعب”، لكن الكاتب سرعان ما يستنتج أن الولايات المتحدة رأت “التنظيم الإرهابي ورقة رابحة، وقوة يمكن التعويل عليها، قادرة على احتلال المنطقة العربية”.
من دون شك، تستخدم الدول المعنية بالأزمة السورية الأطراف المحلية ورقة لتحقيق أجندتها وسياساتها، وهذا حال العلاقة بين أميركا والكرد، كما الحال بين تركيا وفصائل مسلحة عديدة، وهو ينطبق أيضا على باقي الأطراف الأخرى، لكن القول إنها قوة قادرة على احتلال المنطقة العربية (!) يفتقر إلى الدقة والمنطق وحتى العقل، إن لم نقل الهدف من هذا القول النفخ في الأيديولوجيا القومية لإحداث حرب كردية – عربية، لن يكون فيها رابح، في وقتٍ تعيش مناطق شرق الفرات حالة وفاق بين مكوناتها، خلافا للوضع في مناطق أخرى من الشمال السوري، حيث الخلافات والاقتتال الداخلي، وإن بشكل متقطع.
“لم يطرح كرد سورية إقليما جغرافيا قوميا على غرار إقليم كردستان العراق. ولم يتحدّثوا يوما عن حقوقٍ لهم خارج الارتباط بالعاصمة دمشق”

التهمة الجاهزة في ثنايا المقال أن الكرد يسعون إلى الانفصال، من دون أن يأتي الكاتب بدليل أو تصريح أو بيان من حزب أو تنظيم كردي سوري يؤكد هذا الأمر، بل حتى الشعارات التي رفعتها أطراف كردية، مثل الفيدرالية وإقليم روج آفا، تم التراجع عنها، لصالح الدعوة إلى الحوار مع النظام والمعارضة معا، للانتقال إلى حكم لا مركزي. وليس هذا المطلب محض كردي، وإنما وجد طريقه إلى وثائق دولية عديدة بشأن مستقبل سورية. وعليه، فإن إشارة الكاتب إلى أن الأكراد يشكلون القومية الثانية قد يكون كلام حقٍ يُراد به باطل، لإسقاط الحالة الكردية في شمال العراق على أكراد سورية، من دون الأخذ بالاعتبار فروقا كبيرة بين الحالتين. وكذلك قوله “الخطر الأكبر الذي يهدد مستقبل سورية يكمن في شرق الفرات”، واستشهاده بتصريحات روسية بهذا الخصوص، كلها تصب في إطار سياسة شيطنة شرق الفرات، وتصوير الأمر خطرا يهدّد أمن المنطقة بكاملها، ليشرع الطريق أمام الخاتمة التي انتهى إليها أن تركيا لن تقبل بكيانات عرقية أو طائفية على حدودها الجنوبية، ولذلك بدأت تعد العدة لعمليتها الثالثة لضرب قواعد الإرهاب.
لم يطرح كرد سورية إقليما جغرافيا قوميا على غرار إقليم كردستان العراق، كما ذهب الكاتب، ولم يتحدّثوا يوما عن حقوقٍ لهم خارج الارتباط بالعاصمة دمشق. وعليه، يدخل الإصرار على تصوير الكرد انفصاليين في سياق تلك الأيديولوجيات القومية الضيقة التي فاقمت المشكلات، ولم تحلها طوال العقود الماضية، ولعل بداية حل المشكلات القومية والأقليات في العالم العربي هي الاعتراف بها واقعا، بما يساهم في وحدة البنيان الحضاري للمنطقة، لا إعلان الحرب عليها، وهي حربٌ لم تجلب سوى الدمار واستنزاف قدرات المنطقة.
أما حزب العمال الكردستاني فبدأت مشكلته في تركيا، وحلها في تركيا وليس في مكان آخر. وعليه، إن تحويل كل شأن كردي في باقي دول المنطقة كأنه من صنع هذا الحزب يأتي في إطار سياسة إبقاء المشكلة خارج تركيا، وهو ما يوتّر العلاقات التركية مع دول عديدة، بما في ذلك حليفتها التاريخية في حلف شمال الأطلسي، أي الولايات المتحدة التي وضعت أخيرا ثلاثة من كبار قادة الحزب الكردستاني على قائمة المطلوبين، وخصصت مبالغ كبيرة لمن يدلي بمعلوماتٍ تؤدي إلى القبض عليهم.
جوهر المشكلة هو التفكير أن من ليس معنا يعني أنه مع التقسيم، وهذا نمط مغلق من التفكير، لا يريد رؤية نموذج حكم سياسي لا مركزي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here